إعانة الطالبين
البكري الدمياطي
الجزء الأول
[ 1 ]
حاشية
إعانة الطالبين للعلامة أبى بكر المشهور بالسيد البكري ابن السيد السيد محمد شطا
الدمياطي
[ 2 ]
حاشية
إعانة الطالبين للعلامة أبي بكر المشهور بالسيد البكري ابن السيد محمد شطا
الدمياطي على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد
العزيز المليبارى الفناني.
[ 4 ]
جميع
إعادة الطبع المحفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 ه / 1997 م
[ 7 ]
المقدمة
الحمد لله الذي أوضح الطريق للطالبين، وسهل منهج السعادة للمتقين، وبصر بصائر
المصدقين بسائر الحكم والاحكام في الدين، ومنحهم أسرار الايمان وأنوار الاحسان
واليقين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك، الحق المبين. وأشهد أن
سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الامين، القائل: من يرد الله به خيرا يفقهه
في الدين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فيقول أفقر الورى إلى ربه، ذي العطا، أبو بكر ابن المرحوم محمد شطا: إنه لما
وفقني الله تعالى لقراءة شرح العالم العلامة، العارف الكامل، مربي الفقراء
والمريدين والافاضل، الجامع لاصناف العلوم، الحاوي لمكارم الاخلاق مع دقائق
الفهوم، الشيخ زين الدين ابن الشيخ عبد العزيز ابن العلامة الشيخ زين الدين مؤلف
هداية الاذكياء إلى طريق الاولياء ابن الشيخ علي ابن الشيخ أحمد الشافعي المليباري
الفناني المسمى: بفتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين، بمحفل من طلاب العلم
العظام تجاه البيت الحرام، كتبت عليه هوامش تحل مبناه وتبين معناه. ثم بعد تمام
القراءة طلب مني جملة من الاصدقاء والخلان، أصلح الله لي ولهم الحال والشان، تجريد
تلك الهوامش وجمعها، فامتنعت من ذلك لعلمي بأني لست ممن يرقى تلك المسالك،
واعترافي بقلة بضاعتي، وإقراري بعدم أهليتي. فلما كرروا علي الطلب، توسلت بسيد
العجم والعرب، فجاءت البشارة بالاشارة، وشرعت في التجريد والجمع مستعينا بالملك
الوهاب وملتمسا منه التوفيق وللصواب، رجاء أن يكون تذكرة لي وللاحباب. وأن ينفعني
به والاصحاب، فالله هو المرجو لتحقيق رجاء الراجين وإنجاح حاجات المحتاجين.
وسميته: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين. واعلم أيها الواقف على الجمع
المذكور أنه ليس لي فيه إلا النقل من كلام الجمهور، والاتيان في ذلك بالشئ
المقدور. فالميسور - كما قيل - لا يسقط بالمعسور. وأن عمدتي في ذلك التحفة، وفتح
الجواد شرح الارشاد، والنهاية، وشرح الروض، وشرح المنهج، وحواشي ابن قاسم، وحواشي
الشيخ علي الشبراملسي، وحواشي البجيرمي، وغير ذلك من كتب المتأخرين. وكثيرا ما
أترك العزو خوفا من التطويل، ثم ما رأيته من صواب في أي مطلب فهو من تحرير الائمة
أهل المذهب، وما رأيته من خطأ فمن تخليط حصل مني، أو وهم صدر من سوء فهمي،
فالمسؤول ممن عثر على شئ من الخلل أن يصلحه، ويسامح فيما قد يظهر من الزلل. وما
أحسن ما قيل: وإن تجد عيبا فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا ونسأل الله العظيم
رب العرش الكريم أن يوفقنا لمرضاته، ويسبل علينا ذيل كراماته، وأن يعيننا على
الاكمال، وأن ينفع به كما نفع بأصله، إنه ذو الجود والافضال، وأن يجعل ذلك خالصا
لوجهه الكريم وموجبا للفوز لديه بجنات النعيم، وها أنا أشرع في المقصود بعون الملك
إنه على ذلك قدير وبالاجابة جدير
[ 9 ]
وها أنا
أشرع في المقصود بعون الملك المعبود. فأقول - وبالله التوفيق لاحسن الطريق -
(قوله: بسم الله الرحمن الرحيم) قد أفردها بالتأليف من لا يحصى من العلماء، وأبدى
فيها وأبدع من لا يستقصى من النبلاء، ومع ذلك ما بلغوا معشار ما انطوت عليه من
لطائف الاسرار ونكات التفسير، إذ لا يحيط بتفضيله وجمله إلا اللطيف الخبير، كيف
ذلك وقد قال الامام علي كرم الله وجهه: لو طويت لي وسادة لقلت في الباء من بسم
الله الرحمن الرحيم وقر سبعين بعيرا. وفي رواية عنه: لو شئت لاوقرت لكم ثمانين
بعيرا من معنى بسم الله الرحمن الرحيم. ولكن ينبغي التكلم عليها من جنس الفن
المشروع فيه، وفاء بحقها وبحق الفن المشروع فيه. والآن الشروع في فن الفقه الباحث
عن الاحكام الشرعية، فيقال: البسملة مطلوبة في كل أمر ذي بال - أي حال - يهتم به
شرعا، بحيث لا يكون محرما لذاته ولا مكروها كذلك، ولا من سفاسف الامور - أي
محقراتها - فتحرم على المحرم لذاته كالزنا، لا لعارض كالوضوء بماء مغصوب. وتكره
على المكروه لذاته كالنظر لفرج زوجته، لا لعارض كأكل البصل. ولا تطلب على سفاسف
الامور، ككنس زبل، صونا لاسمه تعالى عن اقترانه بالمحقرات. والحاصل أنها تعتريها
الاحكام الخمسة: الوجوب، كما في الصلاة عندنا معاشر الشافعية - والاستحباب عينا:
كما في الوضوء والغسل، وكفاية: كما في أكل الجماعة، وكما في جماع الزوجين، فتكفي
تسمية أحدهما - كما قال الشمس الرملي أنه الظاهر - والتحريم في المحرم الذاتي،
والكراهة في المكروه الذاتي، والاباحة في المباحات التي لا شرف فيها، كنقل متاع من
مكان إلى آخر، كذا قيل. وإنما افتتح الشارح كتابه بالبسملة، اقتداء بالكتاب
العزيز، وعملا بقوله (ص): كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو
أبتر أو أقطع أو أجذم. والمعنى - على كل - أنه ناقص، وقليل البركة، وقلة البركة في
كل شئ بحسبه. فقلتها في نحو التأليف قلة انتفاع الناس به وقلة الثواب عليه، وفي
نحو الاكل قلة انتفاع الجسم به، وفي نحو القراءة قلة انتفاع القارئ بها، لوسوسة
الشيطان له حينئذ. وأتبع ذلك بالحمدلة، عملا بقوله (ص): كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه
بالحمد لله فهو أبتر أو أقطع أو أجذم. وقوله في الحديث فهو أبتر إلخ... هو عند
الجمهور من باب التشبيه البليغ. وعلى هذا فالابتر وما بعده باقية على معانيها
الحقيقية، وعند السعد يجوز أن يكون من باب الاستعارة بأن يشبه النقص المعنوي
بالنقص الحسي الذي هو قطع الذنب، أو قطع إحدى اليدين، أو الجذم - بفتحتين -
ويستعار البتر، أو الجذم، أو القطع، للنقص المعنوي. ويشتق منه أبتر أو أقطع أو
أجذم، بمعنى ناقص نقصا معنويا. فإن قلت: بين الحديثين تعارض لانه إن عمل بحديث
البسملة فات العمل بحديث الحمدلة، وإن عمل بحديث الحمدلة فات العمل بالآخر. قلت:
قد ذكر العلماء لدفع التعارض أوجها كثيرة، فمن جملتها: أن الابتداء قسمان: حقيقي،
وإضافي أي نسبي. والاول هو ما تقدم أمام المقصود ولم يسبقه شئ، والاضافي ما تقدم
أمام المقصود وإن سبقه شئ. وقال عبد الحكيم: إنه يشترط في الاضافي أن يسبقه شئ،
وحمل حديث البسملة على الاول والحمدلة على الثاني، تأسيا بالكتاب العزيز، وعملا
بالاجماع. واعلم أنه جاء في فضل البسملة أحاديث كثيرة، غير الحديث المتقدم، روي عن
النبي (ص) أنه قال: أول ما كتب القلم بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كتبتم كتابا
فاكتبوها أوله، وهي مفتاح كل كتاب أنزل. ولما نزل بها جبريل أعادها ثلاثا، وقال:
هي لك ولامتك، فمرهم أن لا يدعوها في شئ من أمورهم، فإني لم أدعها طرفة عين مذ
نزلت على أبيك آدم، وكذلك الملائكة. وروي أنها لما نزلت هرب الغيم إلى المشرق،
وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين، وحلف الله
بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على مريض إلا شفاه، ولا يسمى اسمه على شئ إلا بارك
[ 10 ]
فيه.
وروي أن رجلا قال بحضرته (ص): تعس الشيطان. فقال له عليه الصلاة والسلام: لا تقل
ذلك فإنه يتعاظم عنده - أي عند هذا القول - ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم، فإنه
يصغر حتى يصير أقل من ذبابة. وروي: من أراد أن يحيا سعيدا ويموت شهيدا فليقل عند
ابتداء كل شئ بسم الله الرحمن الرحيم - أي كل شئ ذي بال - بدليل الحديث المتقدم.
وروي: بسم الله الرحمن الرحيم أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني. قال
العلامة الصبان في رسالته على البسملة: لعل وصفها بهذا باعتبار اشتمالها على معاني
الفاتحة. اه. وعدد حروف البسملة الرسمية تسعة عشر حرفا، وعدد خزنة النار تسعة عشر
خازنا، كما قال الله تعالى: * (عليها تسعة عشر) *. قال ابن مسعود: فمن أراد أن
ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ البسملة، فيجعل الله له بكل حرف منها
جنة - بضم الجيم - أي وقاية - من كل واحد منهم، فإنهم يقولونها في كل أفعالهم،
فبها قوتهم وبها استضلعوا. وعن علي رضي الله عنه، مرفوعا: ما من كتاب يلقى في
الارض وفيه بسم الله الرحمن الرحيم إلا بعث الله ملائكة يحفون عليها بأجنحتهم، حتى
يبعث الله وليا من أوليائه يرفعه. فمن رفع كتابا من الارض فيه البسملة رفع الله
اسمه في أعلى عليين، وغفر له ولوالديه ببركتها. وروي عنه (ص) أنه قال: من قرأ بسم
الله الرحمن الرحيم، وكان مؤمنا، سبحت معه الجبال، إلا أنه لا يسمع تسبيحها. وروي
عنه (ص) أنه قال: إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قالت الجنة: لبيك اللهم
وسعديك، إلهي، إن عبدك فلانا قال بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم زحزحه عن النار
وأدخله الجنة. وروي أن الكتب المنزلة من السماء إلى الارض مائة وأربعة، أنزل على
شيث ستون، وعلى إبراهيم ثلاثون، وعلى موسى قبل التوراة عشرة، والتوراة والانجيل والزبور
والفرقان. وأن معاني كل الكتب مجموعة في القرآن، ومعانيه مجموعة في الفاتحة ولهذا
سميت أم الكتاب ومعانيها مجموعة في البسملة، ومعانيها مجموعة في بائها، ومعناها:
بي كان ما كان، وبي يكون ما يكون. والمراد الجمع ولو إجمالا، بطريق الايماء وإنما
جمعت الفاتحة جميع معاني القرآن، لان كل ما فيه من الحمد والشكر والثناء فهو مندرج
تحت قوله الحمد لله، وكل ما فيه من الخلائق فهو تحت كلمة رب العالمين، وكل ما فيه
من الرحمة والعطاء فهو تحت كلمة الرحمن، وكل ما فيه من ذكر العفو والمغفرة فهو تحت
كلمة الرحيم، وكل ما فيه من أوصاف القيامة فهو تحت كلمة مالك يوم الدين، وكل ما
فيه من بيان الهداية والدعاء والثبات على الاسلام فهو تحت كلمة إهدنا الصراط
المستقيم، وكل ما فيه من بيان صفات الصالحين فهو تحت كلمة صراط الذين أنعمت عليهم،
وكل ما فيه من الغضب فهو تحت كلمة غير المغضوب عليهم، وكل ما فيه من ذكر الاهواء
والبدع فهو تحت كلمة ولا الضالين. ووجه بعضهم كون معاني البسملة في الباء، بأن
المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب، وهذه الباء لما فيها من معنى الالصاق
تلصق العبد بجناب الرب. زاد بعضهم: ومعاني الباء في نقطتها، ومعناها: أنا نقطة
[ 11 ]
الوجود،
المستمد مني كل موجود. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: البسملة فاتحة كل
كتاب وفي رواية: بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب. فإن قيل: إن هذه الرواية
والتي قبلها يفهمان أن كل كتاب أنزل مشتمل على معاني القرآن، لانه مشتمل على
البسملة المشتملة على معاني الفاتحة المشتملة على معاني القرآن، والرواية التي
قبلهما تفهم خلاف ذلك، بل تفهم أنها لم توجد في غير القرآن رأسا. فالجواب أن
البسملة المفتتح بها كل الكتب المنزلة لم تكن بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب،
والمفتتح بها القرآن المجيد، بهذا اللفظ العربي على هذا الترتيب، ويجوز أن يكون
لكونها بهذا اللفظ العربي. وهذا الترتيب لها دخل في اشتمالها على معاني القرآن،
فلا يلزم حينئذ من اشتمال الكتب عليها بغير هذا اللفظ وهذا الترتيب، اشتمال كل
كتاب على معاني القرآن. ولا يرد ما وقع في سورة النمل عن سيدنا سليمان في كتابه
لبلقيس من أنها بهذا اللفظ العربي وهذا الترتيب، لان ذلك كان ترجمة عما في كتابه
لها. ومما يتعلق بالبسملة من المعاني الدقيقة ما قيل: إن الباء بهاء الله، والسين
سناء الله، والميم مجد الله. وقيل: الباء بكاء التائبين، والسين سهو الغافلين،
والميم مغفرته للمذنبين. وقال بعض الصوفية: الله لاهل الصفاء، الرحمن لاهل الوفاء،
الرحيم لاهل الجفاء. والحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل افتتاح البسملة بالباء
دون غيرها من الحروف، وأسقط الالف من اسم، وجعل الباء في مكانها، أن الباء حرف
شفوي تنفتح به الشفة ما لا تنفتح بغيره، ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الانسانية
في عهد ألست بربكم بالباء في جواب بلى، وأنها مكسورة أبدا. فلما كانت فيها الكسرة،
والانكسار في الصورة والمعنى، وجدت شرف العندية من الله تعالى، كما قال: أنا عند
المنكسرة قلوبهم بخلاف الالف، فإن فيها ترفعا وتكبرا وتطاولا، فلذلك أسقطت. وخصت
التسمية بلفظ الجلالة ولفظ الرحمن، ولفظ الرحيم، ليعلم العارف أن المستحق لان
يستعان به في جميع الامور هو المعبود الحقيقي، الذي هو مولى النعم كلها، عاجلها
وآجلها، جليلها وحقيرها. فيتوجه العارف بجملته حرصا ومحبة إلى جناب القدس، ويتمسك
بحبل التوفيق، ويشتغل سره بذكره والاستمداد به عن غيره. والكلام على البسملة من
الاسرار والعجائب واللطائف، لا يدخل تحت حصر. وفي هذا القدر كفاية، وبالله
التوفيق. (قوله: الحمد لله) آثره على الشكر اقتداء بالكتاب العزيز، ولقوله (ص): لا
يشكر الله من لم يحمده. والحمد معناه اللغوي الثنا بالجميل لاجل جميل اختياري،
سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. ومعناه العرفي فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث
أنه منعم على الحامد أو غيره. والشكر لغة: هو الحمد العرفي، وعرفا: صرف العبد جيمع
ما أنعم الله به عليه فيما خلق لاجله، أي أن يصرف جميع الاعضاء والمعاني التي أنعم
الله عليه بها في الطاعات التي طلب استعمالها فيها، فإن استعملها في أوقات مختلفة
سمى شاكرا، أو في وقت واحد سمي شكورا، وهو قليل، لقوله تعالى: * (وقليل من عبادي
الشكور) *. وصور ذلك العلامة الشبراملسي بمن حمل جنازة متفكرا في مصنوعات الله،
ناظرا لما بين يديه، لئلا يزل بالميت ماشيا برجليه إلى القبر، شاغلا لسانه بالذكر،
وأذنيه باستماع ما فيه ثواب، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأقسام الحمد
أربعة: حمدان قديمان، وهما حمد الله نفسه، نحو الحمد لله الذي خلق السموات والارض،
وحمده بعض عباده، كقوله تعالى في أيوب: * (نعم العبد إنه أواب) *. وحمدان حادثان،
وهما حمدنا له تعالى، وحمد بعضنا لبعض. وينقسم الحمد إلى: واجب، كالحمد في الصلاة
وفي خطبة الجمعة وإلى مندوب، كالحمد في خطبة النكاح، وفي ابتداء الدعاء، وبعد
الاكل
[ 12 ]
والشرب،
وفي ابتداء الكتب المصنفة، وفي ابتداء درس المدرسين، وقراءة الطالبين بين يدي
المعلمين. وإلى مكروه، كالحمد في الاماكن المستقذرة، كالمجزرة والمزبلة ومحل
الحاجة. وإلى حرام، كالحمد عند الفرح بالوقوع في معصية. واعلم أنه جاء في فضل
الحمد أحاديث كثيرة، روي عن النبي (ص) أن الله عزوجل يحب أن يحمده. وأخرج الديلمي
مرفوعا أن الله يجب الحمد، يحمد به ليثيب حامده، وجعل الحمد لنفسه ذكرا ولعباده
ذخرا. وفي البدر المنير، عنه عليه السلام: حمد الله أمان للنعمة من زوالها. وعنه
(ص): من لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب من غير حول مني ولا قوة
غفر له ما تقدم من ذنبه. وأفضل المحامد أن يقول العبد الحمد لله حمدا يوافي نعمه
ويكافئ مزيده. لما ورد أن الله تعالى لما أهبط أبانا آدم إلى الارض قال: يا رب،
علمني المكاسب، وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد. فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا،
عند كل صباح ومساء، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. ولهذا لو حلف إنسان
ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك. وقال بعض العارفين: الحمد لله ثمانية أحرف،
كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء. أي فيخير
بينها إكراما له، ولكن لا يختار إلا الذي سبق في علمه أن يدخل منه. (قوله: الفتاح)
هو من أسماء الله الحسنى. وهو من صيغ المبالغة، ومعناه: الذي يفتح خزائن الرحمة
على أصناف البرية. وقيل: الحاكم بين الخلائق، من الفتح بمعنى الحكم. وقيل: الذي
يعينك عند الشدائد وينميك صنوف العوائد. وقيل: الذي فتح على النفوس باب توفيقه،
وعلى الاسرار باب تحقيقه. وحظ العبد من هذا الاسم أن يجتهد حتى يفتح على قلبه في
كل ساعة بابا من أبواب الغيب والمكاشفات والخيرات والمسرات. ومن قرأه إثر صلاة
الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره، طهر قلبه وتنور سره ويسر أمره. وفيه سر عظيم
لتيسير الرزق وغيره. اه. من شرح أسماء الله الحسنى. (قوله: الجواد) هو السخي، كما
في القاموس. ومعناه: الكريم المتفضل على عباده بالنوال قبل السؤال. وفي التحفة ما
نصه: الجواد، بالتخفيف، كثير الجود - أي العطاء - واعترض بأنه ليس فيه توقيف، أي
وأسماؤه تعالى توقيفية على الاصح. وأجيب عنه بأن فيه مرسلا اعتضد بمسند، بل روى
أحمد والترمذي وابن ماجة حديثا طويلا، فيه: بأني جواد ماجد. اه. بحذف. (قوله:
المعين على التفقه في الدين إلخ) أي الموفق لمن اختاره من عباده عليه، لقوله عليه
السلام: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والتفقه التفهم شيئا فشيئا، لان الفقه
معناه لغة الفهم، كما سيأتي. والدين، ما شرعه الله تعالى من الاحكام على لسان نبيه
عليه الصلاة والسلام، سمي دينا لانا ندين له، أي ننقاد. (قوله: وأشهد إلخ) أي
أعترف بلساني وأذعن بقلبي أن لا معبود بحق موجود إلا الله. والشهادة لغة. التحقق
بالبصر أو البصيرة، كالمشاهدة. واصطلاحا: قول صادر عن علم بمشاهدة بصر أو بصيرة.
ولما كان من شروط الاسلام ترتيب الشهادتين عطف الشهادة الثانية على الاولى فقال:
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. وأتى بالشهادة لحديث: كل خطبة ليس فيها تشهد
فهي كاليد الجذماء أي مقطوعة البركة أو قليلتها. ولما قيل إنه يطلب من كل بادئ في
فن أربعة أمور على سبيل الوجوب الصناعي: البسملة، والحمدلة، والتشهد، والصلاة على
النبي (ص). وثلاثة على سبيل الندب الصناعي: تسمية نفسه، وكتابه، والاتيان ببراعة
الاستهلال. وفات الشيخ - رحمه الله تعالى - هنا من الامور المندوبة تسمية نفسه.
(وقوله: شهادة) مصدر مؤكد لعامله.
[ 13 ]
(وقوله:
دار الخلود) هي الجنة. (وقوله: المقام المحمود) هو مقام الشفاعة العظمى في فصل
القضاء، يحمده فيه الاولون والآخرون. (وقوله: صلى الله إلخ) أي اللهم صل عليه وسلم.
وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاء تحقق حصول المسؤول، وإنما صلى وسلم المؤلف في أول
كتابه امتثالا لامر الله تعالى في قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا) *
الآية، ولما قام على ذلك عقلا ونقلا من البرهان. أما نقلا: فقوله تعالى: * (ورفعنا
لك ذكرك) *. أي لا أذكر إلا وتذكر معي. وأما عقلا: فلان المصطفى هو الذي علمنا شكر
المنعم، وكان سببا في كمال هذا النوع الانساني، فاستوجب قرن شكره بشكر المنعم،
عملا بالحديث القدسي: عبدي لم تشكرني، إذا لم تشكر من أجريت النعمة على يديه. ولا
شك بأنه (ص) الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، بل هو أصل الايجاد لكل مخلوق، كما قال
ذو العزة والجلال: لولاك لولاك لما خلقت الافلاك. واعلم أنه جاء في فضل الصلاة على
النبي (ص) أحاديث كثيرة، منها قوله (ص): من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة
تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. وقوله عليه السلام: من سره أن يلقى الله وهو
عنه راض، فليكثر من الصلاة علي. وقوله عليه السلام: من أكثر من الصلاة علي في
حياته أمر الله جميع مخلوقاته أن يستغفروا له بعد موته. وقال عليه السلام: أكثروا
من الصلاة علي، فإنها نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة. وقال عليه
السلام: أكثروا من الصلاة علي فإنها تطفئ عضب الجبار، وتوهن كيد الشيطان. وقال
عليه السلام: أكثركم صلاة علي أكثركم أزواجا في الجنة. وفي حديث مرفوع: ما جلس قوم
فتفرقوا عن غير الصلاة على النبي (ص) إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة حمار. قال ابن
الجوزي في البستان: فإذا كان المجلس الذي لا يصلى فيه يكون بهذه الحالة فلا غرو أن
يتفرق المصلون عليه من مجلسهم عن أطيب من خزانة العطار، وذلك لانه (ص) كان أطيب
الطيبين وأطهر الطاهرين، وكان إذا تكلم امتلا المجلس بأطيب من ريح المسك. وكذلك
مجلس يذكر فيه النبي (ص) تنمو منه رائحة طيبة تخترق السموات السبع حتى تنتهي إلى
العرش، ويجد كل من خلقه الله ريحها في الارض، غير الانس والجن، فإنهم لو وجدوا تلك
الرائحة لاشتغل كل واحد منهم بلذتها عن معيشته. ولا يجد تلك الرائحة ملك أو خلق
الله تعالى إلا استغفر لاهل المجلس، ويكتب لهم بعدد هذا الخلق كلهم حسنات، ويرفع
لهم بعددهم درجات، سواء كان في المجلس واحد أو مائة ألف، كل واحد يأخذ من هذا
الاجر مثل هذا العدد، وما عند الله أكثر. وللصلاة عليه (ص) فوائد لا تحصى، منها:
أنها تجلو القلب من الظلمة، وتغني عن الشيخ، وتكون سببا للوصول، وتكثر الرزق، وأن
من أكثر منها حرم الله جسده على النار. وينبغي للشخص إذا صلى عليه أن يكون بأكمل
الحالات، متطهرا متوضئا مستقبل القبلة، متفكرا في ذاته السنية، لاجل بلوغ النوال
والامنية، وأن يرتل الحروف، وأن لا يعجل في الكلمات، كما قال (ص): إذا صليتم علي
فأحسنوا الصلاة علي، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض علي. وقولوا: اللهم اجعل صلواتك
وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين سيدنا محمد عبدك ورسولك،
إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه فيه
الاولون والآخرون. رواه الديلمي موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه. (قوله: وعلى
آله) أتى بذلك امتثالا لخبر: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آله. (وقوله: وأصحابه)
وجه ندب الاتيان بهم في نحو هذا المقام إلحاقهم بالآل، بقياس الاولى، لانهم أفضل
من الآل الذين لا صحبة لهم. والنظر لما فيهم من البضعة الكريمة إنما يقتضي الشرف
من حيث الذات، وكلامنا في أكثرية العلوم والمعارف هذا بناء على ما هو المشهور
[ 14 ]
في معنى
الآل، أما على ما قد يراد بهم في نحو هذا المقام - كما سيأتي في كلامه - فالاصحاب
رضوان الله عليهم أجمعين آل، وكذلك غيرهم، وحينئذ فإفرادهم بالذكر للاعتناء بهم
لما خصوا به عن غيرهم من الفضل، دفعا لتوهم إرادة المعنى المشهور للآل هنا. اه
كردي. (قوله: الامجاد) جمع ماجد أو مجيد، على غير قياس. والمجد: الشرف والرفعة،
وهو وصف لكل من الآل والاصحاب. (قوله: صلاة وسلاما) منصوبان على المفعولية المطلقة
بصلى وسلم، وأتى بهما لافادة التقوية والتأكيد. (قوله: أفوز بهما) أي أظفر وأبلغ
المقصود بسببهما. (وقوله: يوم المعاد) بفتح الميم، بمعنى المرجع والمصير - كما في
المختار - والمراد يوم القيامة. (قوله: وبعد الخ) أي وبعدما تقدم من البسملة
والحمدلة والتشهد والصلاة والسلام على النبي (ص) وآله وأصحابه، فأقول لكم هذا إلخ.
فهي يؤتى بها عند إرادة الانتقال من نوع من الكلام إلى نوع آخر منه، والكلام عليها
مما أفرد بالتأليف فلا حاجة إلى الاطالة. (وقوله: بقرة العين) قال في القاموس: قرت
العين تقر بالكسر والفتح قرة، وتضم، وقرورا: بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت
متشوقة إليه. اه بتصرف. وهو هنا كناية عن سرور العين لانه يلزم من برد العين
السرور، فهو كناية اصطلاحية. وسماه بهذا الاسم لانه يحصل به سرور وفرح لمن يطلع
عليه: (قوله: يبين المراد) أي يظهر المعنى المراد من ألفاظ المتن. وذلك يكون ببيان
الفاعل والمفعول ومرجع الضمير ونحو ذلك. (وقوله: ويتمم المفاد) بضم الميم، اسم
مفعول، يعني يكمل المعنى المستفاد مما مر، ويحتمل أن يكون مصدرا ميميا بمعنى
الفائدة. ولا يخفى حسن ذكر التبيين في جانب المراد والتتميم في جانب المفاد
لاحتياج المراد إلى الكشف والايضاح لخفائه، والمفاد إلى تكميل وتتميم النقص بذكر
نحو قيد. (وقوله: بشرح) متعلق بفتح قبل جعله علما، وأما بعده فهو جزء علم فلا
يتعلق بشئ، وهذا العلم مركب من تسع كلمات ليس منها الباء الاولى. وكتب الجمل على
قول شرح المنهج بفتح الوهاب ما نصه: متعلق بسميته، وهذه الباء ليست من العلم بخلاف
الثانية، فإنها منه متعلقة بفتح بالنظر لحاله قبل العلمية، وأما بالنظر لحاله
بعدها فليست متعلقة بشئ، وهذا العلم مركب من ست كلمات، والظاهر أنه إسنادي بجعل
فتح الوهاب مبتدأ. وقوله بشرح منهج الطلاب خبرا. ويبعد كونه إضافيا أو مزجيا. اه.
(وقوله: وأنا أسأل إلخ) قدم المسند إليه قصدا لتقوية الحكم وتأكيده بتكرر الاسناد،
وذلك لانه لما مدح تصنيفه بأنه مفيد وأنه يبين المراد إلخ، كان مظنة توهم الاعتماد
في حصول النفع عليه، فقوى السؤال دفعا لهذا الايهام، وإن كان بعيدا. وذكر في
الاطول من وجوه التقديم أنه يجوز أن يكون للتخصيص إظهارا للوحدة في هذا الدعاء
وعدم مشارك له فيه بالتأمين ليستعطف به، فكأنه قال في أثناء السؤال: إلهي أجبني
وارحم وحدتي وانفرادي عن الاعوان. اه. انظر السعد وحواشيه. وقوله: (الكريم) من
الكرم، وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، على وجه ينبغي، لا لغرض وعلة. وقوله (المنان)
من المنة، وهي النعمة مطلقا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل يوجبها.
فنعمته تعالى من محض فضله إذ لا يجب عليه لاحد شئ، خلافا لزعم المعتزلة بوجوب
الاصح عليه، تعالى الله عن ذلك. وقيل مأخوذ من المن الذي هو تعداد النعم، وهو من
الله حسن ليذكر عباده نعمه عليهم فيطيعوه، ومن غيره مذموم لقوله تعالى: * (لا
تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) * واستثنى من ذلك النبي والوالد والشيخ فيجوز لهم
المن. (وقوله: أن يعم) المصدر المنسبك من
[ 15 ]
أن،
والفعل مفعول ثان لاسأل. وقوله الانتفاع مرفوع على الفاعلية. وقوله للخاصة: اللام
زائدة، وما بعدها منصوب على المفعولية. ويحتمل أن يكون فاعل الفعل ضميرا يعود على
الله. والانتفاع منصوب بإسقاط الخافض، أي أسأل أن يعم الله بالانتفاع بالشرح
المذكور الخاصة والعامة. وفي القاموس: يقال عمهم بالعطية إلخ. اه. والمراد
بالخاصة هنا: المنتهون والمتوسطون، وبالعامة: المبتدئون. (قوله: الفردوس في دار
الامان) هي الجنة، وهي مشتملة على سبع جنان، أفضلها وأوسطها الفردوس. وجنة المأوى،
وجنة الخلد، وجنة النعيم، وجنة عدن، ودار السلام، ودار الجلال، وإلى ما ذكر ذهب
ابن عباس. وقيل أربع، ورجحه جماعة، لقوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * ثم
قال: * (ومن دونهما جنتان) *. (وقوله: إنه إلخ) يحتمل أن يكون بفتح الهمزة على حذف
لام العلة، ويحتمل أن يكون بكسرها على أنها جملة مستأنفة سيقت لبيان السبب الحامل
له على سؤال الله. وقوله: (أكرم كريم وأرحم رحيم)، أي من كل كريم ومن كل رحيم.
فحذف من كل اختصارا، وأضيف أفعل إلى ما بعده. وجاز كونه مفردا، مع أن الاصل أن
يكون جمعا، لكون أفعل بعض ما يضاف إليه لفهم المعنى وعدم التباس المراد. قوله أي:
(أؤلف) هذا بيان لمتعلق الباء، بناء على أنها أصلية، وقدره فعلا مؤخرا خاصا لان ما
ذكر هو الاولى في تقدير المتعلق. أما أولوية كونه فعلا فلانه هو الاصل في العمل،
وأما أولوية كونه خاصا فلرعاية المقام، لان كل شارع في شئ يضمر في نفسه لفظ ما
كانت التسمية مبدأ له، فالكاتب يضمر أكتب، والمؤلف يضمر أؤلف، ولاشعار ما بعد
البسملة به فهو قرينة على المحذوف. وأما أولوية كونه مؤخرا فليكون اسمه تعالى
مقدما ذكرا فيوافق تقدم مسماه وجودا، وليفيد الاختصاص، لان تقديم المعمول يفيده
عند الجمهور. والمعنى: أن البداءة لا تتم إلا بمعونة اسمه تعالى. ففيه رد على من
يعتقد أن البداءة كما تكون باسم الله تكون أيضا باسم آلهتهم، وهذا يسمى قصر إفراد.
ورد على من يعتقد أنها لا تكون باسم الله وإنما تكون باسم آلهتهم، كالدهرية
المنكرين وجوده تعالى، وهذا يسمى قصر قلب. ورد أيضا على المترددين بين أن تكون
باسم الله أو باسم آلهتهم، وهذا يسمى قصر تعيين. قال العلامة الصبان: ثم القصر هنا
غير حقيقي لتعذر الحقيقي في قصر الصفة على الموصوف، كما هنا. فإن المعنى قصر
الابتداء على كونه باسم الله لا يتعداه إلى كونه باسم غيره، وإن ثبت له أوصاف أخر
ككونه في ذي بال. (قوله: والاسم مشتق من السمو) أي مأخوذ منه وفرع عنه. وهو العلو،
لان مسماه يعلو به ويرتفع عن زاوية الهجران إلى محفل الاعتبار والعرفان، لان
محقرات الاشياء ليس شئ منها مما يوضع له اسم خاص بها بل يعبر عنها باسم جنسها أو
نوعها. وهذا مذهب البصريين، فأصله عندهم سمو، حذفت لامه تخفيفا، لان الواضع
[ 16 ]
علم أنه
يكثر استعماله فخففه، ثم سكنت سينه، وأتى بهمزة الوصل توصلا وعوضا عن اللام
المحذوفة. فوزنه حينئذ: أفع، فهو من الاسماء المحذوفة الاعجاز، ويشهد لذلك أنهم
اتفقوا على أمور، منها أن تصغير اسم سمى أصله سميو، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء
الاولى فيها. ومنها أن جمعه أسماء، وأصله أسما وقلبت الواو همزة لتطرفها عقب ألف
زائدة. ومنها أن الفعل منه سميت وأسميت وتسميت، وأصلها سموت وأسموت وتسموت، قلبت
الواو ياء لوقوعها رابعة عقب غير ضم. (وقوله: لا من الوسم) وهو العلامة - أي عند
البصريين كما علمت، وأما عند الكوفيين فهو مأخوذ منه. أي من فعله، وأصله عندهم:
وسم بفتح الواو وسكون السين، فخفف عند أكثرهم بحذف صدره لكثرة الاستعمال وأتى
بهمزة الوصل لما مر، فوزنه على هذا أعل، فهو من الاسماء المحذوفة الصدر. ومذهبهم
أقل إعلالا، لكن رد بما تقدم من التصغير والجمع. والفعل ولو كان مأخوذا من الوسم
لكان تصغيره وسيما وجمعه أوسام، والفعل منه وسمت، وليس كذلك، كما تقدم. قال بعضهم:
إن قول البصريين مبني على أن الله تسمى بأسماء من الازل، وقول الكوفيين مبني على
أن الاسماء من وضع البشر. والمذهب الاول أصح، وهو مذهب أهل السنة. والثاني مذهب
أهل الاعتزال، لانه يقتضي أنه سبحانه كان في الازل بلا أسماء وصفات، فلما خلق
الخلق جعلوا له ذلك، فإذا أفناهم بقي بلا أسماء وصفات. ورد هذا البناء العلامة
الصبان في رسالة البسملة، فقال: ليس في المذهبين ما يقتضي هذا البناء، وذلك لان
جميع الاسماء ألفاظ، والالفاظ غير أزلية، بل هي حادثة باتفاق الجمهور من الفريقين.
ولهذا حمل قول من قال أسماء الله قديمة على المسامحة. (قوله: والله علم) أي بالوضع
الشخصي على التحقيق، لامسماه معين موجود خارجا. لكن لا يجوز أن يقال ذلك إلا في
مقام التعليم حذرا من إيهام معنى الشخص المستحيل، وهو من قامت به مشخصات، والواضع
هو الله تعالى، وقيل البشر. واعترض بأن ذات الله لا تدرك بالعقل فكيف وضع لها
العلم ؟. وأجيب بأنه يكفي في الوضع التعقل بوجه ما - كما هنا - فإن الذات أدركت
بتعقل صفاتها. (وقوله: الواجب الوجود) بيان وتعيين المسمى وليس معتبرا من المسمى،
وإلا لكان المسمى مجموع الذات والصفة، وليس كذلك. ومعنى كون واجب الوجود: أنه لا
يجوز عليه العدم، فلا يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم. وخرج بذلك واجب العدم كالشريك
وجائز الوجود والعدم كالممكن. ويلزم من كونه سبحانه وتعالى واجب الوجود أن يكون
مستحقا لجميع المحامد، وبعضهم صرح به. (قوله: وأصله إله) أي أصله الاول إله، كإمام،
وهو اسم جنس لكل معبود، أي سواء كان بحق أو باطل، ثم بعد تعريفه غلب استعماله في
الله المعبود بحق غلبة تقديرية، وهي اختصاص اللفظ بمعنى مع إمكان استعمال في غيره
بحسب الوضع، لكن لم يستعمل فيه بالفعل كما هنا، فإن لفظ الاله صالح لان يستعمل في
غير الله بحسب الوضع لكن لم يستعمل إلا في الله سبحانه وتعالى. (قوله: ثم عرف بأل)
أي فصار الاله، ثم حذفت الهمزة الثانية بعد نقل حركتها إلى اللام فصار أللاه، ثم
أدغمت اللام الاولى في الثانية ثم فخمت للتعظيم فصار الله، ففيه خمسة أعمال (قوله:
وهو الاسم الاعظم عند الاكثر) واختار النووي رحمه الله أنه الحي القيوم. فإن قيل:
إن من شرط الاسم الاعظم أنه إن دعي سبحانه وتعالى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهذا
ليس كذلك، فقد يدعو كثير به ولا يستجاب دعاؤه ؟ فالجواب أن للدعاء آدابا وشروطا لا
يستجاب الدعاء إلا بها، فأولها إصلاح الباطن باللقمة الحلال، لما قيل: الدعاء
مفتاح السماء وأسنانه لقمة الحلال. وآخرها الاخلاص وحضور القلب، كما قال تعالى: *
(فادعوا الله مخلصين له الدين) * وكما قال لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: يا
موسى إن أردت أن يستجاب لك دعاؤك فصن بطنك من الحرام وجوارحك عن الآثام. وقال سيدي
عبد القادر الجيلاني: الله هو الاسم الاعظم، وإنما يستجاب لك إذا قلت الله وليس في
قلبك غيره. ولهذا الاسم خواص
[ 17 ]
وعجائب،
منها أن من داوم عليه في خلوة مجردا بأن يقول الله، الله، حتى يغلب عليه منه حال،
شاهد عجائب الملكوت، ويقول - بإذن الله - للشئ كن فيكون. وذكر بعضهم أن من كتبه في
إناء - بحسب ما يسع الاناء - ورش به وجه المصروع أحرق بإذن الله شيطانه. ومن ذكره
سبعين ألف مرة في موضع خال عن الاصوات، لا يسأل الله شيئا إلا أعطيه. ومن قال كل
يوم بعد صلاة الصبح هو الله، سبعا وسبعين مرة، رأى بركتها في دينه ودنياه، وشاهد
في نفسه أشياء عجيبة. (قوله: ولم يسم به غيره) أي بل سمى نفسه به قبل أن يعرفه
لخلقه، ثم أنزله على آدم ليعرفه لهم. ويدل لذلك قوله تعالى: * (هل تعلم له سميا) *
أي هل تعلم أن أحدا غير الله تسمى بهذا الاسم ؟. والاستفام للانكار. (وقوله: ولو
تعنتا) أي أنه لا يستطيع أحد التسمية به ولو على وجه التعنت، أي التشدد والتعصب.
قال في القاموس: عنته تعنيتا، أي شدد عليه، وألزمه ما يصعب عليه أداؤه. ويقال:
جاءه متعنتا أي طالبا زلته. انتهى. ويروى أن امرأة سمت ولدها الله فنزلت صاعقة
وأحرقته. (قوله: والرحمن الرحيم صفتان إلخ) أي مشبهتان بحسب الوضع. (وقوله: بنيتا)
أي اشتقتا للمبالغة، أي لاجل إفادتها بحسب الاستعمال لا بحسب الصيغة والوضع. وبما
ذك يندفع ما قيل إن كونهما للمبالغة ينافي كونهما صفتين مشبهتين، لان الصفة
المشبهة للدوام وصيغة المبالغة للحدوث والتجدد. ويندفع به أيضا ما قيل إن صيغ
المبالغة محصورة في خمسة، ورحمن ليس منها، على أن بعضهم منع الحصر المذكور.
والمراد بالمبالغة المبالغة النحوية، وهي قوة المعنى، أو كثرة أفراده، لا البيانية
وهي أن تثبت للشئ زيادة على ما يستحقه لانها مستحيلة، إذ جميع أسمائه في نهاية
الكمال. (وقوله: من رحم) أي بكسر الحاء بعد نقله من فعل بكسر العين إلى فعل بضمها،
أو بعد تنزيله منزلة اللازم، فلا يرد ما يقال إن الصفة المشبة لا تصاغ من المتعدي،
ورحم متعد، يقال: رحمك الله. وبعضهم أثبت كونه يستعمل لازما مضموم العين، فيقال
رحم كحسن، ومصدره الرحم كالحسن، ومنه قوله تعالى: * (وأقرب رحما) * فعلى هذا لا
حاجة للتنزيل والنقل الماريين. (قوله: والرحمن أبلغ من الرحيم) استئناف بياني واقع
في جواب سؤال مقدر تقديره: لم قدم الرحمن على الرحيم ؟ ومعنى كونه أبلغ أن مدلوله
أعظم وأزيد من مدلول الرحيم. وهو مأخوذ من المبالغة لا من البلاغة، لانها لا يوصف
بها لمفرد. (وقوله: لان زيادة البناء إلخ) كما في قطع بالتخفيف وقطع بالتشديد،
وكما في كبار وكبار. ومحل هذه القاعدة إذا وجدت شروط ثلاثة أن يكون ذلك في غير
الصفات الجبلية، فخرج نحو شره ونهم، لان الصفة الجبلية لا تتفاوت. وأن يتحد اللفظان
في النوع، فخرج نحو حذر وحاذر، إذ الاول صفة مشبهة والثاني اسم فاعل. ويتحدا في
الاشتقاق، فخرج نحو زمن وزمان، إذ لا اشتقاق فيهما. (وقوله: ولقولهم) أي السلف،
ففيه تصريح بأن هذا ليس بحديث. وقال ابن حجر: إنه حديث، والمبالغة فيه لشمول
الرحمن للدنيا والآخرة، والرحيم مختص بالآخرة أو الدنيا، فالابلغية بحسب كثرة
أفراد المرحومين وقلتها، فهي منظور فيها للحكم. وأما ما جاء في الحديث: يا رحمن
الدنيا والآخرة ورحيمهما فلا يعارض ما ذكر، لانه يجوز أن تكون الابلغية بالنظر
للكيف. اه. بجيرمي بتصرف. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله ولقولهم، لم يقل ولقوله
عليه الصلاة والسلام لان كلا مما ذكره غير حديث، لان حاصل الصيغ التي وردت هنا ست
صيغتان: منها حديثان، وهما: الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة، والصيغة
الثانية: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. وأما بقية الصيغ التي من جملتها ما
ذكره الشارح فهي غير أحاديث، وهي أربع صيغ: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة،
يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا،
[ 18 ]
يا رحمن
الدنيا ورحيم الآخرة، يا رحمن الآخرة ورحيم الدنيا، اه حفني. وقوله: التي من
جملتها ما ذكره الشارح، غير ظاهر لان الصيغتين في الشرح ليس فيهما / حرف النداء
صريحا وإن كان مقدرا، بخلاف الاربعة التي ذكرها. وبهذا الاعتبار تكون الصيغ
ثمانية، صيغتان حديثان وست غير أحاديث. اه ع ط. اه. واعلم أن الرحمن معناه:
المنعم بجلائل النعم، أي أصولها، كنعمة الوجود بعد العدم، والايمان، والعافية والرزق،
والعقل، والسمع، والبصر، وغير ذلك. والرحيم معناه: المنعم بدقائق النعم، أي
فروعها، كالجمال، وكثرة المال، وزيادة الايمان، ووفور العقل، وحدة السمع والبصر،
وغير ذلك. وإنما جمع بينهما إشارة إلى أنه تعالى، كما ينبغي أن يطلب منه النعم
العظيمة كذلك ينبغي أن يطلب منه النعم الدقيقة. فقد أوحى الله إلى موسى: يا موسى
لا تخش مني بخلا أن تسألني حقيرا، اطلب مني الدقة والعلف لشاتك، أما علمت أني خلقت
الخردلة فما فوقها، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه. فمن
سألني مسألة، وهو يعلم أني قادر، أعطي وأمنع، أعطيته مسألته مع المغفرة. والحاصل
أن رحمته سبحانه وتعالى عامة على جميع مخلوقاته، فينبغي لكل شخص مريد رحمة الله أن
يرحم أخاه. قال كعب الاحبار: مكتوب في الانجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم،
فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله. ومما ينسب لابن حجر رحمه الله
تعالى: ارحم هديت جميع الخلق أنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما (وله أيضا): ارحم
عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله فالراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة
الرحمن جل جلاله ولهذين الوصفين خواص كثيرة، فمن خواص الرحمن أن من أكثر من ذكره
نظر الله إليه بعين الرحمة، ومن واظب على ذكره ملطوفا به في جميع أحواله. روي عن
الخضر عليه السلام: أن من قال بعد عصر الجمعة مستقلا: يا ألله يا رحمن، إلى أن
تغيب الشمس، وسأله الله شيئا من أمور الدنيا أو الدين أعطاه إياه. ومن خواص الرحيم
أن من كتبه في ورقة إحدى وعشرين مرة وعلقها على صاحب الصداع برئ بإذن الله تعالى.
ومن كتبه في كف مصروع، وذكره في أذنه سبع مرات، أفاق من ساعته بإذن الله تعالى. اه
شرح أسماء الله الحسنى. (قوله: الحمد لله الذي هدانا إلخ) هذا اعتراف منه بأنه لم
يصل إلى هذا التأليف العظيم ذي النفع العميم، الموصل إن شاء الله تعالى إلى الفوز
بجنات النعيم، بجهده واستحقاق فعله، فاقتدى بأهل الجنة حيث قالوا ذلك في دار
الجزاء اعترافا منهم بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من حسن تلك العطيات وعظم
تلك المراتب العليات بجهدهم واستحقاق فعلهم، بل بمحض فضل الله وكرمه. وما ذكر اقتباس
من القرآن، وهو أن يضمن المتكلم كلامه شيئا من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه،
ولا يضر فيه التغيير لفظا ومعنى، لان الاشارة في القرآن للنعيم، وهنا للتأليف.
بجيرمي بتصرف. ثم إن هداية الله أنواع لا يحصيها عد، لكنها تنحصر في أجناس مرتبة:
الاول: إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية
- أي العاقلة - والحواس الباطنة، والمشاعر الظاهرة. الثاني: نصب الدلائل الفارقة
بين الحق والباطل والصلاح والفساد. الثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
الرابع: أن يكشف لقلوبهم السرائر ويؤتيهم الاشياء كما هي، بالوحي أو الالهام أو
المنامات الصادقة، وهذا القسم يختص بالانبياء. (قوله: أي دلنا) اقتصر في تفسير
الهداية على الادلة، فشملت الدلالة الموصلة إلى المقصود وغيرها. والاولى لا تسند
إلا إليه
[ 19 ]
تعالى،
كما في قوله تعالى: * (اهدنا الصراط المستقيم) * وهي المنفية عنه (ص) في قوله: *
(إنك لا تهدي من أحببت) *. والثانية تسند إلى النبي (ص)، كما في قوله تعالى: *
(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) *. وإلى القرآن، كما في قوله تعالى: * (إن هذا
القرآن يهدي للتي هي أقوم) *. وإلى غيرهما. وهي هنا موصلة بالنسبة لما وجد منه،
وهو البسملة والحمدلة ونحوهما، وغير موصلة بالنسبة لما سيوجد، وهذا إذا كانت
الخطبة متقدمة، فإن كانت متأخرة عن الكتاب فالدلالة موصلة لا غير. والمشهور أن دل
يتعدى بعلى، وهدى يتعدى بإلى، فكيف يفسره به ؟ وأجيب بأن الفعل إذا كان بمعنى فعل
آخر لا يلزم أن يعدى بما تعدى به ذلك الفعل. (قوله: وما كنا إلخ) الواو للحال أو
للاستئناف، وكان فعل ماض لنهتدي، اللام زائدة لتوكيد النفي، والفعل منصوب بأن
مضمرة وجوبا بعد لام الجحود. والمعنى: لنهتدي لما عليه من الخير الذي من جملته هذا
التأليف، أو لنهتدي لهذا التأليف. ولولا: حرف امتناع لوجود. وأن هدانا الله في
تأويل مبتدأ خبره محذوف وجوبا، أي لولا هداية الله لنا موجودة. وجواب لولا محذوف
دل عليه ما قبله، أي ما كنا مهتدين. والمعنى: امتنع عدم هدايتنا لوجود هداية الله
لنا. اه جمل. (قوله: والحمد هو الوصف بالجميل) أي لغة. وأما عرفا: فهو فعل ينبئ
عن تعظيم المنعم إلى آخر ما تقدم. (فائدة) اختلف العلماء في الافضل، هل الحمد لله
أو لا إله إلا الله ؟ فذهب طائفة إلى الاول، لان في الحمد توحيدا وحمدا، وفي لا
إله إلا الله توحيدا فقط. واحتجوا بحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما
مرفوعا: من قال لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، وحط عنه عشرون سيئة. ومن قال
الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة، وحط عنه ثلاثون سيئة. وذهبت طائفة إلى
الثاني، لانها تنفي الكفر، وعنها يسئل الخلق. واحتجوا بقوله (ص): مفتاح الجنة لا
إله إلا الله. وبقوله (ص): أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله.
وبقوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما
أعطي السائلين. وأجابوا عما في حديث أبي هريرة بأن العشرين الحسنة التي ذكرت لقائل
لا إله إلا الله، وإن كانت أقل عددا من الثلاثين، هي أعظم كيفا. اه ملخصا من
حاشية شيخنا، العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان، على متن الزبد.
(قوله: وهي من الله الرحمة) أي ومن غيره سبحانه وتعالى الدعاء، ودخل في الغير جميع
الحيوانات والجمادات، فإنه ورد أنها صلت وسلمت على سيدنا محمد (ص)، كما صرح به العلامة
الحلبي في السيرة. وما ذكر من أن الصلاة تختلف باختلاف المصلي هو مذهب الجمهور،
ومقابله ما ذهب إليه ابن هشام من أن معنى الصلاة أمر واحد وهو العطف، بفتح العين،
ولكنه مختلف باختلاف العاطف. فهو بالنسبة لله الرحمة، وبالنسبة لما سواه تعالى -
من الملائكة وغيرهم - الدعاء. وينبني على هذا الخلاف أن الصلاة من قبيل المشترك
اللفظي على الاول، والمشترك المعنوي على الثاني. (قوله: أي التسليم) إنما قال ذلك
لان السلام من أسمائه تعالى فربما يتوهم أنه المراد، فدفعه بما ذكر فيكون من إطلاق
اسم المصدر على المصدر. اه بجيرمي. وفسره بعضهم بقوله: السلام هنا بمعنى الامان
والاعظام وطيب التحية اللائقة بذلك المقام. وجمع بين الصلاة والسلام امتثالا لقوله
تعالى: * (يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * وخروجا من كراهة إفراد
أحدهما عن الآخر لفظا أو خطا. وشروط كراهة الافراد - عند القائل بها - ثلاثة: أن
يكون الافراد منا، فلا يكره ذلك في ثناء الله والملائكة والانبياء، كقوله تعالى: *
(إن الله وملائكته يصلون) * ولم يقل ويسلمون. وأن يكون في غير ما ورد فيه الافراد
فلا يكره فيما ورد مفردا، كحديث: من قال يوم الجمعة ثمانين مرة: اللهم صل على محمد
عبدك ورسولك
[ 20 ]
النبي
الامي، غفر له ذنوب ثمانين سنة. وأن يكون لغير داخل الحجرة الشريفة. أما هو فيقول:
السلام عليك يا رسول الله، ولا يكره له الاقتصار. (قوله: لكافة الثقلين الجن
والانس) بل وإلى كافة الخلق من ملك وحجر ومدر، بل وإلى نفسه. وقول العلامة الرملي:
لم يرسل إلى الملائكة، أي إرسال تكليف، فلا ينافي أنه أرسل إليهم إرسال تشريف.
(قوله: المضعف) أي المكرر العين، وهو أبلغ من اسم مفعول الفعل الغير المضعف، وهو
محمود. (قوله: بإلهام من الله لجده) أي انه ألهم التسمية بمحمد بسبب أنه تعالى
أوقع في قلبه أنه يكثر حمد الخلق له. كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب -
وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها -: لم سميت ابنك محمدا، وليس من أسماء
آبائك ولا قومك ؟ قال: رجوت أن يحمد في السماء والارض. وقد حقق الله رجاءه. وينبغي
إكرام من اسمه محمد تعظيما له (ص)، ويسن التسمية بهذا الاسم الشريف محبة فيه (ص).
وقد ورد في فضل التسمية به عدة أحاديث، أصح ما فيها حديث: من ولد له مولود فسماه
محمدا حبا لي وتبركا باسمي كان هو ومولوده في الجنة. (قوله: أوحي إليه بشرع) أي
أعلم به، لان الايحاء الاعلام، سواء كان بإرسال أو بإلهام أو رؤيا منام، فإن رؤيا
الانبياء حق. وسواء كان له كتاب أم لا. (قوله: فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي) أي فقط.
والحاصل بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان فيمن كان نبيا ورسولا، وهو الذي أمر
بالتبليغ. وينفرد النبي فيمن لم يؤمر بالتبليغ ولا ينفرد الرسول، فكل رسول نبي ولا
عكس. وإن قلنا بانفراد الرسول في الملائكة كان بينهما العموم والخصوص الوجهي،
والتحقيق الاول. (قوله: وصح خبر أن عدد إلخ) الصحيح عدم حصرهم في عدد، لقوله
تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) *. واعلم أنه يجب الايمان
بهم إجمالا فيمن لم يرد فيه تفصيل، وتفصيلا فيمن ورد فيه التفصيل. والوارد فيه
التفصيل منهم خمسة وعشرون، ثمانية عشر مذكورة في قوله تعالى: * (وتلك حجتنا) *
الآية، والباقي سبعة مذكورة في بعض السور، وهم آدم وإدريس وهود وشعيب وصالح وذو
الكفل وسيدنا محمد (ص) وعليهم أجمعين. وقد نظمها بعضهم فقال: حتم على كل ذي
التكليف معرفة بأنبياء على التفصيل قد علموا في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر
ويبقى سبعة وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا فمن
أنكر واحدا منهم بعد أن علمه كفر، بخلاف ما لو سئل عنه ابتداء فقال لا أعرفه فلا
يكفر. (قوله: وعلى آله) أعاد العامل فيه ولم يعده مع الصحب، لان الصلاة عليهم ثبتت
بالنص، بخلاف الصحب فإنها بالقياس على الآل، وللرد على الشيعة الزاعمين ورود حديث
عنه (ص) وهو: لا تفصلوا بيني وبين آلي بعلي. وهو مكذوب عليه. (قوله: أي أقاربه
المؤمنين) هو بالمعنى الشامل للمؤمنات، ففيه تغليب. والمراد بالبنين في قوله من
بني هاشم ما يشمل البنات، ففيه تغليب أيضا. وهاشم جد النبي (ص)، والمطلب أخو هاشم،
وهو جد الامام الشافعي، وأبوهما عبد مناف. وخرج بقوله بني هاشم والمطلب بنو عبد
شمس ونوفل، فليسوا من الآل وإن كانوا من أولا عبد مناف، وذلك لانهم كانوا يؤذونه
(ص). (قوله: وقيل هم كل مؤمن) أي ولو كان عاصيا، لانه أحوج إلى الدعاء من غيره،
لكن تعليله بالخبر الضعيف، وهو آل محمد كل تقي،
[ 21 ]
يفيد
تخصيص المؤمن بغير العاصي إلا أن يراد بالتقي التقي عن الشرك، وهو أول مراتب
التقوى. (قوله أي في مقام الدعاء ونحوه) المشتهر أن هذا القيل خاص بمقام الدعاء،
ومحل الخلاف عند عدم القرينة، والا فسر بما يناسبها. قال العلامة الصبان: وما
اشتهر من أن اللائق في مقام الدعاء تفسير الآل بعموم الاتباع، لست أقول بإطلاقه،
بل المتجه عندي التفصيل. فإن كان في العبارة ما يستدعي تفسير الآل بأهل بيته حمل
عليهم، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم
تطهيرا. وما يستدعي تفسير الآل بالاتقياء حمل عليهم، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد
وعلى آل محمد الذين ملات قلوبهم بأنوارك وكشفت لهم حجب أسرارك. فإن خلت مما ذكر
حمل على الاتباع، نحو: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد سكان جنتك وأهل دار
كرامتك. (قوله: اسم جمع) أي لاجمع، لان صيغة فعل ليست من أوزان الجموع، وهذا هو
التحقيق. وقال الاخفش: إنه جمع لصاحب كركب وراكب. (قوله: بمعنى الصحابي) إنما قال
ذلك لان الصاحب هو من طالت عشرته، والصحابي لا يشترط فيه ذلك. ح ل بجيرمي. (قوله:
وهو) أي الصحابي. (وقوله: من اجتمع مؤمنا إلخ) أي بعد البعثة في حال حياته اجتماعا
متعارفا ببدنه ولو لحظة، ومات على الايمان، سواء روى عنه شيئا أم لا. (قوله: فهذا
المؤلف الحاضر ذهنا) فالاشارة إلى الالفاظ المرتبة المجتمعة المستحضرة ذهنا لكن
على طريق المجاز لا الحقيقة، لان اسم الاشارة موضوع للمشار إليه المسحوس بحاسة
البصر. (قوله: قل لفظة وكثر معناه) ولذلك قال بعضهم: الكلام يختصر ليحفظ ويبسط
ليفهم. وقد اختلفت عباراتهم في تفسير المختصر مع تقارب المعنى. فقيل: هو رد الكلام
إلى قليله مع استيفاء المعنى وتحصيله. وقيل: هو الاقلال بلا إخلال. وقيل: تكثير
المعاني مع تقليل المباني. وقيل: حذف الفضول مع استيفاء الاصول، وقيل: تقليل
المستكثر وضم المنتشر. (قوله: هو لغة: الفهم) أي مطلقا، لما دق وغيره. وقيل: فهم
ما دق. (قوله: واصطلاحا: العلم بالاحكام) المراد بها هنا النسب التامة، كثبوت
الوجوب للنية في الوضوء في قولنا: النية في الوضوء واجبة، وثبوت الندب للوتر في
قولنا: الوتر مندوب، وهكذا. وخرج بالعلم بها العلم بالذوات، كتصور إنسان فلا يسمى
فقها. (وقوله: الشرعية) خرج بها العلم بالاحكام العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف
الاثنين. والشرعية نسبة للشرع بمعنى الشارع، وهو الله تعالى أو النبي (ص). (وقوله:
العملية) خرج به العلم بالاحكام الشرعية الاعتقادية، كثبوت الوجوب للقدرة في
قولنا: القدرة واجبة لله تعالى، وهكذا بقية الصفات. وهذا يسمى علم الكلام وعلم
التوحيد. والمراد بالعملية المتعلقة بكيفية عمل، ولو كان قلبيا كالنية، فالصلاة في
قولنا: الصلاة واجبة عمل، وكيفيته - أي صفته - الوجوب، والحكم هو ثبوت الوجوب
للصلاة. والنية في قولنا: النية في الوضوء واجبة: عمل قلبي، وكيفيتها الوجوب،
والحكم هو ثبوت الوجوب للنية. (وقوله: المكتسب)، خرج به علم الله، وعلم جبريل على
القول بأنه غير مكتسب بل ضروري خلقه الله فيه، والحق أن علم جبريل مكتسب يكتسبه من
اللوح المحفوظ. (وقوله: من أدلتها) خرج به علم المقلد، فهو مستفاد من قول الغير لا
من أدلة الاحكام. (وقوله: التفصيلية) الحق أنه لبيان الواقع لا للاحتراز، وكيفية
الاخذ من الادلة التفصيلية أن تقول: أقيموا الصلاة، أمر، والامر للوجوب. ينتج:
أقيموا الصلاة للوجوب. ولا تقربوا الزنا: نهي، والنهي للتحريم، ينتج: لا تقربوا
الزنا للتحريم، وهكذا. واعلم أنه يتأكد لكل طالب فن قبل شروعه فيه أن يتصوره بوجه
ما ولو باسمه، لاستحالة توجه النفس نحو المجهول المطلق، والاحسن أن يتصوره بتعريفه
ليكون على بصيرة في طلبه، وأن يعرف موضوعه ليمتاز عن غيره أتم تمييز، وأن يعرف
[ 22 ]
غايته
وثمرته وفضله ليخرج عن العبث ويزداد جده. وبقية المبادي العشرة المشهورة، وقد
نظمها كلها العلامة الخضري في قوله: مبادي أي علم كان حدوموضوع وغاية مستمد مسائل
نسبة واسم وحكم وفضل واضع عشر تعد ونظمها أيضا أبو العلاء المعري في قوله: من رام
فنا فليقدم أولاعلما بحده وموضوع تلا وواضع ونسبة وما استمدمنه وفضله وحكم يعتمد
واسم وما أفاد والمسائل فتلك عشر للمنى وسائل وبعضهم فيها على البعض اقتصرومن يكن
يدري جميعها انتصر والشارح - رحمه الله تعالى - ذكر منها أربعة: الحد، والاسم،
والاستمداد، والفائدة. وبقي عليه ستة: موضوعه، وحكمه، ومسائله، وواضعه، ونسبته،
وفضله. فأما الاول، فهو أفعال المكلفين من حيث عروض الاحكام لها. وأما الثاني، فهو
الوجوب العيني أو الكفائي. وأما الثالث، فهو القضايا، كالنية واجبة، والوضوء شرط
لصحة الصلاة، ودخول الوقت سبب لها. وأما الرابع، فالائمة المجتهدون. وأما الخامس،
فهو المغايرة للعلوم. وأما السادس، فهو فوقانه على سائر العلوم، لقوله (ص): من يرد
الله به خيرا يفقهه في الدين. ولقوله (ص): إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا:
وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال: حلق الذكر. قال عطاء: حلق الذكر هي مجالس
الحلال والحرام، كيف تشتري وكيف تصلي وكيف تزكي وكيف تحج وكيف تنكح وكيف تطلق، وما
أشبه ذلك. والمراد معرفة كيفية الصلاة والزكاة والحج، وذلك يكون بمعرفة أركانها
وشروطها ومفسداتها، إذ العبارة بغير معرفة ذلك غير صحيحة، كما قال ابن رسلان: وكل
من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل وعن ابن عمر رضي الله عنهما: مجلس فقه خير
من عبادة ستين سنة. لقوله (ص): يسير الفقه خير من كثير العبادة. وما أحسن قول
بعضهم: عليك بعلم الفقه في الدين إنه سيرفع فاستدركه قبل صعوده فمن نال منه غاية
بلغ المنى وصار مجدا في بروج سعوده (وقوله): تفقه فإن الفقه أفضل قائد إلى البر
والتقوى وأعدل قاصد هو العلم الهادي إلى سنن الهدى هو الحصينجي من جميع الشدائد
فإن فقيها واحدا متورعا أشد على الشيطان من ألف عابد (وقوله): إذا ما اعتز ذو علم
بعلم فعلم الفقه أولى باعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك وكم طير يطير ولا كباز
(وقوله): وخير علوم علم فقه لانه يكون إلى كل العلوم توسلا فإن فقيها واحدا متورعا
على ألف ذي زهد تفضل واعتلى
[ 23 ]
(وقوله):
والعمر عن تحصيل كل علم يقصر فابدأ منه بالاهم وذلك الفقه فإن منلا غنى في كل حال
عنه واعلم أن الآيات والاحاديث الدالة على فضل العلم مطلقا كثيرة شهيرة، فمن
الآيات قوله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * ومن الاحاديث
قوله عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يبتغي فيها علما سهل الله له طريقا إلى
الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له
من في السموات ومن في الارض، حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل
القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الانبياء وإن الانبياء لم يورثوا دينارا
ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر وقوله (ص): فضل العالم على
العابد كفضلي على أدناكم وإن الله وملائكته وأهل السموات والارض، حتى النملة في
جحرها، وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلمي الناس الخير. قال معاذ رضي الله
عنه: تعلموا العلم. فإن تعليمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذكراته تسبيح، والبحث عنه
جهاد، وبذله صدقة. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: الناس رجلان، عالم ومتعلم،
ولا خير فيما سوى ذلك. ويقال: من ذهب إلى عالم وجلس عنده ولم يقدر على حفظ شئ مما
قاله أعطاه الله سبع كرامات، أولها: ينال فضل المتعلمين. وثانيها: ما دام عنده
جالسا كان محبوسا عن الذنوب والخطايا. وثالثها: إذا خرج من منزله نزلت عليه
الرحمة. ورابعها: إذا جلس عنده نزلت الرحمة على العالم فتصيبه ببركته. وخامسها:
تكتب له الحسنات ما دام مستمعا. وسادسها: تحفهم الملائكة بأجنحتهم وهو فيهم.
وسابعها: كل قدم يرفعها ويضعها تكون كفارة للذنوب ورفعا للدرجات وزيادة في
الحسنات. هذا لمن لم يحفظ شيئا، وأما الذي يحفظ فله أضعاف ذلك مضاعفة. وعن عمر رضي
الله عنه أنه قال: إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة، فإذا
سمع العلم خاف الله واسترجع من ذنوبه، فينصرف إلى منزله وليس عليه ذنب، فلا
تفارقوا مجالس العلماء فإن الله لم يخلق على وجه الارض أكرم من مجلسهم. قال بعضهم:
ولو لم يكن لحضور مجلس العلم منفعة سوى النظر إلى وجه العالم لكان الواجب على
العاقل أن يرغب فيه، فكيف وقد أقام النبي (ص) العلماء مقام نفسه فقال: من زار
عالما فكأنما زارني، ومن صافح عالما فكأنما صافحني، ومن جالس عالما فكأنما جالسني،
ومن جالسني في الدنيا أجلسه الله تعالى معي يوم القيامة في الجنة. وما ورد في فضل
العلم والعلماء أكثر من أن يحصى، وفي هذا القدر كفاية، فنسأل الله العظيم أن
يجعلنا من العلماء العاملين، وأن يمنحنا كمال المتابعة والمحبة لسيدنا محمد سيد
الاولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. (قوله: على مذهب الامام)
صفة للفقه، أي في الفقه الكائن على مذهب الامام الشافعي. والمذهب في اللغة اسم
لمكان الذهاب، ثم استعمل فيما ذهب إليه الامام من الاحكام مجازا على طريق
الاستعارة التصريحية التبعية، وتقريرها أن تقول شبه اختيار الاحكام بمعنى الذهاب،
واستعير الذهاب لاختيار الاحكام، واشتق منه مذهب بمعنى أحكام مختارة، ثم صار حقيقة
عرفية. (قوله: ابن عبد مناف) فيجتمع الامام الشافعي مع النبي (ص) في عبد مناف،
لانه (ص) سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم الذي
في نسبه (ص) عم لهاشم الذي في نسب الامام. (قوله: وولد إمامنا رضي الله عنه) أي
بغزة التي توفي فيها هاشم جد النبي (ص)، وقيل بعسقلان، ثم حمل إلى مكة وهو ابن
سنتين، ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن
[ 24 ]
عشر،
وتفقه على مسلم بن خالد - مفتي مكة - المعروف بالزنجي لشدة شقرته، فهو من باب
أسماء الاضداد، وأذن له في الافتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، مع أنه نشأ يتيما في حجر
أمه في قلة من العيش وضيق حال. وكان في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يستفيده في
العظام ونحوها حتى ملا منها خبايا، ثم رحل إلى مالك بالمدينة ولازمه مدة، ثم قدم
بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين واجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم
عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وصنف بها كتابه القديم. ثم عاد إلى مكة فأقام بها
مدة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها، ثم خرج إلى مصر، فلم يزل ناشرا
للعلم ملازما للاشتغال بجامعها العتيق. ثم انتقل إلى رحمة الله - وهو قطب الوجود -
يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه. وانتشر
علمه في جميع الآفاق وتقدم على الائمة في الخلاف والوفاق، وعليه حمل الحديث
المشهور: عالم قريش يملا طباق الارض علما. لان الكثرة والانتشار في جميع الاقطار
لم يحصلا في عالم قرشي مثله. قال الائمة ومنهم الامام أحمد: هذا العالم هو
الشافعي. وكان رضي الله عنه يقسم الليل على ثلاثة أقسام، ثلث للعلم، وثلث للصلاة،
وثلث للنوم. ويختم القرآن في كل يوم مرة، ويختم في رمضان ستين مرة، كل ذلك في
الصلاة. وكان رضي الله عنه يقول: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، لانه يثقل البدن ويقسي
القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة. وما حلفت بالله في عمري،
لاكاذبا ولا صادقا. وسئل رضي الله عنه عن مسألة فسكت، فقيل له: لم لا تجيب ؟ فقال:
حتى أعلم، الفضل في سكوتي أو في جوابي. وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة، لا تعرف له
كبيرة ولا صغيرة. ومن كلامه رضي الله عنه: أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما
طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ففي إحيائه عرضي مصون إذا طمع يحل بقلب عبد
علته مهانة وعلاه هون ومن أدعيته رضي الله عنه: اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة،
وهب لنا تصحيح المعاملة فيما بيننا وبينك على السنة، وارزقنا صدق التوكل عليك وحسن
الظن بك. وامنن علينا بكل ما يقربنا إليك مقرونا بعوافي الدارين برحمتك يا أرحم
الراحمين. وبالجملة، فما نقل عنه نظما ونثرا لا يحصى، وفضائله وأخباره لا تستقصى،
وقد أفردت بالتأليف، وفي هذا القدر كفاية. وحيث تبركنا بذكر نبذة من فضائل إمامنا
الشافعي رضي الله عنه فلنتبرك بذكر بعض أخبار بقية الائمة الاربعة رضوان الله
عليهم أجمعين. فأقول: الامام مالك رضي الله عنه، ولد سنة ثلاث وتسعين من الجهرة،
وقيل: تسعين. وهو من أتباع التابعين على الصحيح، وقيل: من التابعين. وأخذ العلم عن
سبعمائة شيخ، منهم ثلثمائة من التابعين، وعليه حمل قوله (ص): لا تنقضي الساعة حتى
تضرب أكباد الابل من كل ناحية إلى عالم المدينة يطلبون علمه. وفي رواية: يوشك أن
تضرب أكباد الابل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة. فكانوا
يزدحمون على بابه لطلب العلم. وأفتى الناس وعلمهم نحو سبعين سنة بالمدينة. وكان -
رضي الله عنه - يرى المصطفى (ص) كل ليلة في النوم. وسئل الامام أبو حنيفة - رضي
الله عنه - عن مالك فقال: ما رأيت أعلم بسنة رسول الله (ص) منه. ولم يزل - رضي
الله عنه - على حالة مرضية حتى اختاره رب البرية سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن
بالبقيع، وقبره مشهور. وأما الامام أبو حنيفة رضي الله عنه، فكانت ولادته في عصر
الصحابة سنة ثمانية من الهجرة. وكان رضي الله عنه عابدا زاهدا عارفا بالله تعالى.
قال حفص بن عبد الرحمن: كان أبو حنيفة رضي الله عنه يحيي الليل بقراءة القرآن في
ركعة ثلاثين سنة. وقال السيد بن عمرو: صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين
سنة. ويروى أنه من شدة خوفه سمع قارئا يقرأ في
[ 25 ]
المسجد:
* (إذا زلزلت الارض زلزالها) * فلم يزل قابضا على لحيته إلى الفجر وهو يقول: نجزى
بمثقال ذرة. فرحمة الله عليه ورضوانه وتوفي - رضي الله عنه - في رجب أو شعبان سنة
خمسين ومائة، وفيه قال بعضهم: إن ترد في أبي حنيفة وصفا فالراوة الثقات عنه تشير
كان شمسا يضئ بالعلم حقا وهو في الناس بالعلوم الامير كان شيخ الاسلام قدوة خلق
الله حقا لما اقتضاه القدير لم يزل وجهه جميلا بهيا خاشعا لا يشوبه تكدير معرضا عن
حطام دنيا تلهي كل عقل بحبها مأسور قد تساوى لديه تنزيه نفس عن حطام قليلها
والكثير وأما الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فكانت ولادته سنة أربع وستين
ومائة. قال إدريس الحداد: كان الامام أحمد صاحب رواية في الحديث، ليس في زمانه
مثله، وكان رضي الله عنه زاهدا ورعا عابدا. قال عبد الله، ولده: كان أبي يقرأ في
كل ليلة سبع القرآن، ويختم في كل سبعة أيام ختمة، ثم يقوم إلى الصباح، وكان يصلي
في كل يوم ثلثمائة ركعة. قال الشافعي رضي الله عنه: خرجت من بغداد وما خلفت فيها
أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من الامام أحمد، وكان يحيي الليل كله من وقت كونه
غلاما، وله في كل يوم ختم. وتوفي رضي الله عنه سنة إحدى وأربعين ومائتين. والحاصل
أن فضله وفضل سائر الائمة أشهر من الشمس في رابعة النهار، وقد جمع بعضهم تاريخ
ولادتهم وموتهم ومقدار عمرهم في قوله: تاريخ نعمان يكن سيف سطاومالك في قطع جوف
ضبطا والشافعي صين ببر ندوأحمد بسبق أمر جعد فاحسب على ترتيب نظم الشعر ميلادهم
فموتهم كالعمر فولادة أبي حنفية سنة ثمانين وجمله يكن، ووفاته سنة مائة وخمسين
وجمله سيف، وعمره سبعون وجمله سطا. وولادة مالك سنة تعسين وجمله في، ووفاته مائة
وتسع وسبعين وجمله قطع، وعمره تسع وثمانون وجمله جوف. وولادة الشافعي سنة مائة
وخمسين يوم وفاة أبي حنيفة وجمله صين، ووفاته سنة مائتين وأربع وجمله ببر، وعمره
أربع وخمسون وجمله ند. وولادة أحمد سنة أربع وستين ومائة وجمله بسبق، ووفاته سنة
إحدى وأربعين ومائتين وجمله أمر، وعمره سبع وسبعون وجمله جعد. رضي الله عنهم وعنا
بهم أجمعين. (تنبيه) كل من الائمة الاربعة على الصواب ويجب تقليد واحد منهم، ومن
قلد واحدا منهم خرج عن عهدة التكليف، وعلى المقلد اعتقاد أرجحية مذهبه أو مساواته،
ولا يجوز تقليد غيرهم في إفتاء أو قضاء. قال ابن حجر، ولا يجوز العمل بالضعيف
بالمذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكا في طهارة الكلب والشافعي في مسح
بعض الرأس في صلاة واحدة، وأما في مسألة بتمامها بجميع معتبراتها فيجوز، ولو بعد العمل،
كأن أدى عبادته صحيحة عند بعض الائمة دون غيره، فله تقليده فيها حتى لا يلزمه
قضاؤها. وسيأتي بسط الكلام على التقليد في باب القضاء إن شاء الله تعالى. (قوله:
وهذا الشرح) معطوف على ضمير انتخبته الواقع مفعولا. (قوله: لشيخنا إلخ) ولد - رضي
الله عنه - سنة تسع وتسعمائة في أواخرها، ومات أبوه وهو صغير فكفله جده، ثم لما
مات جده كفله شيخا أبيه العارفان الكاملان شهاب الدين أبو الحمائل وشمس الدين
الشناوي، ونقله الثاني من بلده إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادي
العلوم،
[ 26 ]
ثم نقله
إلى الجامع الازهر وعمره أربع عشرة سنة وقرأ فيه على مشايخ كثيرين، منهم شيخ
الاسلام زكريا الانصاري. وكان لا يجتمع به إلا ويقول له، أسأل الله أن يفقهك في
الدين، وكان رضي الله عنه يقول: قاسيت في الجامع الازهر من الجوع ما لا تحتمله
الجبلة البشرية لولا معونة الله وتوفيقه، بحيث أني جلست فيه نحو أربع سنين ما ذقت
اللحم، وقاسيت أيضا من الايذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشد من
ذلك. ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: إذا أنت لا ترضى بأدنى معيشة مع الجد في نيل
العلا والماثر فبادر إلى كسب الغنى مترقبا عظيم الرزايا وانطماس البصائر وتوفي رضي
الله تعالى عنه ثالث عشر رجب سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وعمره إذ ذاك خمس وستون.
وصلي عليه عند الملتزم الشريف بعد العصر، ودفن بالمعلى. طيب الله ثراه وجعل الجنة
مقره ومثواه. وفيه أنشد بعضهم حين رأى الرجال تحمل نعشه: انظر إلى جبل تمشي الانام
به وانظر إلى القبر كم يحوي من الشرف وانظر إلى صارم الاسلام منغمدا وانظر إلى درة
الاسلام في الصدف (قوله: وشيخي) بصيغة التثنية، معطوف على قوله شيخنا، حذفت منه
النون للاضافة. وقوله (مشايخنا) يقرأ بالياء لا بالهمزة لان ياء المفرد ليست مدا
زائدا ثالثا، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله: والمد زيد ثالثا في الواحد همزا يرى
في مثل كالقلائد (قوله: شيخ الاسلام) أي شيخ أهل الاسلام، وهو بدل من المضاف قبله.
(قوله: المجدد) يحتمل قراءته بصيغة اسم المفعول ويكون صفة للاسلام، والمراد:
الاسلام المجدد، أي الذي جدده النبي (ص) وأظهره بعد أن اندرس. ويحتمل قراءته بصيغة
اسم الفاعل ويكون صفة لشيخ الاسلام، والمراد أنه رضي الله عنه هو المجدد للدين.
(قوله: زكريا الانصاري) بدل مما قبله، وإنما قدم اللقب على الاسم لشهرته به، مثل
قوله تعالى: * (إنما المسيح عيسى ابن مريم) * ولد رضي الله عنه سنة ست وعشرين وثمانمائة
بسنيكة ونشأ بها، فحفظ القرآن والعمدة ومختصر التبريزي، ثم تحول للقاهرة سنة إحدى
وأربعين ومكث بالجامع الازهر، وأخذ عن مشايخ كثيرين. وكان له بر وإيثار لاهل العلم
والفقراء ويخير مجالسهم على مجالس الامراء، وكان له تهجد وصبر وترك للقيل والقال،
وكان مجاب الدعوة رضي الله عنه. حتى إنه يحكى أنه جاءه رجل أعمى وقال له ادع الله
أن يرد بصري. فدعا له فرد الله بصره من ثاني يوم. ولم يزل رضي الله عنه في ازدياد
من الترقي حتى لحق بربه العلي وعمره نحو مائة سنة. فرحمه الله رحمة الابرار وأسكنه
جنات تجري من تحتها الانهار وأمدنا بمدده. (قوله: معتمدا) حال من التاء في
انتخبته، أي انتخبته من الكتب المعتمدة لهؤلاء حال كوني معتمدا على ما جزم به إلخ.
(وقوله: النووي) نسبة لنوى قرية من قرى دمشق، ولد بها رضي الله عنه سنة ثلاثين
وستمائة، وتوفي بها سنة ست وسبعين وستمائة، عن نحو ست وأربعين سنة. عد عمره
ومؤلفاته فجاء لكل يوم كراس من يوم الولادة، وما أعظمهما منقبة. ولبعضهم في مدحه -
رضي الله عنه -: لقيت خيرا يا نوى ووقيت آلام الجوى فلقد نشا بك عالم لله أخلص ما
نوى
[ 27 ]
ولما رحل
الامام السبكي - رضي الله عنه، مع جلالته - لزيارة الامام في حياته وجده قد توفي
فصار يبكي ويمرغ خده في محل جلوسه، ويقول: وفي دار الحديث لطيف معنى إلى بسط لها
أصبو وآوي لعلي أن أنال بحر وجهي مكانا مسه قدم النواوي (قوله: والرافعي) نسبة
لرافع بن خديج الصحابي رضي الله عنه، كما حكي عن خط الرافعي نفسه. وكنيته أبو
القاسم، واسمه عبد الكريم توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة.
وله كرامات، منها: أن شجرة عنب أضاءت له لفقد ما يسرجه وقت التصنيف. (قوله: فمحققو
المتأخرين) أي ومعتمدا على ما جزم به محققو المتأخرين، أي كشيخ الاسلام وابن حجر
وابن زياد وغيرهم. واعلم أنه سيذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب القضاء أن
المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، فما جزم به النووي
فالرافعي فما رجحه الاكثر فالاعلم والاورع. ورأيت في فتاوي المرحوم بكرم الله
الشيخ أحمد الدمياطي ما نصه: فإن قلت ما الذي يفتي به من الكتب وما المقدم منها
ومن الشراح والحواشي، ككتب ابن حجر والرمليين وشيخ الاسلام والخطيب وابن قاسم
والمحلى والزيادي والشبر املسي وابن زياد اليمني والقليوبي والشيخ خضر وغيرهم، فهل
كتبهم معتمدة أو لا، وهل يجوز الاخذ بقول كل من المذكورين إذا اختلفوا أو لا ؟ وإذا
اختلفت كتب ابن حجر فما الذي يقدم منها ؟ وهل يجوز العلم بالقول الضعيف والافتاء
به، والعمل بالقول المرجوح، أو خلاف الاصح، أو خلاف الاوجه، أو خلاف المتجه، أو لا
؟ الجواب - كما يؤخذ من أجوبة العلامة الشيخ سعيد بن محمد سنبل المكي، والعمدة
عليه -: كل هذه الكتب معتمدة ومعول عليها، لكن مع مراعاة تقديم بعضها على بعض،
والاخذ في العمل للنفس يجوز بالكل. وأما الافتاء فيقدم منها عند الاختلاف التحفة
والنهاية، فإن اختلفا فيخير المفتي بينهما إن لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا
له ففتى بالراجح. ثم بعد ذلك شيخ الاسلام في شرحه الصغير على البهجة، ثم شرح
المنهج له، لكن فيه مسائل ضعيفة. فإن اختلفت كتب ابن حجر مع بعضها فالمقدم أولا
التحفة، ثم فتح الجواد ثم الامداد، ثم الفتاوي وشرح العباب سواء، لكن يقدم عليهما
شرح بافضل. وحواشي المتأخرين غالبا موافقة للرملي، فالفتوى بها معتبرة، فإن خالفت
التحفة والنهاية فلا يعول عليها. وأعمد أهل الحواشي: الزيادي ثم ابن قاسم ثم عميرة
ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب، كقول بعضهم: ولو نقلت صخرة من
أرض عرفات إلى غيرها صح الوقوف عليها. وليس كما قال. وأما الاقوال الضعيفة فيجوز
العمل بها في حق النفس لا في حق الغير، ما لم يشتد ضعفها، ولا يجوز الافتاء ولا
الحكم بها. والقول الضعيف - شامل لخلاف الاصح وخلاف المعتمد وخلاف الاوجه وخلاف
المتجه. وأما خلاف الصحيح فالغالب أنه يكون فاسدا لا يجوز الاخذ به، ومع هذا كله
فلا يجوز للمفتي أن يفتي حتى يأخذ العلم بالتعلم من أهله المتقين له العارفين به.
وأما مجرد الاخذ من الكتب من غير أخذ عمن ذكر فلا يجوز، لقوله (ص): إنما العلم
بالتعلم. ومع ذلك لا بد من فهم ثاقب ورأي صائب، فعلى من أراد الفتوى أن يعتني
بالتعلم غاية الاعتناء. اه. (قوله: تقر) بكسر القاف وفتحها، كما تقدم. (قوله:
بالنظر إلى وجهه الكريم) متعلق بتقر. واعلم أن رؤية الباري جل وعلا جائزة عقلا،
دنيا وأخرى، لانه سبحانه وتعالى موجود وكل موجود يصح أن يرى. فالباري جل وعلا يصح
أن يرى، ولسؤال سيدنا موسى إياها حيث قال: * (أرني أنظر إليك) * فإنها لو كانت
مستحيلة ما سألها سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يجوز على أحد من
الانبياء عليهم الصلاة والسلام الجهل بشئ من أحكام
[ 28 ]
الالوهية،
خصوص ما يجب وما يجوز وما يستحيل، ولكنها لم تقع فالدنيا إلا لنبينا عليه الصلاة
والسلام. وواجبة شرعا في الآخرة، للكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب، فآيات
كثيرة، منها قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * أي وجوه يومئذ
حسنة مضيئة ناظرة إلى ربها، فالجار والمجرور متعلق بما بعده وهو خبر ثان عن وجوه،
ويصح أن يكون ناضرة صفة وناضرة هو الخبر. والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التي
فيها، بطريق المجاز المرسل، حيث ذكر المحل وأريد الحال فيه. ومنها قوله تعالى: *
(على الارائك ينظرون) * ومنها قوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * فإن
الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم، كما قاله جمهور المفسرين.
وأما السنة، فأحاديث كثيرة، منها حديث: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة
البدر. وأما الاجماع فهو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على وقوع الرؤية
في الآخرة، قال الشيخ السنوسي في شرح الكبرى: أجمع أهل السنة والجماعة قاطبة أن
المراد من الآية، أعني قوله: * (وجوه) * الآية، رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
وأجمع الصحابة قاطبة على وقوع الرؤية في الآخرة، وأن الآيات والاحاديث الواردة
فيها محمولة على ظواهرها من غير تأويل، كل ذلك كان قبل ظهور أهل البدع. وكان
الصحابة والسلف يبتهلون إلى الله تعالى ويسألونه النظر إلى وجهه الكريم، بل ورد
ذلك أيضا في بعض أدعية النبي (ص) اه. وقال الامام مالك رضي الله عنه: لما حجب
أعداءه فلم يروه تجلى لاوليائه حتى رأوه، ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم
يعير الكفار بالحجاب. قال تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) *. وقال
الامام الشافعي رضي الله عنه: لما حجب الله قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه
بالرضا. ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس - يعني نفسه - بأنه يرى ربه
في المعاد لما عبده في دار الدنيا. وهذا من كلام المدللين - نفعنا الله بهم - وإلا
فالله يستحق العبادة لذاته. ثم إن رؤية الباري جل وعلا بقوة يجعلها الله في خلقه،
ولا يشترط فيها مقابلة ولا جهة ولا اتصال أشعة بالمرئي، وإن وجد ذلك في رؤية بعضنا
لبعض المعتادة في الدنيا، وغرابة في ذلك لان الله سبحانه وتعالى يدرك بالعقل
منزها، فكذا بالبصر، لان كلاهما مخلوق. وإلى ذلك كله أشار العلامة اللقاني في
جوهرة التوحيد عند ذكر الجائز في حقه تعالى، بقوله: ومنه أن ينظر بالابصار لكن بلا
كيف ولا انحصار للمؤمنين إذ بجائز علقت هذا وللمختار دنيا ثبتت وأشار إليه أيضا
صاحب بدء الامالي بقوله: يراه المؤمنون بغير كيف وإدراك وضرب من مثال فينسون
النعيم إذ رأوه فيا خسران أهل الاعتزال (قوله: بكرة وعشيا) ظرفان متعلقان بالنظر.
واعلم أن محل الرؤية الجنة بلا خلاف، وتختلف باختلاف مراتب الناس، فمنهم من يراه
في مثل الجمعة والعيد، ومنهم من يراه كل يوم بكرة وعشيا وهم الخواص، ومنهم من لا
يزال مستمرا في الشهود، حتى قال أبو يزيد البسطامي: إن لله خواص من عباده لو حجبهم
في الجنة عن رؤيته ساعة لاستغاثوا من الجنة ونعيمها كما يستغيث أهل النار من النار
وعذابها. فنسأله سبحانه وتعالى أن يمتعنا وأهلنا وأحبابنا وسائر المسلمين بالنظر
إلى وجهه الكريم بجاه نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. (قوله: آمين) اسم فعل
بمعنى استجب يا ألله، ويجوز فيه المد والقصر والتشديد وإن كان المشدد يأتي بمعنى
قاصدين. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[ 29 ]
باب
الصلاة الباب معناه لغة: فرجعة في ستائر يتوصل منها من داخل إلى خارج. واصطلاحا:
اسم لجملة مخصوصة دالة على معان مخصوصة، مشتملة على فصول وفروع ومسائل غالبا.
والفصل معناه لغة: الحاجز بين الشيئين. واصطلاحا: اسم لالفاظ مخصوصة مشتملة على
فروع ومسائل غالبا. والفرع لغة: ما انبنى على غيره، ويقابله الاصل. واصطلاحا: اسم
لالفاظ مخصوصة مشتملة على مسائل غالبا. والمسألة لغة: السؤال. واصطلاحا: مطلوب
خبري يبرهن عليه في العلم. والحاصل عندهم لفظ كتاب، وهو لغة: الضم والجمع.
واصطلاحا: اسم لجملة مخصوصة مشتملة على أبواب وفصول وفروع ومسائل غالبا. ولفظ باب
ولفظ فصل ولفظ فرع ولفظ مسألة، ومعانيها ما ذكر. وعندهم أيضا لفظ تنبيه، ومعناه
لغة: الايقاظ. واصطلاحا: عنوان البحث اللاحق الذي تقدمت له إشارة في الكلام السابق
بحيث يفهم منه إجمالا. ولفظ خاتمة، وهي لغة: آخر الشئ. واصطلاحا: اسم لالفاظ
مخصوصة جعلت آخر كتاب أو باب. ولفظ تتمة: وهي ما تمم به الكتاب أو الباب وهو قريب
من معنى الخاتمة. واعلم، رحمك الله تعالى، أن الغرض من بعثة الرسول عليه الصلاة
والسلام انتظام أحوال الخلق في المعاش والمعاد، ولا تنتظم أحوالهم إلا بكمال قواهم
الادراكية وقواهم الشهوانية وقواهم الغضبية. فوضعوا لكمال قواهم الادراكية ربع
العبادات، ولقواهم الشهوانية البطنية ربع المعاملات، ولقواهم الشهوانية الفرجية
ربع النكاح، ولقواهم الشهوانية الغضبية ربع الجنايات، وختموها بالعتق رجاء العتق
من النار. وقدموا ربع العبادات لشرفها بتعلقها بالخالق، ثم المعلامات لانها أكثر
وقوعا. ورتبوا العبادات على ترتيب حديث: بني الاسلام على خمس... الحديث. وإنما بدأ
كتابه بالصلاة - وخالف المتقدمين والمتأخيرين في تقديمهم في كتبهم كتاب الطهارة
وما يتعلق بها من وسائلها ومقاصدها - اهتماما بها، إذ هي أهم أحكام الشرع وأفضل
عبادات البدن بعد الشهادتين. (قوله: شرعا أقوال وأفعال الخ) واعترض هذا التعريف
بأنه غير مانع لدخول سجدتي التلاوة والشكر مع أنهما ليسا من أنواع الصلاة، وغير
جامع لخروج صلاة الاخرس والمريض والمربوط على خشبة، فإنها أقوال من غير أفعال في
الآخرين، وأفعال من غير أقوال في الاول. وأجيب عن الاول بأن المراد بالافعال
المخصوصة ما يشمل الركوع والاعتدال، فيخرجان حينئذ بقيد مخصوصة. وأجيب عن الثاني
بأن المراد بقوله: أقوال وأفعال ما يشمل الحكمية، أو يقال: إن صلاة من ذكر نادرة
فلا ترد عليه. (قوله: وسميت) أي الاقوال والافعال وقوله: بذلك أي بلفظ الصلاة.
(قوله: خمس) وذلك لخبر الصحيحين: فرض الله على أمتي ليلة الاسراء خمسين صلاة، فلم
أزل أراجعه
[ 30 ]
وأسأله
التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ لما
بعثه إلى اليمن: أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. والحكمة
في كون المكتوبات سبع عشرة ركعة أن زمن اليقظة من اليوم والليلة سبع عشرة ساعة
غالبا، اثنا عشر في النهار، ونحو ثلاث ساعات من الغروب، وساعتين من قبيل الفجر،
فجعل لكل ساعة ركعة جبرا لما يقع فيها من التقصير. (قوله: ولم تجتمع هذه الخمس
لغير نبينا محمد) أي بل كانت متفرقة في الانبياء. فالصبح صلاة آدم، والظهر صلاة
داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، كما سيذكره
الشارح في مبحث أوقات الصلاة عن الرافعي. (قوله: وفرضت ليلة الاسراء) والحكمة في
وقوع فرضها تلك الليلة أنه (ص) لما قدس ظاهرا وباطنا، حيث غسل بماء زمزم، وملئ
بالايمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر، ناسب ذلك أن تفرض فيها. ولم
تكن قبل الاسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الامر به من قيام الليل من غير تحديد.
وذهب بعضهم إلى أنها كانت مفروضة، ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي. ونقل الشافعي
عن بعض أهل العلم أنها كانت مفروضة ثم نسخت. اه بجيرمي بتصرف. (قوله: لعدم العلم
بكيفيتها) أي وأصل الوجوب كان معلقا على العلم بالكيفية. وهنا توجيه آخر لعدم وجوب
صبح ذلك اليوم، وهو أن الخمس إنما وجبت على وجه الابتداء بالظهر، أي أنها وجبت من
ظهر ذلك اليوم. اه سم بتصرف. (قوله: إنما تجب المكتوبة) شروع في بيان من تجب عليه
الصلاة وما يترتب عليه إذا تركها. (قوله: على كل مسلم) أي ولو فيما مضى، فدخل
المرتد. (قوله: أي بالغ) سواء كان بالسن، أو بالاحتلام، أو بالحيض. (قوله: فلا تجب
على كافر) تفريع على المفهوم، والمنفي إنما هو وجوب المطالبة منا بها في الدنيا،
فلا ينافي أنها تجب عليه وجوب عقاب عليها في الدار الآخرة عقابا زائدا على عقاب
الكفر لانه مخاطب بفروع الشريعة، وذلك لتمكنه منها بالاسلام، ولنص: * (لم نك من
المصلين) * وإنما لم يجب القضاء عليه إذا أسلم ترغيبا له في الاسلام، ولقوله
تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (قوله: بلا تعد) قيد في
المجنون والمغمى عليه والسكران، وإن كان ظاهر كلامه أنه قيد في الاخير، فإن حصل
منهم تعد وجب عليهم قضاؤها، لانهم بتعديهم صاروا في حكم المكلفين، فكأنه توجه
عليهم الاداء فوجب القضاء نظرا لذلك. (قوله: بل تجب على مرتد) أي فيلزمه قضاء ما فاته
فيها بعد إسلامه تغليظا عليه، ولانه التزمها بالاسلام، فلا تسقط عنه بالجحود كحق
الآدمي. (قوله: ومتعد بسكر) أي أو جنون أو إغماء، لما تقدم آنفا. (قوله: ويقتل
إلخ) لخبر الصحيحين أنه (ص) قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام، وحسابهم على الله. واعلم أن الفقهاء اختلفوا
في موضع ذكر حكم تارك الصلاة، فمنهم من ذكره عقب فصل المرتد، لمناسبته له من جهة
أنه يكون حكمه حكم المرتد إذا تركها جاحدا لوجوبها. ومنهم من ذكره عقب الجنائز،
لمناسبته لها من جهة أنه إذا قتل يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين،
إن كان تركها كسلا. وهذه الامور تذكر في الجنائز. ومنهم من ذكره قبلها، كالنووي في
منهاجه، وكشيخ الاسلام في منهجه، ليكون كالخاتمة لكتاب الصلاة. ومنهم من ذكره قبل
الاذان، لمناسبة ذكر حكم تركها الذي هو التحريم، بعد ذكر حكم فعلها الذي هو
الوجوب. والمؤلف رحمه الله تعالى اختار هذا الاخير لما ذكر.
[ 31 ]
وقوله:
أي المسلم أي سواء كان عالما أو جاهلا غير معذور بجهله لكونه بين أظهرنا. (قوله:
حدا) أي يقتل حال كون قتله حدا، أي لا كفرا. واستشكل كونه حدا بأن القتل يسقط
بالتوبة والحدود لا تسقط بالتوبة. وأجيب بأن المقصود من هذا القتل الحمل على أداء
ما توجه عليه من الحق وهو الصلاة، فإذا أداه بأن صلى سقط لحصول المقصود، بخلاف
سائر الحدود فإنها وضعت عقوبة على معصية سابقة فلا تسقط بالتوبة. وقوله: بضرب
عنقه، أي بنحو السيف. ولا يجوز قتله بغير ذلك، لخبر: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة.
واعلم أنه إذا قتل من ذكر يكون حكمه حكم المسلمين في الغسل والتكفين والصلاة عليه
والدفن في مقابر المسلمين. (قوله: أي المكتوبة) ومثل ترك المكتوبة ترك الطهارة
لها، لان ترك الطهارة بمنزلة ترك الصلاة. ومثل الطهارة الاركان وسائر الشروط التي
لا خلاف فيها أو فيها خلاف واه، بخلاف القوي. فلو ترك النية في الوضوء أو الغسل أو
مس الذكر أو لمس المرأة وصلى متعمدا لم يقتل، كما لو ترك فاقد الطهورين الصلاة لان
جواز صلاته مختلف فيه. (قوله: عامدا) خرج به ما إذا أخرجها ناسيا فلا يقتل لعذره،
ومثل النسيان: ما لو أبدى عذرا في التأخير كشدة برد أو جهل يعذر به أو نحوهما من
الاعذار الصحيحة أو الباطلة. (قوله: عن وقت جمع لها) أي فلا يقتل بالظهر حتى تغرب
الشمس، ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر، هذا إن كان لها وقت جمع وإلا فيقتل بخروج
وقتها، كالصبح فإنه يقتل فيها بطلوع الشمس، وفي العصر بغروبها، وفي العشاء بطلوع
الفجر، فيطالب بأدائها إن ضاق الوقت ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن وقتها بأن نقول له
عند ضيق الوقت: صل فإن صليت تركناك وإن أخرجتها عن الوقت قتلناك. وظاهر أن المراد
بوقت الجمع في الجمعة ضيق وقتها عن أقل ممكن من الخطبة والصلاة لان وقت العصر ليس
وقتا لها. (قوله: إن كان كسلا) أي يقتل حدا إن كان إخراجه لها كسلا أي تهاونا
وتساهلا بها. وقوله: مع اعتقاد وجوبها سيأتي محترزه. (قوله: إن لم يتب) أي بأن لم
يمتثل أمر الامام أو نائبه ولم يصل. وقوله: بعد الاستتابة أي بعد طلب التوبة منه.
واختلف فيها، فقيل إنها مندوبة، وقيل إنها واجبة، والمعتمد الاول. ويفرق بينه وبين
المرتد، حيث وجبت استتابته بأن تركها فيه يوجب تخليده في النار - إجماعا - بخلاف
هذا ويوجد في بعض النسخ الخطية بعد قوله الاستتابة ما نصه: ندبا، وقيل واجبا، وهو
الموافق لقوله بعد: وعلى ندب الخ. (قوله: وعلى ندب الاستتابة لا يضمن الخ) قال سم:
مفهومه أن يضمنه على الوجوب. ثم نقل عبارة شرح البهجة واستظهر منها عدم الضمان -
حتى على القول بالوجوب - لانه استحق القتل، فهو مهدر بالنسبة لقاتله الذي ليس هو
مثله. اه. (قوله: ويقتل) أي تارك الصلاة. فالضمير يعود على معلوم من المقام، ويصح
عوده على المسلم المتقدم. ووصفه بالاسلام مع الحكم عليه بالكفر بسبب جحده وجوبها
باعتبار ما كان. وقوله: كفرا، أي لكفره بجحده وجوبها فقط، لا به مع الترك. إذ
الجحد وحده مقتض للكفر لانكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة. وقوله: إن تركها أي
بأن لم يصلها حتى خرج وقتها، أولم يصلها أصلا. (وقوله: جاحدا وجوبها) مثله جحد
وجوب ركن مجمع عليه منها، أو فيه خلاف واه. (قوله: فلا يغسل ولا يصلى عليه) أي ولا
يدفن في مقابر المسلمين لكونه كافرا. (قوله: ويبادر من مر) أي المسلم المكلف
الطاهر. وقوله: بفائت أي بقضائه. (قوله: والذي يظهر أنه) أي من عليه فوائت فاتته
بغير عذر.
[ 32 ]
(قوله:
ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد له منه) كنحو نوم، أو مؤنة من تلزمه مؤنته، أو
فعل واجب آخر مضيق يخشى فوته. (قوله: وأنه يحرم عليه التطوع) أي مع صحته، خلافا
للزركشي. (قوله: ويبادر به) أي بالقضاء وقوله: إن فات أي الفائت. (قوله: كنوم لم
يتعد به) بخلاف ما إذا تعدى، بأن نام في الوقت وظن عدم الاستيقاظ، أو شك فيه، فلا
يكون عذرا. وقوله: ونسيان كذلك أي لم يتعد به، وأما إن تعدى به بأن نشأ عن منهي
عنه - كلعب شطرنج مثلا - فلا يكون عذرا. (قوله: ويسن ترتيبه) أي إن فات بعذر،
بدليل قوله: بعد، ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر، وكان عليه أن يذكر
هذا القيد هنا كما ذكره فيما بعد. والتقييد بما ذكر هو ما جرى عليه شيخه ابن حجر.
واعتمد م ر سنية ترتيب الفوائت مطلقا، فاتت كلها بعذر أو بغيره، أو بعضها بعذر
وبعضها بغير عذر. (قوله: وتقديمه) أي ويسن تقديمه، أي الفائت، لحديث الخندق: أنه
(ص) صلى يوم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. (قوله: إن فات بعذر)
راجع لسنية التقديم، وسيذكر محترزه. وقوله: وإن خشي فوت جماعتها، أي الحاضرة.
(قوله: أما إذا خاف فوت الحاضرة إلخ) قال في النهاية: وتعبيره بالفوات يقتضي
استحباب الترتيب أيضا إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة لانها لم تفت. وبه جزم في
الكفاية، واقتضاه كلام المحرر والتحقيق والروض، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى
للخروج من خلاف وجوب الترتيب، إذ هو خلاف في الصحة كما تقدم، وإن قال الاسنوي أن
فيه نظرا لما فيه من إخراج بعض الصلاة عن الوقت، وهو ممتنع. والجواب عن ذلك أن محل
تحريم إخراج بعضها عن وقتها في غير هذه الصورة. اه. (قوله: بأن يقع بعضها إلخ)
صورة فوت الحاضرة بوقوع بعضها وإن قل خارج الوقت. وهو ما جرى عليه ابن حجر، وخلاف
ما جرى عليه الرملي كما يعلم من عبارته السابقة. والحاصل: إذا علم لو قدم الفائتة
يخرج بعض الحاضرة عن الوقت لزمه تقديم الحاضرة عند ابن حجر، لحرمة إخراج بعضها عن
الوقت، واستحب له تقديم الفائتة عند م ر، للخروج من خلاف من أوجب الترتيب. وإذا
علم أنه لو قدمها يدرك دون ركعة من الحاضرة في الوقت فباتفاقهما يجب تقديم
الحاضرة. (قوله: وإن فقد الترتيب) يفيد فيمن فاته الظهر والعصر بعذر، والمغرب
والعشاء بغير عذر، وجوب تقديم الاخيرين عليهما. وهو مخالف لما مشى عليه الرملي من
استحباب
[ 33 ]
تقديم
الاول فالاول مطلقا. (قوله: لانه سنة والبدار واجب) القائل باستحبابه مطلقا يقول:
الترتيب المطلوب لا ينافي البدار لانه مشتغل بالعبادة وغير مقصر، كما أن تقديم
راتبة المقضية القبلية عليها لا ينافي البدار الواجب. (قوله: تنبيه: من مات إلخ)
ذكر الشارح هذا المبحث في باب الصوم بأبسط مما هنا، ويحسن أن نذكره هنا تعجيلا
للفائدة. ونص عبارته هناك: (فائدة) من مات وعليه صلاة فلا قضاء ولا فدية. وفي قول
- كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا،
وفعل به السبكي عن بعض أقاربه. ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي إن خلف
تركة أن يصلى عنه، كالصوم. وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل
صلاة مدا. وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل، واجبة أو مندوبة. وفي شرح
المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة، أن للانسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره
ويصله. اه. وقوله: لم تقض ولم تفد عنه وعند الامام أبي حنيفة رضي الله عنه: تفدى
عنه إذا أوصى بها ولا تقضى عنه. ونص عبارة الدر مع الاصل: ولو مات وعليه صلوات فائتة،
وأوصى بالكفارة، يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر كالفطرة، وكذا حكم الوتر والصوم.
وإنما يعطى من ثلث ماله، ولو لم يترك مالا يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه
للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث، ثم وثم حتى يتم. ولو قضاها وارثه بأمره لم يجز
لانها عبادة بدنية. اه. وكتب العلامة الشامي ما نصه: قوله: يستقرض وارثه نصف صاع
أي أو قيمة ذلك. اه. (قوله: بأن صار يأكل إلخ) هذا أحسن ما قيل في ضابط المميز.
وقيل: أن يعرف يمينه من شماله. وقيل: أن يفهم الخطاب ويرد الجواب. والمراد بمعرفة
يمينه من شماله معرفة ما يضره وينفعه. ويوافق التفسير الثاني خبر أبي دواد أنه (ص)
سئل: متى يؤمر الصبي بالصلاة ؟ فقال: إذا عرف يمينه من شماله. أي ما يضره مما
ينفعه. اه ع ش بتصرف. (قوله: أي يجب على كل من أبويه وإن علا) أي ولو من جهة
الام. والوجوب كفائي فيسقط بفعل أحدهما: لانه من الامر بالمعروف، ولذا خوطبت به
الام ولا ولاية لها. (قوله: التهديد) أي إن احتيج إليه. اه سم. (قوله: غير مبرح)
بكسر الراء المشددة، أي مؤلم. قال ع ش: أي وإن كثر. خلافا لما نقل عن ابن سريج من
أنه لا يضرب فوق ثلاث ضربات، أخذا من حديث: غط جبريل للنبي (ص) ثلاث مرات في
ابتداء الوحي. اه. ولو لم يفد إلا المبرح تركهما وفاقا لابن عبد السلام، وخلافا
لقول البلقيني: يفعل غير المبرح
[ 34 ]
كالحد.
اه تحفة. (قوله: وبحث الاذرعي إلخ) عبارة التحفة: نعم، بحث الاذرعي في قن صغير لا
يعرف إسلامه أنه لا يؤمر بها، أي وجوبا، لاحتمال كفره، ولا ينهى عنها لعدم تحقق
كفره. والاوجه ندب أمره ليألفها بعد البلوغ. واحتمال كفره إنما يمنع الوجوب فقط.
اه. وفي ع ش ما نصه: قال الشهاب الرملي في حواشي شرح الروض: إنه يجب أمره بها
نظرا لظاهر الاسلام. ومثله في الخطيب على المنهاج. أي ثم إن كان مسلما في نفس
الامر صحت صلاته وإلا فلا. وينبغي أيضا أنه لا يصح الاقتداء به. اه. وقوله: وإن
أبى القياس ذلك. أي ندب الامر، لانه كافر احتمالا. (قوله: ويجب أيضا على من مر) أي
من الابوين والوصي ومالك الرقيق، ومثلهم الملتقط والمودع والمستعير، فالامام
فصلحاء المسلمين. (قوله: وتعليمه الواجبات) أي كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وما
يتعلق بها من الاركان والشروط. (قوله: ولو سنة كسواك) وخالف في شرح الروض عن
المهمات في ذلك فقال: المراد بالشرائع ما كان في معنى الطهارة والصلاة كالصوم
ونحوه، لانه المضروب على تركه. وذكر نحوه الزركشي. اه. ثم رأيت في شرح العباب ذكر
أن ظاهر كلام القمولي الضرب على السنن. اه سم بتصرف. (قوله: وجوب ما مر) أي من
الامر والضرب على من مر، أي كل من الابوين، إلخ. (قوله: في ماله) أي الصبي، ولا
يجب ذلك على الاب والام. ومعنى أن الوجوب في ماله ثبوتها في ذمته ووجوب إخراجها من
ماله على وليه، فإن بقيت إلى كماله لزمه إخراجها وإن تلف المال. (قوله: ذكر
السمعاني إلخ) حاصل ما ذكره أنه يجب على الابوين ما مر، أي من نحو التعليم والضرب
للزوجة الصغيرة، فإن فقدا فالوجوب على الزوج. (قوله: وبه إلخ) أي وبوجوب الضرب،
ولو في الزوجة الكبيرة، صرح جمال الاسلام البزري، قال في التحفة في فصل التعزيز:
وبحث ابن البزري - بكسر الموحدة - أنه يلزمه أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها وضربها
عليها. وهو متجه حتى في وجوب ضرب المكلفة، لكن لا مطلقا بل إن توقف الفعل عليه ولم
يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه. اه. (قوله: إن لم يخش نشوزا) قال في
شرح العباب: بخلاف ما لو خشي ذلك لما فيه من الضرر عليه. اه. (قوله: وأطلق
الزركشي الندب) أي أنه جرى على ندب ضربها مطلقا
[ 35 ]
خشي
نشوزا أم لا. (قوله: وأول واجب إلخ) يعني أن أول ما يجب تعليمه للصبي أن نبينا (ص)
إلخ، ويكون ذلك مقدما على الامر بالصلاة. قال في التحفة: يجب تعليمه ما يضطر إلى
معرفته من الامور الضرورية التي يكفر جاحدها ويشترك فيها العام والخاص، ومنها أن
النبي (ص) بعث بمكة ودفن بالمدينة، كذا اقتصروا عليهما. وكأن وجهه أن إنكار أحدهما
كفر، لكن لا ينحصر الامر فيهما. وحينئذ فلا بد أن يذكر له من أوصافه (ص) الظاهرة
المتواترة ما يميزه ولو بوجه، ثم ذينك. وأما مجرد الحكم بهما قبل تمييزه بوجه فغير
مفيد، فيجب بيان النبوة والرسالة وأن محمدا الذي هو من قريش واسم أبيه كذا واسم
أمه كذا وبعث ودفن بكذا نبي الله ورسوله إلى الخلق كافة. ويتعين أيضا ذكر لونه، ثم
أمره بها، أي الصلاة ولو قضاء. اه. والحاصل: يجب على الآباء والامهات أن يعلموا
أبناءهم جميع ما يجب على المكلف معرفته، كي يرسخ الايمان في قلوبهم ويعتادوا
الطاعات، كتعليمهم ما يجب لمولانا عزوجل، وما يستحيل، وما يجوز. وجملة ذلك إحدى
وأربعون عقيدة فأولها الوجود، ويستحيل عليه العدم. والثاني القدم، ومعناه لا أول
لوجوده، ويستحيل عليه الحدوث. والثالث البقاء، ومعناه الذي لا آخر لوجوده، ويستحيل
عليه الفناء. والرابع مخالفته تعالى للحوادث في ذاته وصفاته وأفعاله، ويستحيل عليه
المماثلة. والخامس قيامه تعالى بالنفس، ومعناه عدم احتياجه إلى ذات يقوم بها، ولا
إلى موجد يوجده، ويستحيل عليه أن لا يكون قائما بنفسه. والسادس الوحدانية، بمعنى
أنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ويستحيل عليه التعدد. والسابع
القدرة، ويستحيل عليه العجز. والثامن الارادة، ويستحيل عليه الكراهية. والتاسع
العلم، ويستحيل عليه الجهل. والعاشر الحياة، ويستحيل عليه الموت. والحادي عشر
السمع، ويستحيل عليه الصمم. والثاني عشر البصر، ويستحيل عليه العمى. والثالث عشر
الكلام، ويستحيل عليه البكم. والرابع عشر كونه قادرا، ويستحيل عليه كونه عاجزا. والخامس
عشر كونه مريدا، ويستحيل عليه كونه مكرها. والسادس عشر كونه عالما، ويستحيل عليه
كونه جاهلا. والسابع عشر كونه حيا، ويستحيل عليه كونه ميتا. والثامن عشر كونه
سميعا، ويستحيل عليه كونه أصم. والتاسع عشر كونه بصيرا، ويستحيل عليه كونه أعمى.
والعشرون كونه متكلما، ويستحيل عليه كونه أبكم. فهذه أربعون عشرون واجبة، وعشرون
مستحيلة، والواحد والاربعون الجائز في حقه تعالى وهو فعل كل ممكن أو تركه.
وتعليمهم ما يجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يستحيل، وما يجوز. وجملة
ذلك تسع عقائد. فالواجب: الصدق والامانة، والتبليغ، والفطانة. والمستحيل: الكذب،
والخيانة، وكتمان شئ مما أمروا بتبليغه، والبلادة. والجائز في حقهم ما هو من
الاعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص مراتبهم العلية، كالاكل والشرب والجماع
والمرض الخفيف. فهم عليهم الصلاة والسلام أكمل الناس عقلا وعلما، بعثهم الله وأظهر
صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده. وتعليمهم أن الله
سبحانه وتعالى بعث النبي الامي العربي القرشي الهاشمي سيدنا محمدا (ص) برسالته إلى
كافة الخلق، العرب والعجم والملائكة والانس والجن والجمادات. وأن شريعته نسخت
الشرائع، وأن الله فضله على سائر المخلوقات. ومنع صحة التوحيد بقول لا آله إلا
الله، إلا إن أضاف الناطق إليه محمد رسول الله. وألزم سبحانه وتعالى الخلق تصديقه
في كل ما أخبر به عن الله عن أمور الدنيا والآخرة، وتعليمهم أنه ولد بمكة وهاجر
إلى المدينة وتوفي فيها، وأنه أبيض مشرب بحمرة، وأنه أكمل الناس خلقا. وتعليمهم
نسبه (ص) من جهة أبيه وأمه. وزاد بعضهم أولاده، لانهم سادات الامة. فلا ينبغي
للشخص أن يهملهم، وهم سبعة: ثلاثة ذكور وأربعة إناث، وترتيبهم في الولادة: القاسم
وهو أول أولاده (ص)، ثم زينب، ثم رقيه،
[ 36 ]
ثم
فاطمة، ثم أم كلثوم، ثم عبد الله وهو الملقب بالطاهر وبالطيب، وكلهم من سيدتنا
خديخة رضي الله عنها، والسابع إبراهيم، وهو من مارية القبطية. وقد نظم بعضهم أسماء
هم متوسلا بهم، فقال: يا ربنا بالقاسم ابن محمد فبزينب فرقية فبفاطمة فبأم كلثوم
فبعد الله ثم بحق إبراهيم نجي ناظمه فهذه نبذة من العقائد اللازمة، وقد تكفل بها
علماء التوحيد، فيجب على من مر تعليم المميز ذلك حتى تكون نشأته على أكمل الايمان،
وبالله التوفيق. فصل في شروط الصلاة أي في بيان الشروط المتوقف عليها صحة الصلاة.
وهي جمع شرط بسكون الراء، وهو لغة: تعليق أمر مستقبل بمثله، أو إلزام الشئ
والتزامه. وبفتحها، العلامة. واصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده
وجود، ولا عدم لذاته. اه. تحفة. إذا علمت ذلك تعلم أن قول الشارح: الشرط ما يتوقف
عليه صحة الصلاة وليس منها ليس معنى لغويا ولا اصطلاحيا له، وإنما هو بيان لما
يراد به هنا - أي في الصلاة - وليس هذا من شأن التعاريف. وقوله: وليس منها قيد
لاخراج الركن. (قوله: لانها أولى بالتقديم) أي لان الشروط أحق بالتقديم. (قوله: إذ
الشرط إلخ) أي فهو مقدم طبعا فناسب أن يقدم وضعا. واعلم أن الشروط قسمان: قسم
يعتبر قبل الشروع فيها ويستصحب إلى آخرها، وقسم يعتبر بعد الشروع ويستصحب كترك
الافعال وترك الكلام وترك الاكل فقوله: ما يجب تقديمه إلخ هو بالنظر للاول (قوله:
شروط الصلاة خمسة) وإنما لم يعد من شروطها الاسلام، والتمييز، والعلم بفرضيتها،
وكيفيتها، وتمييز فرائضها من سننها، لانها غير مختصة بالصلاة. وبعضهم عدها وجعل
الشروط تسعة. (قوله: الطهارة لغة إلخ) أي بفتح الطاء، وأما بضمها فاسم لبقية
الماء. (قوله: النظافة) أي من الاقذار - ولو طاهرة كالمخاط والبصاق - حسية كانت
كالانجاس، أو معنوية كالعيوب من الحقد والحسد وغيرهما. (وقوله: والخلوص من الدنس)
عطف تفسير (قوله: وشرعا رفع المنع إلخ) اعلم أن الطهارة الشرعية لها
[ 37 ]
وضعان:
وضع حقيقي، وهو إطلاقها على الوصف المترتب على الفعل، وهو زوال المنع المترتب على
الحدث أو الخبث. وإن شئت قلت: ارتفاع المنع المترتب على ذلك. ومجازي: وهو إطلاقها
على الفعل، كتعريف الشارح فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب. واعلم أنهم قسموها
إلى قسمين، عينية وحكمية. فالاولى: هي ما لا تجاوز محل حلول موجبها كغسل الخبث،
والثانية: هي ما تجاوز ما ذكر كالوضوء، فإنه يجاوز المحل الذي حل فيه الموجب وهو
خروج شئ من أحد السبيلين. ولها وسائل أربع ومقاصد كذلك، فالاول: الماء، والتراب،
والحجر، والدابغ. والثانية: الوضوء، والغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة. وأما
الاواني والاجتهاد فهما من وسائل الوسائل فإطلاق الوسيلة عليهما مجاز. (قوله: وهو
ما يقع عليه اسم الماء) أي ما يطلق عليه اسم الماء لا مصاحبة قيد لازم، فشمل
المتغير كيثرا بما لا يضر، أو بمجاور كعود ودهن وقوله: وإن رشح هذه الغاية للرد
على الرافعي حيث قال: نازع فيه عامة الاصحاب، وقالوا يسمونه بخارا ورشحا لا ماء.
وفي جعله الرشح من البخار نظر، إذ هو من الماء لا منه. وأجيب: بجعل من للتعليل،
ومتعلق رشح محذوف، أي وإن رشح من الماء لاجل البخار وقوله: المغلى بضم الميم وفتح
اللام من أغلى، أو بفتح الميم وكسر اللام من غلي. (قوله: أو استهلك فيه الخليط) أي
بحيث لا يسلبه اسم الماء. والمستهلك فيه الخليط هو الذي لم يغيره ذلك الخليط لا
حسا ولا تقديرا. (قوله: أو قيد) بفتح القاف وسكون الياء على أنه مصدر معطوف على
قوله بلا قيد، أو بضم أوله وكسر الياء المشددة على أنه فعل مبني للمجهول معطوف على
قوله وإن رشح. قوله: إلا مقيدا) أي بإضافة كماء ورد، أو بصفة كماء دافق، أو بلام
العهد كالماء في قوله (ص): نعم. إذا رأت الماء. (قوله: غير مستعمل في فرض طهارة)
أي غير مؤدي به ما لا بد منه. فالمراد بالفرض ما لا بد منه، أثم الشخص بتركه أم
لا، عبادة كان أم لا، فشمل ماء وضوء الصبي ولو غير مميز بأن وضأه وليه للطواف فهو
مستعمل لانه أدى به ما لا بد منه، وإن كان لا إثم عليه بتركه. وشمل أيضا ماء غسل
الكافرة لتحل لحليلها المسلم لانه أدى به ما لا بد منه، وإن لم يكن غسلها عبادة
وقوله: من رفع حدث بيان لفرض والمراد برفع الحدث عند مستعمله، فشمل ماء وضوء
الحنفي بلا نية لانه استعمل في رفع حدث عنده، وإن لم يرفع الحدث عندنا لعدم النية.
فقوله بعد: ولو من طهر حنفي. إشارة إلى ذلك. وإنما لم يصح اقتداء الشافعي به إذا
مس فرجه اعتبارا باعتقاد المأموم لاشتراط الرابطة، أي نية الاقتداء في الصلاة دون
الطهارة واحتياطا في البابين. ولذا لا يصح
[ 38 ]
الاقتداء
به إذا توضأ بلا نية على الاظهر، مع حكمنا على مائه بالاستعمال، فننظر لمعتقده
ونحكم باستعمال الماء، ولمعتقدنا ونحكم بعدم صحة وضوئه لعدم نيته. ولا يخفى ما في
ذلك من الاحتياط. وقوله: ولو من طهر إلخ أي ولو كان الاستعمال للماء حصل من طهر
حنفي، إلخ. وقوله: أو صبي إلخ أي ولو كان من طهر صبي غير مميز، طهره وليه لاجل أن
يطوف به. (قوله: ولو معفوا عنه) أي كقليل دم أجنبي غير مغلظ، أو كثير من نحو
براغيث وغير ذلك. (قوله: فعلم) أي من تقييد المستعمل بكونه قليلا. وقوله: أي وبعد
فصله عن المحل وذلك لان الماء ما دام مترددا على العضو لا يثبت له حكم الاستعمال.
واعلم أن شروط الاستعمال أربعة، تعلم من كلامه: قلة الماء واستعماله فيما لا بد
منه، وأن ينفصل عن العضو، وعدم نية الاغتراف في محلها وهو في الغسل بعد نيته، وعند
مماسة الماء لشئ من بدنه. فلو نوى الغسل من الجنابة ثم وضع كفه في ماء قليل ولم
ينو الاغتراف صار مستعملا. وفي الوضوء بعد غسل الوجه وعند إرادة غسل اليدين، فلو
لم ينو الاغتراف حينئذ صار الماء مستعملا. وفي ع ش ما نصه: (فائدة) لو اغترف بإناء
في يده فاتصلت يده بالماء الذي اغترف منه، فإن قصد الاغتراف أو ما في معناه، كمل ء
هذا الاناء من الماء، فلا استعمال. وإن لم يقصد شيئا مطلقا فهل يندفع الاستعمال ؟
لان الاناء قرينة على الاغتراف دون رفع الحدث، كما لو أدخل يده بعد غسلة الوجه
الاولى من اعتماد التثليث، حيث لا يصير الماء مستعملا لقرينة اعتياد التثليث، أو
يصير مستعملا. ويفرق بأن العادة توجب عدم دخول وقت غسل اليد بخلافه هناك، فإن اليد
دخلت في وقت غسلها. فيه نظر ويتجه الثاني. اه. (قوله: كأن جاوز) مثال للمنفصل
حكما وقوله: منكب المتوضئ أي أو جاوز صدر الجنب، كأن تقاذف الماء من رأسه إلى
ساقه. (قوله: مما يغلب فيه التقاذف) بيان لنحو الصدر، أي من كل عضو يصل إليه الماء
[ 39 ]
المتقاذف،
أي المتطاير، غالبا. (قوله: لو أدخل المتوضئ) أي أو الجنب، بدليل قوله: بعد نية
الجنب. ولو قال المتطهر لكان أولى، لشموله الجنب. (قوله: بعد نية الجنب) متعلق
بأدخل. (قوله: أو تثليث إلخ) معطوف على نية الجنب، أي أو أدخل يده بعد تثليث إلخ.
وقوله: أو بعد الغسلة الاولى معطوف على بعد نية الجنب، والاولى حذف بعد، فيكون
معطوفا على تثليث. وقوله: إن قصد الاقتصار عليها أي الاولى قيد في الاخير. وقوله:
بلا نية اغتراف متعلق بأدخل أيضا، أي بأن أدخلها بقصد غسلها في الاناء وأطلق. أما
إذا نوى الاغتراف، أي قصد إخراج الماء من الاناء ليرفع به الحدث خارجه، فلا يصير
الماء مستعملا. ونية الاغتراف محلها قبل مماسة الماء فلا يعتد بها بعدها. (قوله:
ولا قصد) عطف على بلا نية اغتراف. (وقوله: لغرض آخر أي غير التطهر به خارج الاناء،
بأن قصد بأخذ الماء شربه أو غسل إناء به مثلا. وفي سم ما نصه (قوله: لغرض آخر أي
كالشرب، بل قد يقال قصد أخذ الماء لغرض آخر من إفراد نية الاغتراف، لان المراد بها
أن يقصد بإدخال يده إخراج الماء أعم من أن يكون لغرض غير التطهر به خارج الاناء
أولا، فليتأمل. (قوله: صار مستعملا) جواب له، وإنما صار الماء مستعملا بذلك
لانتقال المنع إليه وقوله: بالنسبة لغير يده أي من بقية أعضاء الوضوء بالنسبة
للمحدث، أو بقية البدن بالنسبة للجنب. وقوله فله أن يغسل إلخ مرتب على محذوف، أي
أما بالنسبة ليده فلا يصير مستعملا، فله أن يغسل إلخ. يعني: له إن لم يتم غسلها أن
يغسل بقيتها بما في كفه، لان الماء ما دام مترددا على العضو له حكم التطهير.
وقوله: باقي ساعدها في الروض ما نصه: فلو غسل بما في كفه باقي يده لا غيرها أجزأه.
اه. (قوله: وغير متغير إلخ) معطوف على غير مستعمل. وقوله: بحيث يمنع إلخ تصوير
لكون التغير كثيرا. وقوله: بأن تغير أحد صفاته تصوير ثان له أيضا، أو تصوير لمنع
إطلاق اسم الماء عليه. (قوله: ولو تقديريا) أي ولو كان التغير حاصلا بالفرض
والتقدير لا بالحس، وهو ما يدرك بإحدى الحواس التي هي الشم والذوق والبصر، وذلك
بأن يقع في الماء ما يوافقه في جميع صفاته، كماء مستعمل، أو في بعضها كماء ورد
منقطع الرائحة وله لون وطعم أو أحدهما ولم يتغير الماء به، فيقدر حينئذ مخالفا
وسطا، الطعم طعم الرمان واللون لون العصير والريح ريح اللاذن - بفتح الذال المعجمة
- فإذا كان الواقع في الماء قدر رطل مثلا من ماء الورد الذي لا ريح له ولا طعم ولا
لون، نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من ماء الرمان هل يغير طعمه أم لا ؟ فإن
قالوا: يغيره. انتفت الطهورية. وإن قالوا لا يغيره. نقول: لو كان الواقع فيه قدر
رطل من اللاذن هل يغير ريحه أو لا ؟ فإن قالوا: يغيره. انتفت الطهورية. وإن قالوا:
لا يغيره. نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من عصير العنب هل يغير لونه أو لا ؟
فإن قالوا: يغيره. سلبناه الطهورية. وإن قالوا: لا يغيره، فهو باق على طهوريته.
وهذا إذا فقدت الصفات كلها، فإن فقد بعضها ووجد بعضها قدر المفقود، لان الموجود
إذا لم يغير فلا معنى لفرضه.
[ 40 ]
واعلم أن
التقدير المذكور مندوب لا واجب، فلو هجم شخص واستعمل الماء أ جزأه ذلك. (قوله: أو
كان التغير بما على عضو المتطهر) أي بأن كان عليه نحو سدر أو زعفران فتغير الماء
به فإنه يضر. وخرج بقوله: بما على عضو. ما إذا أريد تطهير السدر أو نحوه، وتغير
الماء قبل وصوله إلى جيمع أجزائه فإنه لا يضر لكونه ضروريا في تطهيره. اه ع ش
بالمعنى. (قوله: وإنما يؤثر التغير) أي في طهورية الماء بحيث لا يصح التطهير به،
وإن كان طاهرا في نفسه. (قوله: إن كان بخليط) سيأتي محترزه. (قوله: وهو) أي
الخليط. (قوله: ما لا يتميز في رأي العين) أي الشئ الذي لا يرى متميزا عن الماء.
وقيل: هو الذي لا يمكن فصله. (قوله: وقد غني) بكسر النون، ومضارعه يغنى بفتحها،
بمعنى استغنى. (قوله: كزعفران إلخ) تمثيل للخليط الطاهر المستغنى عنه. (قوله: وثمر
شجر إلخ) أي وكثمر شجر. ويضر سقوطه في الماء مطلقا، سواء كان بنفسه أو بفعل
الفاعل، بدليل تقييده الورق بالطرح، أي بفعل الفاعل. وكما في النهاية، ونصها: ويضر
التغير بالثمار الساقطة بسبب ما انحل منها، سواء أوقع بنفسه أم بإيقاع، كان على
صورة الورق كالورد أم لا. اه. (قوله: وورق طرح) خرج به ما إذا لم يطرح بل تناثر
بنفسه فلا يضر وإن تفتت كما سيذكره. وقوله: ثم تفتت خرج به ما إذا لم يتفتت فلا
يضر لانه مجاور. والترتيب المستفاد من ثم ليس بقيد بل مثله بالاولى ما إذا تفتت ثم
طرح. (قوله: لا تراب) أي لا إن كان التغير بتراب، فإنه لا يضر لموافقته للماء في
الطهورية، ولان تغيره به مجرد كدورة. وقوله: وملح ماء أ ولا إن كان التغير بملح
ناشئ من الماء، فإنه لا يضر أيضا لكونه منعقدا من الماء، فسومح فيه، بخلاف الجبلي
فإنه يضر لكونه غير منعقد من الماء، فهو مستغنى عنه. (قوله: وإن طرحا فيه) أي وإن
طرح التراب وملح الماء في الماء فإنه لا يضر. والغاية للرد بالنسبة للتراب
وللتعميم بالنسبة للملح. (قوله: ولا يضر تغير إلخ) محترز قوله كثيرا. وقوله: لقلته
أي التغير. وقوله: ولو ا حتمالا أي ولو كانت قلة التغير احتمالا لا يقينا فإنه لا
يضر، لانا لا نسلب الطهورية بالمحتمل، أي المشكوك فيه. قال في شرح الروض: نعم، لو
تغير كثيرا ثم زال بعضه بنفسه أو بماء مطلق، ثم شك في أن التغير الآن يسير أو كثير
لم يطهر، عملا بالاصل. قاله الاذرعي. اه. (قوله: المجاور وهو ما يتميز للناظر)
وقيل إنه ما يمكن فصله. وقيل فيه وفي المخالط: المتبع العرف. وقوله: ولو مطيبين
بفتح الياء المشددة، أي حصل الطيب لهما بغيرهما. وقيل: بكسر الياء، أي مطيبين
لغيرهما. (قوله: ومنه) أي المجاور البخور. وفي النهاية: ويظهر في الماء المبخر -
الذي غير البخور طعمه أو لونه أو ريحه - عدم سلبه الطهورية، لانا لم نتحقق انحلال
الاجزاء والمخالطة، وإن بناه بعضهم على الوجهين في دخان النجاسة. اه. أي فإن قلنل
دخان النجاسة ينجس الماء، قلنا هنا: يسلب الطهورية. وإن قلنا بعدم التنجيس، ثم
قلنا بعدم سلبها هنا. لكن المعتمد عدم سلب الطهورية هنا مطلقا. والفرق أن الدخان
أجزاء تفصلها النار، وقد اتصلت بالماء فتنجسه ولو مجاورة، إذ لا فرق في تأثير
ملاقاة النجس بين المجاور والمخالط. بخلاف البخور فإنه طاهر وهو لا يسلب الطهورية
إلا إن كان مخالطا، ولم تتحقق المخالطة. اه ع ش. (قوله: ومنه إلخ) أي ومن المجاور
أيضا ماء أغلى فيه نحو بر وتمر فإنه لا يضر بالقيد الذي
[ 41 ]
ذكره.
وفي سم ما نصه: قال الشارح في شرح العباب: والحب كالبر والثمر، إن غير وهو بحاله
فمجاور، وإن انحل منه شئ فمخالط، فإن طبخ وغير ولم ينحل منه شئ فوجهان. ثم قال:
وأوجه الوجهين أنه لا أثر لمجرد الطبخ، بل لا بد من تيقن انحلال شئ منه بحيث يحدث
له بسبب ذلك اسم آخر، لانه حينئذ مجاور، التغير به لا يضر، وإن حدث بسببه اسم آخر.
فالحاصل أن ما أغلي من نحو الحبوب والثمار وما لم يغل، إن تيقن انحلال شئ منه
فمخالط، وإلا فمجاورر. وإن حدث له بذلك اسم آخر، ما لم ينسلب عنه اطلاقه اسم الماء
بالكلية. اه. (قوله: وبقولي غني عنه) أي وخرج بقولي إلخ، فهو معطوف على بقولي
الاول. (قوله: كما في مقره) أي موضع قراره، أي الماء، ومنه كما هو ظاهر القرب التي
يدهن باطنها بالقطران - وهي جديدة - لاصلاح ما يوضع فيها بعد من الماء، وإن كان من
القطران المخالط. وقوله: وممره أي موضع مروره، أي الماء. وفي النهاية ما نصه:
وظاهر كلامهم أن المراد بما في المقر والممر ما كان خلقيا في الارض، أو مصنوعا فيها
بحيث صار يشبه الخلقي، بخلاف الموضع فيها لا بتلك الحيثية، فإن الماء يستغنى عنه.
اه. (قوله: من نحو طين) بيان لما، واندرج تحت نحو النورة والزرنيخ ونحوهما.
(قوله: وطحلب) بضم أوله مع ضم ثالثه أو فتحه، شئ أخضر يعلو الماء من طول المكث،
ولا يشترط أن يكون بمقر الماء أو ممره، وإن أوهمته عبارة الشارح. وقوله: مفتت أي
ما لم يطرح، فإن طرح وصار مخالطا ضر. (قوله: وكالتغير بطول المكث) معطوف على كما
في مقره، أي فهو لا يضر لعدم الاستغناء عنه. وعبارته صريحة في أنه من المخالط، لكن
الذي لا غنى عنه مع أنه لا من المخالط ولا من المجاور. ولو أخرجه بمخالط لكان له
وجه، وذلك لان غير المخالط صادق بالمجاور وبالذي ليس بمجاور ولا مخالط. (قوله: أو
بأوراق) معطوف على بطول المكث. وقوله: متناثرة بنفسها أي لا بفعل الفاعل. وهو
مفهوم قوله سابقا: طرح. (قوله: أو بنجس) معطوف على بخليط، لكن بقطع النظر عن تقييد
التغير فيه بالكثرة. أي وغير متغير بنجس مطلقا، قليلا كان التغير أو كثيرا. (قوله:
في صورتي إلخ) قصده بيان أن الغاية راجعة للصورتين، صورة التغير بالطاهر وصورة
التغير بالنجس. أي لا فرق في التغير بالطاهر بين أن يكون الماء قليلا أو كثيرا، أو
بالنجس كذلك، إلا أنه يشترط في التغير بالاول أن يكون التغير كثيرا كما علمت.
(قوله: والقلتان) هما في الاصل الجرتان العظيمتان، فالقلة الجرة العظيمة، سميت
بذلك لان الرجل العظيم يقلها أي يرفعها. وهي تسع قربتين ونصفا من قرب الحجاز،
والقربة منها لا تزيد على مائة رطل بغدادي. وفي عرف الفقهاء: اسم للماء المعلوم.
(قوله: خمسمائة رطل بغدادي) الرطل البغدادي عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما
وأربعة أسباع درهم، وعند الرافعي مائة وثلاثون درهما، وهو خلاف المعتمد. وقوله:
تقريبا أي لا تحديدا. فلا يضر نقص رطل أو رطلين - على الاشهر في الروضة -. (قوله:
وبالمساحة) أي والقلتان بالمساحة. وهي بكسر الميم الذرع. وقوله: في المربع ذراع
إلخ بيان ذلك أن كلا من الطول والعرض والعمق يبسط من جنس الكسر، وهو الربع. فجملة
كل واحد خمسة أرباع، ويعبر عنها بأذرع
[ 42 ]
قصيرة،
وتضرب خمسة الطول في خمسة العرض يكون الحاصل خمسة وعشرين، تضرب في خمسة العمق يكون
الحاصل مائة وخمسة وعشرين، وكل ربع يسع أربعة أرطال فتضرب في المائة والخمسة
والعشرين تبلغ خمسمائة رطل. (قوله: وفي المدور ذراع من سائر الجوانب إلخ) بيان ذلك
فيه أن العمق ذراعان بذراع النجار، وهو ذراع وربع بذراع الآدمي، فهما به ذراعان
ونصف، وأن العرض ذراع، وإذا كان العرض كذلك، يكون المحيط ثلاثة أذرع وسبعا، لان
محيط كل دائرة ثلاثة أمثال عرضها وسبع مثله. وتبسط كلا من العمق والعرض أرباعا،
فيكون العمق عشرة أذرع والعرض أربعة، وإذا كان العرض أربعة كان المحيط اثنى عشر
وأربعة أسباع، فتضرب نصف العرض في نصف المحيط يكون الخارج اثنى عشرى وأربعة أسباع،
ثم تضرب ما ذكر في عشرة العمق يكون الخارج مائة وخمسة وعشرين وخمسة أسباع. لان
حاصل ضرب اثنتي عشرة في عشرة بمائة وعشرين، وحاصل ضرب أربعة أسباع في عشرة أربعون
سبعا خمسة وثلاثون بخمسة صحيحة - ولا تضر زيادة الاسباع - وكل ربع يسع أربعة
أرطال، فتضرب في المائة والخمسة والعشرين يبلغ خمسمائة رطل. (قوله: ولا تنجس قلتا
ماء) للخبر الصحيح: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أي لم يقبله. كما صرحت به ر
واية: لم ينجس. وهي صحيحة أيضا. (قوله: ولو احتمالا) أي ولو كانت القلتان احتمالا
لا يقينا، فلا تنجس لان الاصل الطهارة. وقوله: كأن شك إلخ تمثيل له. (قوله: إن
تيقنت قلته) غاية للغاية. وقوله قبل أي قبل الشك بأن كان قليلا يقينا ثم زيد عليه،
واحتمل بلوغه وعدمه. (قوله: بملاقاة نجس) متعلق بتنجس. (قوله: ما لم يتغير) أي
الماء الذي بلغ قلتين. وقوله: به أي بالنجس. فإن تغير به تنجس، ولا فرق في التغير
بين أن يكون حسيا أو تقديريا، بأن وقع في الماء نجس يوافقه في صفاته - كالبول
المنقطع الرائحة واللون والطعم - فيقدر مخالفا أشد، الطعم طعم الخل واللون لون
الحبر والريح ريح المسك. فلو كان الواقع قدر رطل من البول المذكور مثلا، نقدر
ونقول: لو كان الواقع قدر رطل من الخل هل يغير طعم الماء أو لا ؟ فإن قالوا:
يغيره. حكمنا بنجاسته. وإن قالوا: لا يغيره. نقول: لو كان الواقع قدر رطل من الحبر
هل يغير لون الماء أو لا ؟ فإن قالوا: يغيره. حكمنا بنجاسته. وإن قالوا: لا يغيره.
نقول: لو كان الواقع قدر رطل من المسك هل يغير ريحه أو لا ؟ فإن قالوا: يغيره.
حكمنا بنجاسته. وإن قالوا: لا يغيره. حكمنا بطهارته. وهذا إذا كان الواقع فقدت فيه
الاوصاف الثلاثة، فإن فقدت صفة واحدة فرض المخالف المناسب لها فقط، كما تقدم في
الطاهر. (قوله: وإن استهلكت النجاسة فيه) يحتمل ارتباط هذه الغاية بقوله: ولا تنجس
قلتا ماء بملاقاة نجس إن لم يتغير به، سواء كان النجس الواقع في الماء متميزا عنه،
بحيث يرى بأن كان جامدا، أو استهلك فيه بأن كان مائعا، أو امتزج بالماء بحيث صار
لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح. ويحتمل ارتباطه بمفهوم قوله: ما لم يتغير، أي فإن
تغير به تنجس، سواء استهلكت النجاسة فيه أم لا، والاول أقرب. (قوله: ولا يجب
التباعد من نجس في ماء كثير) يعني ولا يجب التباعد من النجس الكائن في ماء كثير
حال الاغتراف منه، بل له أن يغترف من حيث شاء، حتى من أقرب موضع إلى النجاسة، كما
صرح بذلك في النهاية. قال في الروض: فإن غرف دلوا من ماء قلتين فقط، وفيه نجاسة
جامدة لم يغرفها مع الماء، فباطن الدلو طاهر لانفصال ما فيه عن الباقي قبل أن ينقص
عن قلتين، لا ظاهر لتنجسه بالباقي المتنجس بالنجاسة لقلته. فإن غرفها مع الماء بأن
دخلت معه أو قبله في الدلو انعكس الحكم. اه. (قوله: ولو بال في البحر مثلا) أي أو
في ماء كثير. (قوله: فارتفعت منه) أي من البحر بسبب البول. وقوله: رغوة هي الزبد
الذي يرتفع على وجه الماء. (قوله: فهي) أي الرغوة، نجسة. وقوله: إن تحقق أنها أي
الرغوة، من عين النجاسة، أي البول. كأن كانت برائحة البول أو طعمه أو لونه. وقوله:
أو من المتغير إلخ أي أو تحقق أنها من الماء المتغير أحد أوصافه بذلك البول.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتحقق أنها من ذلك فلا يحكم عليها بالنجاسة. (قوله:
ولو طرحت فيه) أي في البحر مثلا. وقوله: بعرة
[ 43 ]
أي
ونحوها من كل نجاسة جامدة. (قوله: فوقعت إلخ) في الكلام حذف، أي فارتفعت من أجل
قوة الطرح قطرة منه فوقعت على شئ. وقوله لم تنجسه جواب لو. أي لم تنجس تلك القطرة
الشئ الذي وقعت عليه لطهارتها. (قوله: وينجس قليل الماء إلخ) أي لمفهوم الحديث
المتقدم، إذ مفهومه أن ما دونهما يحمل الخبث، أي يتأثر به. وقوله: حيث لم يكن
واردا أي حيث لم يكن الماء واردا على النجس، فإن كان واردا ففيه تفصيل يأتي.
وحاصله: أنه إذا ورد الماء على المحل النجس ولم ينفصل عنه فهو طاهر مطهر. فإن
انفصل عنه، ولم يتغير ولم يزد وزنه بعد اعتبار ما يأخذه المحل، وطهر المحل، فهو
طاهر غير مطهر. فإن فقد واحد من هذه القيود فهو نجس. (قوله: بوصول نجس إليه) أي
إلى الماء القليل، وهو متعلق بينجس، وخرج به ما إذا كان بقرب الماء جيفة مثلا
وتغير الماء بها فإنه لا يؤثر. وقوله: يرى بالبصر المعتدل خرج به غير المرئي به،
فإنه لا يؤثر. وإن كان بمواضع متفرقة، وكان بحيث لو جمع لرؤي، وكان المجموع قليلا
ولو من مغلظ وبفعله عند م ر. وقوله: غير معفو عنه في الماء خرج به المعفو عنه فيه.
وهو ما أشار إليه بقوله: لا بوصول ميتة. وقوله: ولو معفوا عنه في الصلاة أي ولو
كان النجس الذي لا يعفى عنه في الماء معفوا عنه في الصلاة فإنه يضر، وذلك كقليل دم
أجنبي غير مغلظ، أو كثير من نحو براغيث. فإن ما ذكر يعفى عنه إذا كان في نحو ثوب
المصلي، ولا يعفى عنه في الماء. (قوله: كغيره) أي كغير الماء وهو مرتبط بقوله: وينجس
إلخ. أي وينجس قليل الماء بما ذكر، كما أن غيره من المائعات ينجس به أيضا إلا أنه
لا يتقيد بالقلة. وقوله: من رطب ومائع بيان للغير ثم إن كان المراد بالرطب الجامد
كان عطف ما بعده عليه للمغايرة. إلا أنه يشكل عليه أن الجامد إنما ينجس ظاهره
الملاقي للنجس، لا كله، كما سيأتي، وإن كان المراد به ما يعم المائع كان العطف
عليه من عطف الخاص على العام، ويشكل عليه أيضا ما ذكر. وظاهر عبارة الروض تخصيص
الرطب بالمائع، ونص عبارته مع شرحه: ودونهما - أي القلتين - قليل فينجس هو ورطب
غيره كزيت، وإن كثر بملاقاة نجاسة مؤثرة في التنجس وإن لم يتغير. ثم قال: وخرج
بالرطب الجامد الخالي عن رطوبة عند الملاقاة، وبالمؤثرة غيرها مما يأتي. اه.
وقوله: وإن كثر أي ينجس غير الماء وإن كان كثيرا. والفرق بينه حيث تنجس مطلقا
بوصول النجاسة إليه وبين الماء حيث اختص بالقلة، أن غير الماء ليس في معناه لقوة
الماء ومشقة حفظه من النجس، بخلاف غيره. (قوله: لا بوصول ميتة إلخ) أي لا ينجس
قليل الماء وغيره من المائعات بوصول ما ذكر للعفو عنه في الماء. وقوله: لا دم
لجنسها سائل تعبيره بذلك أولى من تعبير غيره بقوله لا دم لها سائل، إذ العبرة
بجنسها لا بها. فلو فرض أن لها دما يسيل وجنسها ليس له ذلك ألحقت به، ولا يضر
وقوعها فيه. أو فرض أنها ليس لها دم يسيل وجنسها له ذلك ألحقت به وضر وقوعها.
(فائدة) خبر لا في هذا التركيب محذوف تقديره موجود، وسائل صفة ويجوز فيه الرفع على
أنه صفة لاسم لا مراعاة له قبل دخولها لانه كان مرفوعا بالابتداء، والنصب على أنه
صفة له باعتبار محله، إذ محله نصب بلا، ولا يجوز بناؤه على الفتح لوجود الفاصل
بينهما. كما قال ابن مالك: وغير ما يلي وغير المفردلا تبن وانصبه أو الرفع اقصد
وقوله: عند شق عضو منها متعلق بسائل، أي: سائل عند شق عضو منها في حياتها أو عند
قتلها. ويحرم الشق المذكور أو القتل بالقصد للتعذيب، واختلف فيما شك في سيل دمه
وعدمه، فهل يجوز شق عضو منه أو لا ؟ قال بالاول الرملي تبعا للغزالي، لانه لحاجة.
وقال بالثاني ابن حجر تبعا لامام الحرمين، لما فيه من التعذيب، وله حكم ما لا يسيل
دمه - فيما يظهر من كلامهم - عملا بكون الاصل في الماء الطهارة فلا ننجسه الشك،
ويحتمل عدم العفو، لان العفو رخصة فلا يصار إليها إلا
[ 44 ]
بيقين.
(قوله: كعقرب ووزغ) تمثيل للميتة التي ليس لجنسها دم سائل. (قوله: إلا إن تغير)
استثناء من عدم التنجس بوصول الميتة وقوله: فيحنئذ ينجس أي فحين إذ تغير بها ينجس.
والفاء واقعة في جواب الشرط. (قوله: لا سرطان وضفدع) عطف على كقعرب ووزع. وقوله:
فينجس بهما أي بالسرطان والضفدع، لان لجنسهما دما سائلا. (قوله: خلافا لجمع) أي
قالوا بعدم التنجس بهما. (قوله: ولا بميتة) عطف على لا بوصول ميتة، أي ولا ينجس
أيضا بوصول ميتة، إلخ. وقوله: كالعلق بفتحتين، دود الماء. (قوله: ولو طرح فيه ميتة
من ذلك) ظاهره عود اسم الاشارة على المذكور من الميتة التي لا دم لجنسها سائل
والتي نشؤها من الماء، وهو ما جرى عليه جمع. وجرى الشيخان على أن ما كان نشؤه من
الماء لا يضر طرحه مطلقا. وظاهر كلام ابن حجر تأييده. ونص عبارة التحفة: ولا أثر
لطرح الحي مطلقا أو الميتة التي نشؤها منه. كما هو ظاهر كلامهما. وفرض كلامهما في
حي طرح فيما نشؤه منه ثم مات فيه بدليل كلام التهذيب ممنوع. اه. وظاهر كلام
الرملي يؤيد الاول ونص عبارته، وحاصل المعتمد في ذلك كما اقتضاه كلام البهجة
منطوقا ومفهوما، واعتمده الوالد رحمه الله وأفتى به، أنها إن طرحت حية لم يضر،
سواء كان نشؤها منه أم لا، وسواء أماتت فيه بعد ذلك أم لا، إن لم تغيره. وإن طرحت
ميتة ضر، سواء كان نشؤها منه أم لا. وأن وقوعها بنفسها لا يضر مطلقا، أي حية أو
ميتة، فيعفى عنه كما يعفى عما يقع بالريح، وإن كان ميتا ولم يكن نشؤه منه، إن لم
يغير، وليس الصبي - ولو غير مميز - والبهيمة كالريح لان لهما اختيارا في الجملة.
اه. وكتب ع ش ما نصه: قوله: والبهيمة كالريح قال ابن حجر: وإن كان الطارح غير
مكلف لكن من جنسه، وهي تخرج البهيمة لانها ليست من جنس الصبي. وقال سم على المنهج:
وفي إلحاق البهيمة بالآدمي تأمل. (قوله: ولا أثر لطرح الحي مطلقا) أي سواء كان
نشؤه منه أم لا. (قوله: واختار كثيرون إلخ) مرتبط بقوله وينجس قليل الماء إلخ.
(قوله: لا ينجس مطلقا) أي قليلا كان أو كثيرا. قال ابن حجر: وكأنهم نظروا للتسهيل
على الناس، وإلا فالدليل ظاهر في التفصيل. (قوله: والجاري كراكد) أي في جميع ما مر
من التفرقة بين القليل والكثير، وأن الاول يتنجس بمجرد الملاقاة. لكن العبرة في
الجاري بالجرية نفسها لا مجموع الماء. فإذا كانت الجرية - وهي الدفعة التي بين
حافتي النهر - في العرض دون قلتين تنجست بمجرد الملاقاة، ويكون محل تلك الجرية من
النهر نجسا ويطهر بالجرية بعدها، وتكون في حكم غسالة النجاسة. هذا في نجاسة تجري
بجري الماء، فإن كانت جامدة واقفة فذلك المحل نجس وكل جرية تمر بها نجسة إلى أن
يجتمع قلتان في حوض. وبه يلغز فيقال: ماء ألف قلة غير متغير وهو نجس، أي لانه ما
دام لم يجتمع فهو نجس، وإن طال محل جري الماء. والفرض أن كل جرية أقل من قلتين.
(قوله: لا ينجس قليله) أي الجاري لقوته بوروده على النجاسة، فأشبه الماء الذي
نطهرها به. وعليه فمقتضاه أن يكون طاهرا لا طهورا. اه نهاية. (قوله: وهو مذهب
مالك) أي ما في القديم من جملة ما ذهب إليه الامام مالك. (قوله: قال في المجموع
إلخ) هذا مرتبط بقوله فيما تقدم وينجس قليل الماء بوصول نجس، فهو تعميم في النجس،
أي سواء كان جامدا أو مائعا. (قوله: والماء القليل إذا تنجس) أي بوقوع نجاسة فيه
وقوله: يطهر ببلوغه قلتين أي بانضمام ماء إليه لا بانضمام مائع فلا يطهر، ولو
استهلك فيه وقوله: ولو بماء متنجس أي ولو كابلوغه ما ذكر بانضمام ماء متنجس إليه،
أي أو بماء مستعمل أو متغير أو بثلج أو برد أذيب. قال في التحفة: ومن بلوغهما به ما
لو كان النجس أو الطهور بحفرة أو حوض آخر وفتح بينهما حاجز واتسع بحيث يتحرك ما في
كل بتحرك الآخر تحركا عنيفا، وإن لم تزل كدورة أحدهما ومضى زمن يزول فيه تغير لو
كان. وقوله: حيث لا تغير به أي يطهر بما ذكر، حيث لم يوجد فيه تغير لا حسا ولا
تقديرا، فإن وجد فيه ذلك لم يطهر. (قوله: والكثير يطهر بزوال تغيره) أي الحسي
والتقديري. وقوله: بنفسه
[ 45 ]
أي لا
بانضمام شئ إليه، كأن زال بطول المكث. وقوله: أو بماء زيد عليه أي أو زال تغيره
بانضمام ماء إليه. أي ولو كان متنجسا أو مستعملا أو غير ذلك، لا إن زال بغير ذلك
كمسك وخل وتراب فلا يطهر للشك في أن التغير استتر أو زال، بل الظاهر أنه استتر.
وقوله: أو نقص عنه أي أو زال التغير أو بماء نقص عنه. وقوله: وكان الباقي كثيرا
قيد في الاخيرة. أي وكان الباقي بعد نقص شئ منه كثيرا، أي يبلغ قلتين. (تتمة) لم
يتعرض المؤلف للاجتهاد مع أنه وسيلة للماء، ولنتعرض له تكميلا للفائدة، فنقول:
اعلم أنهم ذكروا للاجتهاد شروطا، أحدها: بقاء المشتبهين إلى تمام الاجتهاد. فلو
انصب أحدهما أو تلف امتنع الاجتهاد، ويتيمم ويصلي بلا إعادة. ثانيها: أن يتأيد
الاجتهاد بأصل الحل، فلا يجتهد في ماء اشتبه ببول وإن كان يتوقع ظهور العلامة، إذ
لا أصل للبول في حل المطلوب، وهو التطهير هنا. ثالثها: أن يكون للعلامة فيه مجال،
أي مدخل، كالاواني والثياب، فلا يجتهد فيما إذا اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات
للنكاح لانه يحتاط له. رابعها: الحصر في المشتبه به، فلو اشتبه إناء نجس بأوان غير
محصورة فلا اجتهاد بل يأخذ منها ما شاء إلى أن يبقى عدد محصور - عند ابن حجر -
وزاد بعضهم: سعة الوقت. فلو ضاق الوقت عن الاجتهاد تيمم وصلى، والاوجه خلافه.
واشترط بعضهم أيضا أن يكون الانآن لواحد، فإن كانا لاثنين، لكل واحد، توضأ كل
بإنائه، والاوجه - كما في الاحياء - خلافه عملا بإطلاقهم إذا علمت ذلك. فلو اشتبه
ماء طاهر أو تراب كذلك بماء متنجس أو تراب كذلك، أو اشتبه ماء طهور أو تراب كذلك
بماء مستعمل أو بمتنجس أو تراب كذلك، اجتهد في المشتبهين جوازا إن قدر على طاهر
بيقين، ووجوبا إن لم يقدر على ذلك، واستعمل ما ظنه بالاجتهاد طاهرا أو طهورا، ويسن
له قبل الاستعمال أن يريق المظنون نجاسته لئلا يغلط فيستعمله أو يتغير اجتهاده
فيشتبه عليه الامر، فإن تركه بلا إراقة وتغير ظنه باجتهاده ثانيا لم يعمل بالثاني
من الاجتهادين لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه ماء الاول بماء
الثاني ويصلي بنجاسة إن لم يغسله. ولا يعمل بالاجتهاد الاول أيضا عند م ر، فلا
يصلي بالوضوء الحاصل منه. واعتمد ابن حجر خلافه. أو اشتبه ماء وبول أو ماء وماء
ورد فلا يجتهد، بل في الاول يريقهما أو أحدهما، أو يخلط أحدهما أو شيئا منه على
الآخر ثم يتيمم ولا إعادة عليه. فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، لان شرط صحته أن
لا يتيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة، ويتوضأ بكل مرة في الثاني. ومثل الاجتهاد في
الماء والتراب الاجتهاد في الثياب والاطعمة والحيوانات، فلو اشتبه عليه ثوب نجس
بثوب طاهر، أو طعام نجس بطعام طاهر، أو اشتبه عليه شاته بشاة غيره، اجتهد في ذلك،
فما أداه اجتهاده إلى أنه طاهر أو ملكه، عمل به، وما لا فلا. (قوله: وثانيها) أي
وثاني شروط الوضوء. (قوله: على عضو مغسول) أي كالوجه واليدين والرجلين، وخرج به
الممسوح كالرأس فلا يشترط فيه الجري. (قوله: فلا يكفي أن يمسه الماء) قال في
العباب: ومن ثم لم يجز الغسل بالثلج والبرد إلا إن ذابا وجريا على العضو. (قوله:
لانه لا يسمى غسلا) أي لان المس المذكور لا يسمى غسلا، مع أن المأمور به في الآية
الشريفة الغسل. قال في النهاية: ولا يمنع من عد هذا شرطا كونه معلوما من مفهوم
الغسل لانه قد يراد به - أي الغسل - ما يعم النضح. اه. (قوله: وثالثها) أي ثالث
شروط الوضوء. (قوله: تغيرا ضارا) بأن يكون كثيرا بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه
كما تقدم. (قوله: كزعفران وصندل) تمثيل للمغير الذي على العضو. (قوله: خلافا لجمع)
أي قالوا: يغتفر ما على العضو. (قوله: ورابعها) أي رابع شروط الوضوء. (قوله: حائل)
أي جرم كثيف يمنع وصول الماء للبشرة. (قوله: بين الماء
[ 46 ]
والمغسول)
مثله الممسوح كما هو ظاهر. (قوله: كنورة إلخ) تمثيل للحائل. (قوله: بخلاف دهن جار)
أي بخلاف ما إذا كان على العضو دهن جار فإنه لا يعد حائلا فيصح الوضوء معه، وإن لم
يثبت الماء على العضو لان ثبوت الماء ليس بشرط. (قوله: وأثر حبر وحناء) أي وبخلاف
أثر حبر وحناء فإنه لا يضر. والمراد بالاثر مجرد اللون بحيث لا يتحصل بالحت مثلا
منه شئ. (قوله: أن لا يكون وسخ تحت ظفر) أي من أظفار اليدين أو الرجلين. قال
الزيادي: وهذه المسألة مما تعم بها البلوى، فقل من يسلم من وسخ تحت أظفار يديه أو
رجليه، فليتفطن لذلك. (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم اشتراط ذلك. (قوله:
وأطالوا في ترجيحه) أي مستدلين بأنه (ص) كان يأمر بتقليم الاظفار ورمي ما تحتها
ولم يأمرهم بإعادة الصلاة. قال في شرح العباب: وما في الاحياء - مما نقله الزركشي
عن كثيرين، وأطال هو وغيره في ترجيحه، وأنه الصحيح المعروف من المسامحة عما تحتها
من الوسخ دون نحو العجين - ضعيف، بل غريب كما أشار إليه الاذرعي اه. (قوله: بشئ
مما تحتها) أي سواء كان من الوسخ أو من العجين. (قوله: حيث منع) أي ذلك الشئ -
وسخا أو غيره - وقوله: بمحله أي ذلك الشئ. (قوله: وأفتى البغوي في وسخ إلخ) لا
يختص هذا بما تحت الاظفار بل يعم سائر البدن وعبارة ابن حجر: وكوسخ تحت الاظفار،
خلافا للغزالي، وكغبار على البدن، بخلاف العرق المتجمد عليه لانه كالجزء منه. ومن ثم
نقض مسه. اه. (قوله: وهو العرق المتجمد) قضيته وإن لم يصر كالجزء ولم يتأذ
بإزالته - وهو ظاهر لكثرة تكرره والمشقة في إزالته - لكن في ابن عبد الحق: نعم، هن
صار الجرم المتولد من العرق جزءا من البدن لا يمكن فصله عنه فله حكمه، فلا يمنع
صحة الوضوء ولا النقض بمسه. اه ع ش. (قوله: وخامسها) أي وخامس شروط الوضوء. وبقي
من الشروط: عدم المنافي من حيض ومس ذكر، وعدم الصارف ويعبر عنه بدوام النية حكما،
والاسلام، والتمييز، ومعرفة كيفية الوضوء بأن لا يقصد بفرض معين نفلا، وغسل ما لا
يتم الواجب إلا به. وقد عد بعضهم شروط الوضوء خمسة عشر شرطا، ونظمها في قوله: أيا
طالبا مني شروط وضوئه فخذها على الترتيب، إذ أنت سامع شروط وضوء عشرة ثم خمسة فخذ
عدها والغسل للطهر جامع طهارة أعضاء نقاء وعلمه بكيفية المشروع والعلم نافع وترك
مناف في الدوام وصارف عن الرفع والاسلام قد تم سابع وتمييزه واستثن فعل وليه إذا
طاف عنه وهو بالمهد راضع ولا حال نحو الشمع والوسخ الذي حوى ظفر والرمص في العين
مانع وجري على عضو وإيصال مائه وويل لاعقاب من النار واقع وتخليل ما بين الاصابع
واجب إذا لم يصل إلا ما هو قالع وماء طهور والتراب نيابة وبعد دخول الوقت إن فات
رافع كتقطير بول ناقض واستحاضة وودي ومذي أو مني يدافع وليس يضر البول من ثقبة علت
كجرح على عضو به الدم ناقع ونيته للاغتراف محلها إذا تمت الاولى من الوجه تابع
ونية غسل بعدها فانو واغترف وإلا فالاستعمال لا شك واقع
[ 47 ]
وقد
صححوا غسلا مع البول إن جرى خلاف وضوء خذه والعلم واسع ووشم بلا كره وعظمة جابرتشق
بلا خوف ويكشط مانع (وقوله: كسلس) بكسر اللام على أنه اسم فاعل، وبفتحها على أنه
مصدر، ويقدر مضاف، أي ذي سلس. وشمل سلس البول وسلس الريح، فلو توضأ قبل دخول الوقت
لم يصح لانه طهارة ضرورة، ولا ضرورة قبل الوقت. (قوله: ويشترط له أيضا إلخ) الانسب
والاخصر أن يقول بعد قوله دخول وقت لدائم الحدث ولو ظنا، أي سواء كان دخوله يقينا
أو كان ظنا، فيما إذا اشتبه عليه الوقت أدخل أم لا، فاجتهد فأداه اجتهاده إلى
دخوله. وعبارة المنهج القويم: ودخول الوقت لدائم الحدث أو ظن دخوله. اه. وهي
ظاهرة، تأمل. (قوله: فلا يتوضأ) أي دائم الحدث. وقوله: كالمتيمم أي حال كونه
كالمتيمم، فإنه يشترط في تيممه دخول الوقت سواء كان دائم الحدث أم لا. (قوله: أو
نفل مؤقت) كالكسوفين والعيدين. (قوله: قبل وقت فعله) متعلق بيتوضأ. (قوله: ولصلاة
جنازة) أي ولا يتوضأ لصلاة جنازة قبل غسل الميت لان وقتها إنما يدخل بعده. (قوله:
وتحية قبل دخول المسجد) أي ولا يتوضأ لصلاة التحية قبل دخول المسجد. (قوله:
وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض) أي ولا يتوضأ قبل فعل الفرض لاجل الرواتب، أي
بقصد استباحة فعل الرواتب. فلو توضأ لاجل ذلك لم يصح وضوءه أصلا لان وقتها إنما
يدخل بعد فعل الفرض. واعلم أن دائم الحدث - كالمتيمم - يستباح له بوضوئه للفرض أن
يصلي الفرض وما شاء من النوافل، وإذا علم ذلك فلا ينظر لمفهوم قوله ولا يتوضأ
للرواتب قبل الفرض من أنه يتوضأ لها بعده. (قوله: أو تيممان) هو ساقط في بعض نسخ
الخط، وهو أولى، لان التيممين يلزمان دائم الحدث والسليم. تأمل. (قوله: أحدهما) أي
أحد الوضوأين أو التيممين - على ما في بعض النسخ - يكون للخطبتين لان الخطبة، وإن
كانت فرض كفاية هي قائمة مقام ركعتين فالتحقت بفرائض الاعيان (قوله: والآخر
بعدهما) أي والوضوء أو التيمم الآخر يكون بعد الخطبتين لاجل صلاة الجمعة. (قوله:
ويكفي واحد لهما لغيره) أي غير دائم الحدث، وهو السليم. وصريحه أنه يكفي وضوء واحد
أو تيمم واحد للخطبتين والجمعة لغير دائم الحدث، وليس كذلك بالنسبة للتيمم كما
علمت، فيتعين حمل قوله واحد على خصوص الوضوء، (قوله: ويجب عليه الوضوء إلخ) أي
ويجب على دائم الحدث الوضوء لكل فرض ولو منذورا، فلا يجوز أن يجمع بوضوء واحد بين
فرضين، كما أنه لا يجوز أن يجمع بتيمم واحد بينهما. وسيأتي تفصيل ما يستباح
للمتيمم من الصلوات وغيرهما بتيممه في بابه، ويقاس عليه دائم الحدث في جميع ما يأتي
فيه. (قوله: وكذا غسل الفرج إلخ) أي وكذا يجب على دائم الحدث إلخ. وحاصل ما يجب
عليه - سواء كان مستحاضة أو سلسا - أن يغسل فرجه أولا عما فيه من النجاسة، ثم
يحشوه بنحو قطنة - إلا إذا تأذى به أو كان صائما - وأن يعصبه بعد الحشو بخرقة إن
لم يكفه الحشو لكثرة الدم، ثم يتوضأ أو يتيمم، ويبادر بعده إلى الصلاة، ويفعل هكذا
لكل فرض وإن لم تزل العصابة عن محلها. وقوله: التي بفمه أي الفرج. وقوله: والعصابة
أي وإبدال العصابة، أي تجديدها. وقوله: وإن لم تزل عن موضعها أي يجب تجديدها، وإن
لم تنتقل عن موضعها، وإن لم يظهر الدم مثلا من جوانبها. (قوله: وعلى نحو سلس) أي
ويجب على نحو سلس. والمقام للاضمار، فلو قال: - كالذي قبله - وعليه مبادرة، لكان
أولى. (وقوله: بالصلاة) أطلقها للاشارة إلى أنه لا فرق بين أن تكون فرضا أو نفلا.
(قوله: فلو أخر لمصلحتها إلخ) مقابل لمحذوف تقديره فإن أخر لغير مصلحتها كأكل ضر
ذلك
[ 48 ]
واستأنف
جميع ما تقدم عند فعل الصلاة، فلو أخر إلخ. (قوله: كانتظار إلخ) أي وكإجابة المؤذن
والاجتهاد في القبلة وستر العورة. وقوله: جماعة أي مشروعة لتلك الصلاة بأن تكون
صلاتها مما يسن لها الجماعة، وإلا كالمنذورة مثلا مما لا تشرع فيه الجماعة، لا
يغتفر التأخير لاجلها. وقوله: وإن أخرت أي الجماعة أو الجمعة، عن أول وقتها، فإنه
لا يضر انتظارها. (قوله: وكذهاب إلى مسجد) معطوف على كانتظار. (قوله: لم يضره)
جواب لو. (قوله: وفروضه إلخ) لما أنهى الكلام على شروطه شرع يتكلم على فروضه.
وقوله: ستة أي فقط، في حق السليم وغيره. قال في التحفة: أربعة منها ثبتت بنص
القرآن واثنان بالسنة. (قوله: أحدها نية) هي لغة: القصد. وشرعا: قصد الشئ مقترنا
بفعله. واعلم أن الكلام عليها من سبعة أوجه، نظمها بعضهم بقوله: حقيقة، حكم محل
وزمن كيفية شرط ومقصود حسن فحقيقتها - لغة وشرعا - ما تقدم، وحكمها الوجوب، ومحلها
القلب، وزمنها أول الواجبات، وكيفيتها تختلف بحسب الابواب، وشرطها إسلام الناوي
وتمييزه وعمله بالمنوي، وعدم الاتيان بما ينافيها بأن يستصحبها حكما. والمقصود بها
تمييز العبادة عن العادة، كالجلوس مثلا للاعتكاف أو للاستراحة. (قوله: أو أداء فرض
وضوء) أي أو نية ذلك، بأن يقول: نويت أداء فرض الوضوء. (قوله: أو رفع حدث) أي أو
نية رفع حدث، بأن تقول: نويت رفع الحدث. والمراد رفع حكمه، وهو المنع من الصلاة.
وقوله: لغير دائم حدث قيد في الاخير لا غير، وخرج به دائمه فلا ينوي رفع الحدث لان
حدثه لا يرتفع. (قوله: حتى في الوضوء المجدد) يعني أنه يأتي بالامور المتقدمة -
أعني نية الوضوء أو أداء فرض الوضوء أو نية رفع الحدث - حتى في الوضوء المجدد،
قياسا على الصلاة المعادة. وخالف في بعض ذلك الرملي، وعبارته: ومحل الاكتفاء
بالامور المتقدمة في غير الوضوء المجدد. أما هو فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية
الرفع أو الاستباحة، وإن ذهب الاسنوي إلى الاكتفاء بذلك، كالصلاة المعادة. اه.
إذا علمت ذلك تعلم أن الغاية المذكورة للرد بالنسبة لبعضها، وكان الاولى تأخيرها
عن جميع ما يأتي من صيغ النية. (قوله: أو الطهارة عنه) أي أو نية الطهارة عن
الحدث. فهو معطوف على قوله وضوء. ولو قال: نويت الطهارة، من غير أن يقول عن الحدث
لم يكف، لان الطهارة لغة: مطلق النظافة. (قوله: أو الطهارة لنحو الصلاة) أي أو نية
الطهارة لنحو الصلاة. وقوله: مما إلخ بيان لنحو الصلاة. والمراد كل عبادة متوقفة
على الوضوء، كالطواف ومس المصحف وحمله. (قوله: أو استباحة مفتقر إلى وضوء) أي أو
نية استباحة ما يفتقر إلى وضوء، بأن يقول: نويت استباحة الصلاة أو الطواف أو مس
المصحف، فيأتي بإفراد هذه الكلية، ويصح أن يأتي بهذه الصيغة الكلية بأن يقول: نويت
استباحة مفتقر إلى وضوء. (قوله: ولا تكفي نية إلخ) أي لانه يستبيحه مع الحدث فلم
يتضمن قصده قصد رفع الحدث. اه نهاية. وقال ع ش: وصورة ذلك - أي عدم الاكتفاء
بالنية المذكورة - أنه ينوي استباحة ذلك، كأن يقول: نويت استباحة القراءة. أما لو
نوى الوضوء للقراءة، فقال ابن حجر: إنه - أي الوضوء، لا يبطل إلا إذا نوى التعليق
أولا،
[ 49 ]
بخلاف ما
إذا لم ينوه إلا بعد ذكره الوضوء، لصحة النية حينئذ، فلا يبطلها ما وقع بعد. اه
بتصرف. (قوله: إنما الاعمال بالنيات) أي بنياتها، (فأل) عوض عن الضمير. قال بعضهم:
وآثر ذكر الاعمال على ذكر الافعال لان الاول خاص بذوي العقول، بخلاف الثاني فإنه
عام فيهم وفي غيرهم. اه. (قوله: أي إنما صحتها) أي صحة الاعمال. والمراد بها:
المعتد بها شرعا ليخرج نحو الاكل والشرب، وخروج بعض الاعمال المذكورة عن اعتبار
النية فيه كالاذان والخطبة والعتق والوقف ونحو ذلك مما لا يتوقف على نية لدليل
آخر. وقوله: لاكمالها أي ليس المراد إنما كمال الاعمال، كما قاله الامام أبو
حنيفة، فتصح عنده الوسائل بغير نية، كالوضوء والغسل. (قوله: ويجب قرنها) دخول على
المتن. وهو غير ملائم لقوله عند أول إلخ. فلو قال: ويجب وقوعها عند أول إلخ، لكان
أنسب، تأمل. وقوله: عند أول إلخ إنما وجب قرنها به لاجل الاعتداد بفعله لا لاجل
الاعتداد بالنية، فلا ينافي ما يأتي من أنه لو أتى بها في الاثناء كفى. وإذا سقط
غسل وجهه لعلة ولا جبيرة فالاوجه - كما في التحفة - وجوب قرنها بأول مغسول من
اليد، فإن سقطتا أيضا فالراس فالرجل، ولا يكتفي بنية التيمم لاستقلاله، كما لا
تكفي نية الوضوء في محلها عن التيمم لنحو اليد كما هو ظاهر. (قوله: بأثنائه) أي
أثناء غسل الوجه. (قوله: كفى) أي أجزأ قرنها به. (قوله: ووجب إعادة غسل ما سبقها)
أي إعادة غسل الجزء الذي غسل قبل النية لعدم الاعتداد به. (قوله: ولا يكفي قرنها
بما قبله) أي بما قبل غسل الوجه من السنن، كغسل الكفين وكالمضمضة والاستنشاق. ومحل
عدم الاكتفاء بقرنها بهما إن لم ينغسل معهما جزء من الوجه، كحمرة الشفتين، وإلا
كفاه. وفاته ثواب السنة، كما سيذكره. وقوله: حيث لم يستصحبها أي النية، إلى غسل شئ
منه، أي الوجه، فإن استصحبها كفت. (قوله: وما قارنها هو أوله) أي والجزء الذي قارن
غسله النية هو أول الغسل ولو كان وسط الوجه أو أسفله. (قوله: فتفوت سنة المضمضة)
أي والاستنشاق، وهو تفريع على كون ما قارن النية هو أول الغسل. (وقوله: إن انغسل
معها) أي مع المضمضة، أي ومع الاستنشاق كما علمت، وإنما فاتت السنة بذلك لانه
يشترط في حصولها تقدمهما على غسل الوجه، ولم يوجد. واعلم أن هذا الجزء الذي انغسل
مع المضمضة أو الاستنشاق لا تجب إعادة غسله إن غسله بنية الوجه فقط، أما إذا غسله
بنية المضمضة أو الاستنشاق، أو بنيتهما مع الوجه، أو أطلق، وجبت إعادته، وهذا هو
المعتمد. وقيل: لا يعيده إلا إن قصد السنة فقط لا إن قصد الوجه فقط، أو قصده
والسنة، أو أطلق. والحاصل أن الكلام هنا في ثلاثة مقامات: الاول في الاكتفاء
بالنية. الثاني في فوات ثواب المضمضة والاستنشاق. الثالث في إعادة ذلك الجزء، وفيه
تفصيل قد علمته. (قوله: فالاولى) أي لاجل أن لا تفوت عليه سنة المضمضة والاستنشاق.
وقوله: أن يفرق النية أي أو يدخل الماء في محلهما من أنبوبة حتى لا ينغسل معهما شئ
من الوجه. (قوله: حتى لا تفوت إلخ) علة للاولوية. وقوله: من أوله أي من أول غسل
الوجه. (وقوله: وفضيلة المضمضة إلخ) أي حتى لا تفوت فضيلة المضمضة أو الاستنشاق،
لما علمت من أن شرط حصولها تقدمهما على غسل الوجه. وقوله: مع انغسال الاولى
بانغسال، بباء السببية. (قوله: وثانيهما) أي ثاني
[ 50 ]
فروض
الوضوء. وقوله: غسل ظاهر وجهه يعني انغساله ولو بفعل غيره بلا إذنه، أو بسقوطه في
نحو نهر إن كان ذاكرا للنية فيهما، كما في التحفة. وخرج بظاهر الوجه الباطن منه،
كداخل الفم والانف والعين، فلا يجب غسله، وإن وجب في النجاسة لغلظ أمرها. نعم، لو
قطع أنفه أو شفته وجب غسل ما باشرته السكين فقط، وكذا لو كشط وجهه فيجب غسل ما ظهر
بالكشط لانه صار في حكم الظاهر. (قوله: وهو) أي الوجه، أي حده. وقوله: طولا منصوب
على التمييز المحول عن المضاف، والاصل طوله. وكذا يقال في قوله عرضا لانه معطوف
على التمييز. (قوله: ما بين منابت إلخ) هي جمع منبت - بفتح الباء - كمقعد. والمراد
به ما نبت عليه الشعر بالفعل، لاجل أن يكون لقوله بعد غالبا فائدة وإلا كان ضائعا.
وبيان ذلك أنه إن أريد بالمنبت ما نبت عليه الشعر بالفعل يخرج عنه موضع الصلع،
ويدخل بقوله غالبا. وإن أريد به ما شأنه النبات عليه يدخل فيه موضع الصلع، فإن من
شأنه ذلك. وأما انحسار الشعر فيه فهو لعارض، ويكون قوله غالبا ضائعا، أي لا فائدة
فيه. وخرج بإضافة منابت إلى شعر الرأس موضع الغمم، لان الجبهة ليست منبته وإن نبت
عليها الشعر. (قوله: وتحت) بالجر، لانه من الظروف المتصرفة، معطوف على منابت.
(قوله: بفتح اللام) أي في الاشهر، عكس اللحية فإنها بكسر اللام في الافصح. (قوله:
فهو من الوجه) أي المنتهى الذي هو طرف المقبل من لحييه كائن من الوجه. (قوله: دون
ما تحته) أي المنتهى، فهو ليس من الوجه. (قوله: والشعر النابت) معطوف على ما تحته،
أي ودون الشعر النابت على ما تحته. (قوله: ما بين أذنيه) أي وتديهما، والوتد الهنية
الناشزة في مقدم الاذن، وإنما كان حد الطول والعرض ما ذكر لحصول المواجهة به.
(قوله: ويجب غسل شعر الوجه) اعلم أن شعور الوجه سبعة عشر، ثلاثة مفردة وهي:
اللحية، والعنفقة، والشارب. وأربعة عشر مثناة وهي: العذاران، والعارضان، والسبالان
- وهما طرفا الشارب -، والحاجبان، والاهداب الاربعة، وشعر الخدين. (قوله: من هدب)
بضم الهاء مع سكون الدال وضمهما وبفتحهما معا، الشعر النابت على أجفان العين.
(قوله: وحاجب) وهو الشعر النابت على أعلى العين، سمي بذلك لانه يحجب عن العين شعاع
الشمس. (قوله: وشارب) وهو الشعر النابت على الشفة العليا، سمي بذلك لملاقاته الماء
عند شرب الانسان فكأنه يشرب معه. (قوله: وعنفقة) بفتح العين، الشعر النابت على
الشفة السفلى. (قوله: وهي) أي اللحية. وقوله: ما نبت على الذقن أي الشعر النابت
على الذقن، وهو بفتح القاف أفصح من إسكانها. (قوله: وهو) أي الذقن. (وقوله: مجتمع
اللحيين) تثنية لحي بفتح اللام، وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الاسنان السفلى،
يجتمع مقدمهما في الذقن ومؤخرهما في الاذنين، فهما كقوس معوج. (قوله: وعذار)
بالذال المعجمة، وهو أول ما ينبت للامرد غالبا. (قوله: وعارض) وهو الشعر الذي بين
اللحية والعذار، سمي بذلك لتعرضه لزوال المرودة. (قوله: وهو) أي العارض. وقوله: ما
انحط عنه أي الذي نزل عن العذار. وقوله: إلى اللحية متعلق بمحذوف، أي وانتهى إلى
اللحية. (قوله: دون محل التحذيف) وضابطه كما قاله الامام: أن تضع طرف خيط على رأس
الاذن - والمراد به الجزء المحاذي لاعلى العذار - قريبا من الوتد، والطرف الثاني
على أعلى الجبهة. ويفرض هذا الخيط مستقيما مما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع
التحذيف، وسمي بذلك لان النساء والاشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه. (قوله:
ودون وتد الاذن) معطوف على دون محل التحذيف، فهو ليس من الوجه. والوتد بكسر التاء
والفتح لغة. (قوله: والنزعتين) بفتح الزاي، ويجوز إسكانها، معطوف على وتد. أي ودون
النزعتين فهما ليستا من الوجه لانهما في حد تدوير الرأس. وقوله: وهما بياضان
يكتنفان الناصية أي يحيطان بها. والناصية:
[ 51 ]
مقدم
الرأس حال كونه من أعلى الجبين. (قوله: وموضع الصلع) أي ودونه، فهو ليس من الوجه
أيضا: وقوله: وهو أي موضع الصلع. وقوله: ما بينهما أي النزعتين. وعبارة ابن حجر:
وهو ما انحسر عنه الشعر من مقدم الرأس. وقوله: إذا انحسر أي زال. (قوله: ويسن غسل
إلخ) وذلك كموضع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين. (قوله: ويجب غسل ظاهر وباطن
إلخ) وفي النهاية ما نصه: وحاصل ذلك - أي ما يجب غسله ظاهرا وباطنا، أو ظاهرا فقط
- أن شعور الوجه إن لم تخرج عن حده فإما أن تكون نادرة الكثافة - كالهدب والشارب
والعنفقة ولحية المرأة والخنثى - فيجب غسلها ظاهرا وباطنا، خفت أو كثفت. أو غير
نادرة الكثافة - وهي لحية الرجل وعارضاه - فإن خفت بأن ترى البشرة من تحتها في
مجلس التخاطب وجب غسل ظاهرها وباطنها، وإن كثفت وجب غسل ظاهرها فقط، فإن خف بعضها
وكثف بعضها فلكل حكمه إن تميز، فإن لم يتميز وجب غسل الجميع. فإن خرجت عن حد الوجه
وكانت كثيفة وجب غسل ظاهرها فقط، وإن كانت نادرة الكثافة وإن خفت، وجب غسل ظاهرها
وباطنها. ووقع لبعضهم في هذا المقام ما يخالف ما تقرر فاحذره. اه. (قوله: لا باطن
كثيف لحية وعارض) أي لا يجب غسل باطن كثيف لحية وعارض. (قوله: والكثيف ما لم تر،
إلخ) هذا عند الفقهاء، وعند غيرهم الثخين، الغليظ، مأخوذ من الكثافة، وهي الثخن
والغلظ. (واعلم) أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت عظيمة، ولا يقال كثيفة لما فيه
من البشاعة، وكان عدد شعرها مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، بعدد الانبياء، كما في
رواية. وقوله: البشرة أي التي تحت الشعر. وقوله: خلاله أي أثنائه. (قوله: ويجب غسل
ما لا يتحقق إلخ) وذلك كجزء من الرأس ومن تحت الحنك ومن الاذنين، وجزء فوق الواجب
غسله من اليدين والرجلين. (قوله: وثالثها) أي ثالث فروض الوضوء. وقوله: غسل يديه
أي انغسالهما ولو بفعل غيره كما مر. (قوله: من كفيه وذراعيه) أي به. لان حقيقة
اليد من رؤوس الاصابع إلى المنكب، فدفعه بقوله من كفيه إلخ. اه بجيرمي. (قوله:
بكل مرفق) أي مع كل مرفق، وهو مجتمع عظم الساعد والعضد. (قوله: للآية) وهي قوله
تعالى: * (وأيديكم إلى المرافق) * أي ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في صفة
وضوء رسول الله (ص) أنه توضأ فغسل وجهه وأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى شرع
في العضد، ثم اليسرى كذلك إلى آخره، ثم قال: هكذا رأيت ر سول الله (ص) يتوضأ.
(قوله: ويجب غسل جميع إلخ) ويجب أيضا إزالة ما عليه من الحائل - كالوسخ المتراكم
وغيره - كما مر في شروط الوضوء. (قوله: من شعر) ظاهرا أو باطنا. أي وإن كثف. قال
بعضهم: بل وإن طال وخرج عن الحد المعتاد. (قوله: وظفر) أي وجلدة معلقة في محل
الفرض، وأصبع زائدة، فيجب غسلهما. ولو توضأ ثم تبين أن الماء لم يصب ظفره فقلمه لم
يجزه بل عليه أن يغسل محل القلم ثم يعيد مسح رأسه وغسل رجليه مراعاة للترتيب. ولو
كان ذلك في الغسل كفاه غسل محل القلم لانه لا ترتيب فيه. وقوله: وإن طال أي الظفر،
ويحتمل أن يعود الضمير على المذكور من الشعر والظفر. (قوله: لو نسي) أي المتوضئ.
وقوله: لمعة قال في القاموس: بضم اللام، قطعة من النبت والموضع الذي لا يصيبه
الماء في الوضوء أو الغسل. اه بالمعنى. (قوله: فانغسلت) أي اللمعة. وقوله: في
ثتليث أي للغسل. أي بأن نسيها من الاولى فانغسلت في الثانية أو الثالثة. فيجزئ ذلك
لان الثلاث كطهارة واحدة، فلو انغسلت في رابعة لم يجزئ. قال في فتح الجواد: وفارق
أي انغسالها في الثانية أو الثالثة انغسالها في الرابعة بأن قصد الثانية أو
الثالثة لا ينافي نيته - أي الوضوء - لتضمنها لهما، بخلاف قصد
[ 52 ]
الرابعة
في ظنه، فهي كسجدة التلاوة فلا تحسب عن سجدة الصلاة، وهما كسجدة الركعة الثانية
تحسب عن الاولى. اه. (قوله: لنسيان له) أي أو انغسلت في وضوء معاد لنسيان للوضوء
الاول، بأن أغفلها في وضوء ثم نسي أنه توضأ فأعاده ظانا وجوبه فيجزئ غسلها فيه.
وقوله: لا تجديد واحتياط أي لا إن انغسلت في وضوء مجدد أو في وضوء احتياط، بأن
تطهر فشك هل أحدث فتوضأ أحتياطا، فلا يجزئ انغسالها فيهما، فيعيدها حيث علم الحال
لان النية في المجدد لم تتوجه لرفع الحدث أصلا بل هي صارفة عنه، ونية وضوء
الاحتياط غير جازمة مع عدم الضرورة بخلاف ما إذا لم يبين الحال فإنه يجزئه
للضرورة. اه فتح الجواد. (قوله: أجزأه) جواب لو، أي أجزأه انغسالها فيما ذكر، ولا
يجب عليه أن يجدد غسلها. (قوله: ورابعها) أي رابع فروض الوضوء. وقوله: مسح بعض
رأسه أي انمساحه، وإن لم يكن بفعله كما مر في نظيره. ولا تتعين اليد في المسح بل
يجوز بخرقة وغيرها، ولو بل يده ووضعها على بعض رأسه ولم يحركها جاز لان ذلك يسمى
مسحا، إذ لا يشترط فيه تحريك. ولو كان له رأسان، فإن كانا أصليين كفى مسح بعض
أحدهما، وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا وتميز: وجب مسح بعض الاصلي دون الزائد،
ولو سامت أو اشتبه: وجب مسح بعض كل منهما. وقوله: كالنزعة بفتح الزاي، ويجوز
إسكانها كما مر. (قوله: والبياض الذي وراء الاذن) أي لانه من حدود الرأس أي
وكالجزء الذي يجب غسله مع الوجه تبعا فإنه يكفي مسحه. (قوله: بشر) بدل من بعض
الرأس. وظاهر عدم تقييده بكونه في حد الرأس وتقييده به فيما بعد أنه يكفي المسح
على البشرة ولو خرجت عن حد الرأس، كسلعة نبتت فيه وخرجت عنه. وهو أيضا ظاهر عبارة
التحفة والنهاية. وقال ع ش: ينبغي أن يأتي تفصيل الشعر المذكور فيما لو خلق له
سلعة برأسه أو تدلت. اه. أي فلا يكفي مسح الخارج عن حده من السلعة. (قوله: أو شعر
في حده) أي الرأس، بأن لم يخرج عن حده بمده من جهة استرساله، فإن خرج عنه به منها
لم يكف المسح على النازل عن حد الرأس ولو بالقوة، كما لو كان متلبدا أو معقوصا،
ولو مد لخرج، وإنما أجزأ تقصيره في النسك مطلقا. ولو خرج عن حد الرأس لتعلق فرضه
بشعر الرأس وهو صادق بالخارج بخلاف فرض المسح فإنه يتعلق بالرأس، وهو ما ترأس
وعلا. والخارج لا يسمى رأسا. (قوله: ولو بعض شعرة واحدة) أي ولو كان الممسوح بعض
شعرة واحدة فإنه يكفي. (قوله: للآية) علة لوجوب مسح بعض الرأس، وهي قوله تعالى: *
(فامسحوا برؤوسكم) * ووجه دلالتها على الاكتفاء بمسح البعض أن الباء إذا دخلت على
متعدد - كما في الآية - تكون للتبعيض، أو على غير متعدد كما في قوله تعالى: *
(وليطوفوا بالبيت العتيق) * تكون للالصاق. وإنما وجب التعميم في التيمم - مع أن
آيته كهذه الآية - لثبوت ذلك بالسنة، ولانه بدل فاعتبر مبدله، ومسح الرأس أصل
فاعتبر لفظه. وروى مسلم أنه (ص) مسح بناصيته وعلى العمامة، فدل ذلك على الاكتفاء
بمسح البعض. ولا يقال: إن الناصية متعينة للنص عليها في الحديث. لانا نقول: صد عن
ذلك الاجماع. وأيضا فالمسح اسم جنس يصدق بالبعض والكل، ومسح الناصية فرد من
أفراده، وذكر فرد من أفراد العام بحكم العام لا يخصصه. (قوله: قال البغوي: ينبغي
إلخ) ضعيف، مخالف للاجماع كما علمت. وقوله: أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية أي مسح
أقل من قدرها. (قوله: وهي) أي الناصية. (قوله: لانه إلخ) علة لعدم الاجزاء. وقوله:
لم يمسح أقل منها أي من قدر الناصية. ولم يذكر الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف
إليه. (قوله: وهو) أي عدم إجزاء مسح أقل من الناصية رواية إلخ. (قوله: وخامسها) أي
خامس فروض الوضوء. (قوله: غسل رجليه) أي انغسالهما ولو بغير فعله - كما مر - إن لم
يكن لابسا للخفين. وينبغي أن يتنبه لما يقع كثيرا أن الشخص يغسل رجليه في محل من
الميضأة مثلا - بعد
[ 53 ]
غسل وجهه
ويديه ومسح رأسه في محل آخر - بنية إزالة الوسخ مع الغفلة عن نية الوضوء فإنه لا يصح،
ويجب عليه إعادة غسلهما بنية الوضوء. بخلاف ما إذا ليغفل عن نية الوضوء أو أطلق
فإنه لا يضر. (قوله: بكل كعب) الباء بمعنى مع. وقوله: من كل رجل أشار بذلك إلى
تعدد الكعب في كل رجل، فإن لكل رجل كعبين، وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند
مفصل الساق والقدم. (قوله: للاية) أي وللاتباع (قوله: أو مسح خفيهما) معطوف على
غسل رجليه. وقوله: بشروطه أي المسح على الخفين، وهي لبسهما على طهارة كاملة، وأن
يكون الخف طاهرا، وأن يكون قويا يمكن متابعة المشي عليه، وأن يكون ساترا لمحل ما
يجب غسله. (قوله: ويجب غسل باطن ثقب وشق) محله ما لم يكن لهما غور في اللحم، فإن
كان لهما ذلك لم يجب إلا غسل ما ظهر من الثقب والشق. والثقب بفتح المثلثة - وقيل
بضمها - ما كان مستديرا. والشق - بفتح الشين - ما كان مستطيلا. (قوله: لو دخلت
شوكة) أو نحوها كإبرة. (قوله: في رجله) أي أو نحوها، كيده أو وجهه. (قوله: وظهر
بعضها) أي بعض الشوكة. (قوله: وجب قلعها وغسل محلها) ظاهره أنه متى كان بعض الشوكة
ظاهرا اشترط قلعها مطلقا وغسل موضعها. وفصل بعضهم فقال: يجب قلعها إن كان موضعها
يبقى مجوفا بعد القلع، وإن كان لا يبقى مجوفا بل يلتحم وينطبق بعده لم يجب قلعها،
ويصح وضوءه مع وجودها. لكن إن غارت في اللحم واختلطت بالدم الكثير، مع بقاء رأسها
ظاهرا، لم تصح الصلاة معها وإن صح الوضوء. (قوله: لانه) أي لان محلها صار في حكم
الظاهر وهو يجب غسله. (قوله: فإن استترت كلها) محترز قوله وظهر بعضها. وقوله: صارت
في حكم الباطن أي وهو لا يجب غسله. وقوله: فيصح وضوؤه أي مع وجودها، وكذا تصح
صلاته. (قوله: تنفط) أي بدن المتوضئ، أي ظهر فيه النفط - وهو الجدري - قال في
المصباح: يقال نفطت يده نفطا من باب تعب، ونفيطا إذا صار بين الجلد واللحم ماء.
الواحدة نفطة ككلمة، والجمع نفط ككلم، وهو الجدري. (قوله: في رجل) حال من مصدر
الفعل. قيل: ولو حذف في وجعل ما بعدها فاعلا بالفعل لكان أولى. وقوله: أو غيره أي
كيد ووجه. والاولى أو غيرها، بضمير المؤنث للقاعدة: أن ما كان متعددا من الاعضاء
يؤنث - كاليد والرجل والعين والاذن -، وما كان غير متعدد كالرأس والانف يذكر غالبا.
(قوله: لم يجب غسل باطنه) أي باطن النفط. (قوله: ما لم يتشقق) أي ينفتح ذلك النفط.
(قوله: ما لم يرتتق) أي ما لم يلتحم ويلتئم بعد انفتاحه وتشققه، فإن ارتتق لم يجب
غسل باطنه. (قوله: تنبيه: ذكروا في الغسل) أي وما ذكروه في الغسل يجري نظيره في
الوضوء. فلو انعقدت لحية المتوضئ غير الكثة لم يجب غسل باطنها، وألحق به من ابتلي
بنحو طبوع فيها حتى منع من وصول الماء إلى أصولها ولم يمكن إزالته فيعفى عنه، ولا
يجب غسل باطنها. (قوله: عقد الشعر) العقد بضم ففتح جمع عقدة. والاضافة من إضافة
الصفة للموصوف، أي الشعر المنعقد. (قوله: إذا انعقد بنفسه) أي وإن كثر، كما في
التحفة. فإن عقد بفعل فاعل وجب غسل باطنه، ووجب نقضه إذا لم يصل الماء إلى باطن
الشعر إلا به. قال الكردي: وله أي لابن حجر احتمال في الامداد والايعاب في العفو
عما عقده بفعله. وينبغي كما في الايعاب ندب قطع المعقود خروجا من خلاف من أوجبه.
اه. (قوله: وألحق بها) أي بعقد الشعر. (قوله: طبوع) بوزن تنور، وهو بيض القمل.
(قوله: حتى منع وصول الماء إليها) أي إلى أصول الشعر. (قوله: ولم يمكن إزالته) أي
نحو الطبوع. (قوله: بأنه لا يلحق بها) أي بعقد الشعر. (قوله: لكن قال تلميذه
شيخنا: والذي إلخ) وقال أيضا: فإن أمكنه حلق محله فالذي يتجه أيضا وجوبه ما لم
يحصل له به
[ 54 ]
مثلة لا
تحتمل عادة. اه. (قوله: وسادسها) أي سادس فروض الوضوء. (قوله: ترتيب) هو وضع كل
شئ في مرتبته ومحله. (قوله: كما ذكر) أي ترتيب كائن كما ذكر في عد الاركان. (قوله:
من تقديم إلخ) بيان لما، ولم يذكر النية لانه لا ترتيب بينها وبين غسل الوجه لوجوب
اقترانها به. (قوله: للاتباع) تعليل لوجوب الترتيب، وهو فعله (ص) المبين للوضوء
المأمور به، فإنه عليه السلام لم يتوضأ إلا مرتبا. وقوله عليه السلام في حجة
الوداع، لما قالوا له: أنبدأ بالصفا أو المروة ؟ ابدؤا بما بدأ الله به. والعبرة
بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومما يدل على وجوب الترتيب أنه تعالى ذكر ممسوحا بين
مغسولات في آية الوضوء. وتفريق المتجانس لا ترتكبه العرب إلا لفائدة، وهي هنا وجوب
الترتيب، لا ندبه بقرينة الامر في الخبر، ولان الآية وردت لبيان الوضوء الواجب.
ومحل وجوب الترتيب إن لم يكن هناك حدث أكبر، وإلا سقط الترتيب لاندراج الاصغر في
الاكبر. حتى لو اغتسل الجنب إلا أعضاء وضوئه لم يجب عليه ترتيب فيها. ولو اغتسل
الجنب إلا رجليه مثلا، ثم أحدث حدثا أصغر ثم توضأ، فله تقديم غسل الرجلين وتأخيره
وتوسيطه، فلو غسلهما عن الجنابة ثم توضأ لم يجب غسلهما في الوضوء. وبه يلغز فيقال:
لنا وضوء خال عن غسل عضو مكشوف بلا ضرورة ؟ (قوله: ولو انغمس محدث) أي حدثا أصغر،
لانصرافه إليه عند الاطلاق. وقوله: ولو في ماء قليل غاية لمقدر، أي انغمس في ماء
مطلق ولو كان قليلا. لكن محل الاكتفاء بالانغماس فيه كما في الكردي فيما إذا نوى
المحدث بعد تمام الانغماس رفع الحدث، وإلا ارتفع الحدث عن الوجه فقط إن قارنته
النية، وحكم باستعمال الماء. (قوله: بنية معتبرة مما مر) كنية رفع الحدث، أو نية
الوضوء، أو فرض الوضوء. (قوله: أجزأه) أي لان الترتيب يحصل في لحظات لطيفة. (قوله:
ولو لم يمكث إلخ) الغاية للرد على الرافعي القائل بأنه لا بد للاجزاء من إمكان
الترتيب، بأن يغطس ويمكث قدر الترتيب. (قوله: نعم، لو اغتسل بنيته) أي نية رفع
الحدث ونحوه مما مر. ومراده الاغتسال بالصب بنحو إبريق فهو مقابل للانغماس وعبارة
فتح الجواد: وخرج بالانغماس الاغتسال، فيشترط فيه الترتيب حقيقة. اه. إذا علمت
ذلك تعلم أنه لا محل للاستدراك، فلو حذف لفظ نعم وقال: لو إلخ، لكان أولى. (قوله:
ولا يضر إلخ) أي فيما إذا انغمس أو اغتسل. (قوله: بل لو كان إلخ) اضراب انتقالي
وأفاد به أن النسيان ليس بقيد. (قوله: أعضاءه) أي الوضوء. (قوله: مانع) أي يمنع
وصول الماء للعضو. (قوله: أجزأه الغسل) أي من غير ترتيب، لاندراج الحدث الاصغر في
الاكبر. وقوله: بنيته أي الغسل. (قوله: ولا يجب تيقن إلخ) أي في الوضوء وفي الغسل.
وقوله: عموم الماء أي استيعابه جميع العضو. (قوله: بل يكفي غلبة الظن به) أي بعموم
الماء جميع العضو. (قوله: في تطهير عضو) متعلق بشك، ومثله الظرف الذي بعده. (قوله:
أو غسله) أي أو قبل الفراغ من غسله. (قوله: طهره) أي طهر ذلك العضو المشكوك فيه.
(قوله: وكذا ما بعده) أي وكذلك طهر ما بعده من الاعضاء. (قوله: في الوضوء) أي
بالنسبة له، لاشتراط الترتيب فيه بخلاف الغسل، فلا يعيد غسل ما بعد العضو المشكوك
فيه لعدم اشتراط الترتيب فيه. (قوله: أو بعد الفراغ) معطوف على قبل الفراغ، أي أو
شك بعد الفراغ من طهره. (قوله: لم يؤثر) أي لم يضر شكه بعد الفراغ استصحابا لاصل
الطهر فلا نظر لكونه يدخل الصلاة بطهر مشكوك فيه. اه تحفة.
[ 55 ]
(قوله:
ولو كان الشك في النية) كذا نقل عن فتاوى شيخنا الشهاب الرملي، وقاسه على الصوم.
لكن الذي استقر رأيه عليه في الفتاوى التي قرأها ولده عليه أنه يؤثر كما في
الصلاة. وقال: إن الفرق بين الوضوء والصوم واضح. اه. وسيأتي أن الشك في الطهارة
بعد الصلاة لا يؤثر، وحينئذ يتحصل أنه إذا شك في نية الوضوء بعد فراغه ضر، أو بعد
الصلاة لم يضر بالنسبة للصلاة، لان الشك في نيته بعدها لا يزيد على الشك فيه نفسه
بعدها. ويضر بالنسبة لغيرها. حتى لو أراد مس المصحف أو صلاة أخرى امتنع ذلك. م ر ا
ه سم بالحرف. (قوله: وقال فيه) أي في شرح المنهاج. (قوله: قياس ما يأتي) أي في
باب الصلاة. وعبارته هناك: فرع: شك قبل ركوعه في أصل قراءة الفاتحة لزمه قراءتها،
أو في بعضها فلا. اه. (قوله: أنه لو شك إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر خبر
قياس. (قوله: في أصل غسله) يعني شك، هل غسله كله أو تركه ؟. (قوله: أو بعضه) أي أو
شك في غسل بعضه. (قوله: لم تلزمه) أي إعادة غسل ذلك البعض. (قوله: فليحمل كلامهم
الاول) وهو أنه إذا شك في تطهير عضو قبل الفراغ. إلخ. (قوله: على الشك إلخ) متعلق بيحمل.
(قوله: لا بعضه) أي لا الشك في بعضه فإنه لا يؤثر مطلقا، سواء كان الشك وقع فيه
بعد الفراغ من الوضوء أم قبله. (قوله: وسن للمتوضئ إلخ) لما أنهى الكلام على شروط
الوضوء وفروضه، شرع في بيان سننه، فقال: وسن، إلخ. واعلم أن السنة والتطوع والنفل
والمندوب والحسن والمرغب فيه: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فهي ألفاظ
مترادفه. لكن قال بعضهم: إن الحسن يشمل المباح، إلا أن يقال إنه مختص بمرادفته
للسنة في اصطلاح الفقهاء. وسنن الوضوء كثيرة، أورد منها في الرحيمية ستا وستين،
والمصنف أورد بعضها. (قوله: ولو بماء مغصوب) أي سن التسمية ولو كان الوضوء بماء
مغصوب، ولا ينافي ذلك حرمة الوضوء به لانها لعارض، والمحرم لعارض لا تحرم البسملة
في ابتدائه - كما مر أول الكتاب -. (قوله: للاتباع) أي وهو ما رواه النسائي بإسناد
جيد عن أنس، قال: طلب أصحاب النبي (ص) وضوءا فلم يجدوا، فقال (ص): هل مع أحد منكم
ماء ؟ فأتي بماء فوضع يده في الاناء الذي فيه الماء ثم قال: توضؤا باسم الله.
فرأيت الماء يفور من بين أصابعه حتى توضأ نحو سبعين رجلا. وقوله: توضؤا باسم الله.
أي قائلين ذلك. اه شرح الروض. (قوله: وأقلها) أي التسمية. (قوله: وتجب) أي
التسمية عند أحمد، مستدلا بخبر: لا وضوء لمن لم يسم. ورده الشافعية بضعفه أو حمله
على الكامل. (قوله: ويسن قبلها) أي قبل التسمية. (قوله: ويسن لمن تركها أوله أن
يأتي بها أثناءه) أي بصيغة أخرى. وهي التي ذكرها بقوله: قائلا باسم الله أوله
وآخره. (قوله: لا بعد فراغه) أي لا يسن الاتيان بها بعد فراغ الوضوء. (قوله: وكذا
في نحو الاكل والشرب، إلخ) أي كذلك يأتي بها في الاول، فإن تركها فيه ففي الاثناء،
ولا يأتي بها بعد الفراغ. هكذا يستفاد من صنيعه، وهو الذي جرى عليه ابن حجر في
التحفة وفتح الجواد. والمعتمد عند شيخ الاسلام وم ر: سنية الاتيان بها بعد فراغ
الاكل والشرب، للامر بذلك في حديث الترمذي وغيره. ومحل الاتيان بها في الاثناء في
غير ما يكره الكلام فيه كالجماع، وإلا فلا يؤتى بها في أثنائه. (قوله: وبه) أي
بكون أول السن التسمية، جزم النووي في المجموع وغير المجموع من كتبه. (قوله:
فينوي) أي الوضوء،
[ 56 ]
أو سنن
الوضوء وهو الاولى، لئلا تفوته سنية المضمضة والاستنشاق كما مر. (قوله: معها) أي
التسمية، فإن قلت: كيف يتصور مقارنة النية للتسمية ؟ مع أن التلفظ بكل منهما سنة ؟
فالجواب: أن المراد أنه ينوي بقلبه حال كونه مسميا بلسانه، ثم بعد التسمية يتلفظ
بما نواه. قال في التحفة: وعليه جريت في شرح الارشاد لتشمله بركة التسمية. ويحتمل
أنه يتلفظ بها قبلها، كما يتلفظ بها قبل التحرم، ثم يأتي بالبسملة مقارنة للنية
القبلية، كما يأتي بتكبير التحرم كذلك. اه. (قوله: وقال جمع متقدمون: إن أولها
السواك) وجمع بينهما بأن أول السنن القولية التسمية، وأول السنن الفعلية السواك.
وإنما يجعل التعوذ أول السنن لانه ليس مقصودا بالذات. (قوله: تسن التسمية لتلاوة،
إلخ) أي ولكل أمر ذي بال - أي شأن - بحيث لا يكون محرما لذاته، ولا مكروها لذاته
ولا من سفاسف الامور، وليس ذكرا محضا، ولا جعل الشارع مبدأ له، كما مر معظم ذلك
أول الكتاب. (قوله: وذبح) فإن قلت: إن البسملة مشتملة على الرحمة، والذبح ليس من
آثارها ؟. أجيب بأنه رحمة بالنسبة للحيوان، لان موته لا بد منه، وهو بهذا الطريق
أسهل. (قوله: فغسل الكفين) بالرفع، عطف على تسمية أي. وسن عقب التسمية غسل الكفين،
أي انغسالهما، ولو من غير فعل فاعل كما مر. وقوله: معا أي ويسن غسلهما معا، فلا
يسن فيهما تيامن. وكان الاولى أن يقول: ومعا. لان المعية سنة مستقلة، وليفيد حصول
أصل السنة ولو بالغسل مرتبا، أفاده في فتح الجواد. (قوله: إلى الكوعين) أي مع الكوعين،
والكوع هو الذي يلي إبهام اليد، وأما البوع فهو العظم الذي يلي إبهام الرجل، وقد
نظم بعضهم معناهما مع معنى الكرسوع والرسغ، فقال: وعظم يلي الابهام كوع وما يلي
لخنصره الكرسوع والرسغ موسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من
الغلط قال بعضهم: الغبي هو الذي لا يعرف كوعه من بوعه. (قوله: مع التسمية المقترنة
بالنية) أي القلبية، فينوي بقلبه ويبسمل بلسانه مع أول غسل الكفين كما مر. (قوله:
وإن توضأ من نحو إبريق) أي يسن الغسل وإن لم يرد إدخالهما في الاناء، كأن صب على
كفيه بنحو إبريق، أو تيقن طهرهما، للاتباع. فإن شك في طهرهما كره غمسهما في ماء
قليل لا كثير قبل غسلهما ثلاثا، لخبر: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في
الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده. رواه الشيخان، إلا قوله:
ثلاثا. فمسلم أشار فيما علل به إلى احتمال نجاسة اليد في النوم، وألحق بالنوم غيره
في ذلك. أما إذا تيقن طهرهما فلا يكره غمسهما، ولا يسن غسلهما قبله. (قوله: فسواك)
معطوف أيضا على تسمية. أي وسن سواك. وهو لغة: الدلك. وشرعا: استعمال عود أو نحوه،
كأشنان في الاسنان وما حولها. والاصل فيه قوله عليه السلام: لولا أن أشق على أمتي
لامرتهم بالسواك عند كل وضوء. وفي رواية: لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء. وتعتريه
أحكام أربعة: الوجوب فيما إذا توقف عليه زوال النجاسة، أو ريح كريه في نحو جمعة،
والحرمة فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه، والكراهة للصائم بعد
الزوال، وفيما إذا استعمله طولا في غير اللسان، والندب في كل حال. ولا تعتريه
الاباحة لان القاعدة أن ما كان أصله الندب لا تأتي الاباحة فيه. وله فوائد كثيرة،
أوصلها بعضهم إلى نيف وسبعين. منها: أنه يطهر الفم، ويرضي الرب، ويبيض الاسنان،
ويطيب النكهة، ويسوي الظهر، ويشد اللثة، ويبطئ الشيب، ويصفي الخلقة، ويزكي الفطنة،
ويضاعف الاجر، ويسهل النزع، ويذكر الشهادة عند
[ 57 ]
الموت.
وإدامته تورث السعة والغنى وتيسر الرزق، وتطيب الفم، وتسكن الصداع، وتذهب جميع ما
في الرأس من الاذى والبلغم، وتقوي الاسنان، وتجلي البصر، وتزيد في الحسنات، وتفرح
الملائكة وتصافحه لنور وجهه وتشيعه إذا خرج للصلاة، ويعطى الكتاب باليمين، وتذهب
الجذام، وتنمي المال والاولاد، وتؤانس الانسان في قبره، ويأتيه ملك الموت عليه
السلام عند قبض روحه في صورة حسنة. (قوله: عرضا) أي في عرض الاسنان. ولو قال:
وعرضا، لكان أولى، إذ هو سنة مستقلة، لخبر: إذا استكتم فاستاكوا عرضا ويجزئ طولا
لكنه يكره. وكيفية الاستياك المسنون أن يبدأ بجانب فمه الايمن فيستوعبه باستعمال
السواك في الاسنان العليا ظهرا وبطنا إلى الوسط، ثم السفلى كذلك، ثم الايسر كذلك،
ثم يمره على سقف حلقه إمرارا لطيفا. ويسن أن يكون ذلك باليد اليمنى، وأن يجعل
الخنصر من أسفله والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والابهام أسفل رأسه، ثم يضعه بعد
أن يستاك خلف أذنه اليسرى، لخبر فيه، واقتداء بالصحابة. واستحب بعضهم أن يقول في
أوله: اللهم بيض به أسناني، وشد به لثاتي، وثبت به لهاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين.
ويكره أن يزيد طول السواك على شبر، لما قيل: إن الشيطان يركب على الزائد. (قوله:
ظاهرا وباطنا) أي ظاهر الاسنان وهو ما يلي الشفنين، وباطنها وهو ما يلي الحلق.
(قوله: وطولا في اللسان) فيكره عرضا. (قوله: للخبر الصحيح) أي دليل سنية السواك.
(قوله: أي أمر إيجاب) دفع به ما يقال إنه قد أمرهم أمر ندب. والحديث يقتضي امتناع
الامر. وحاصل الدفع أن الممتنع أمر الايجاب فلا ينافي أنه أمرهم أمر ندب، أي أن
الله تعالى خيره بين الامرين فاختار الثاني لمشقة الامة، فجعل الله تعالى الامر في
ذلك مفوضا إليه. فلا يرد أن الآمر هو الله تعالى فكيف نسبه (ص) لنفسه. اه شرقاوي.
(قوله: بكل خشن) أي طاهر، وفاقا للرملي وخلافا لابن حجر حيث قال: يكفي النجس ولو
من مغلظ. ورد بقوله عليه السلام: السواك مطهرة للفم. وهذا منجسة، لكنه أجاب: بأن
المراد الطهارة اللغوية، وهي تنقية الاوساخ من الاسنان. وخشن بكسرتين كما قاله
الاشموني في شرح قوله: وفعل أولى وفعيل بفعل لكن جوز القاموس فيه فتح الخاء وكسر
الشين. اه بجيرمي. (قوله: ولو بنحو خرقة) أي ولو كان الاستياك بنحو خرقة. (قوله:
وأشنان) بضم الهمزة، وكسرها لغة، وهو الغاسول أو حبه. (قوله، أفضل من غيره) كخرقة
وأشنان. (قوله: وأولاه) أي أولى أنواع العود ذو الريح الطيب. (قوله: وأفضله) أي
أفضل ذي الريح الطيب الاراك. والحاصل أن الاستياك بالاراك أفضل، ثم بجريد النخل،
ثم الزيتون، ثم ذي الريح الطيب، ثم غيره من بقية العيدان وفي معناه الخرقة. فهذه
خمس مراتب، ويجري في كل واحد من الخمسة خمس مراتب، فالجملة خمسة وعشرون، لان أفضل
الاراك المندى بالماء، ثم المندى بماء الورد، ثم المندى بالريق، ثم اليابس غير
المندى، ثم الرطب بفتح الراء وسكون الطاء، وبعضهم يقدم الرطب على اليابس. وهكذا
يقال في الجريد وما بعده. نعم، الخرقة لا يتأتى فيها المرتبة الخامسة، ويستثنى من
ذي الريح الطيب عود الريحان فإنه يكره الاستياك به لما قيل من أنه يورث الجذام
والعياذ بالله
[ 58 ]
تعالى.
(قوله: لا بأصبعه) أي لا تحصل سنية السواك بأصبعه، أي المتصلة عند حجر ومطلقا عند
م ر. وخرج بأصبعه أصبع غيره، فإن كانت متصلة أجزأ الاستياك بها عندهما، وإن كانت
منفصلة أجزأ عند حجر لا عند م ر، لوجوب مواراتها عنده. (قوله: خلافا لما اختاره
النووي) أي في المجموع، من أن أصبعه الخشنة تجزئ. (قوله: وإنما يتأكد السواك)
الاولى أن يحذف أداة الحصر ويقول ويسن، ثم يفسره بقوله أي بتأكد لايهام عبارته أنه
تقدم منه ذكر لفظ يتأكد، وأن التأكد محصور فيما ذكره مع أنه ليس كذلك. (قوله: ولو
لمن لا أسنان له) أي ولو لفاقد الطهورين. (قوله: لكل وضوء) متعلق بيتأكد، وذكره مع
علمه إذ الكلام في تعداد سنن الوضوء ليعطف عليه قوله: ولكل صلاة، إذ الواو وما دخلت
عليه من المتن. ولو قال: ويسن أيضا لكل صلاة، لكان أولى. (قوله: وإن سلم إلخ) هو
وما بعده غاية لسنية السواك لكل صلاة. (قوله: وإن لم يفصل بينهما) أي بين الوضوء
والصلاة. (قوله: حيث لم يخش تنجس فمه) يعني يتأكد السواك لكل صلاة حيث لم يخش ما
ذكر، وإلا تركه. وفي التحفة ما نصه: ولو عرف من عادته إدماء السواك لفمه استاك
بلطف، وإلا تركه. (قوله: وذلك) أي تأكده في كل صلاة. وقوله: لخبر الحميدي بصيغة
التصغير. (قوله: ولو تركه) أي السواك. والذي يستفاد من النهاية أنه لا بد أن يكون
الترك نسيانا. ونصها: ولو نسيه ثم تذكره تداركه بفعل قليل. اه. وقوله: أولها أي
الصلاة (قوله: تداركه أثناءها) أي عند العلامتين ابن حجر والرملي. ولا يقال إن
الكف عن الحركات فيها مطلوب لانا نقول محله ما لم يعارضه معارض كما هنا وهو طلب
السواك لها، وتداركه فيها ممكن، وكما في دفع المار بين يديه في الصلاة، والتصفيق
بشرطه، وجذب من وقف عن يساره إلى يمينه. وخالف الخطيب فقال: لا يتدارك. وعلله بما
مر. (قوله: كالتعمم) أي كما أنه يسن تداركه فيها بأفعال خفيفة بحيث لا تكون ثلاث
حركات متوالية إذا تركه أولها. (قوله: ويتأكد) أي السواك. وقوله أيضا أي كما يتأكد
لكل وضوء ولكل صلاة. وقوله: لتلاوة قرآن إلخ أي عند قراءة قرآن، ويكون قبل التعوذ.
(قوله: أو علم شرعي) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، إذا المراد به
التفسير والحديث والفقه، وما تعلق بها من آلاتها كالنحو والصرف. (قوله: أو تغير
فم) أي ويتأكد عند تغير فم. وأفهم تعبيره بالفم ندبه لتغير فم من لا سن له، وهو
كذلك. وقوله: ريحا أو لونا منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، والاصل تغير ريح
فم أو لونه. وقوله: بنحو نوم متعلق بتغير ونحوه، كالسكوت وأكل كريه. وقوله: أو أكل
كريه معطوف على نحو نوم، من عطف الخاص على العام. والمراد بالشئ الكريه الثوم
والبصل وغيرهما. (قوله: أو سن) معطوف على فم، أي أو تغير سن. وقوله: بنحو صفرة
متعلق بتغير المقدر. (قوله: أو استيقاظ من نوم) معطوف على لتلاوة قرآن، أي ويتأكد
أيضا عند استيقاظه من النوم، أي وإن لم يحصل له تغير به لانه مظنته، لما فيه من السكوت
وترك الاكل وعدمه وسرعة خروج الانفاس. ولذلك كان (ص) إذا قام من النوم يشوص فاه
بالسواك، أي يدلكه به. (قوله: وإرادته) الواو بمعنى أو، وكان الاولى التعبير بها،
وكذا يقال فيما بعده، أي ويتأكد أيضا
[ 59 ]
عند
إرادة النوم، ومثله الاكل فيتأكد عند إرادته. (قوله: ودخول مسجد) أي ويتأكد أيضا
عند دخول مسجد ولو كان خاليا. (قوله: ومنزل) أي ويتأكد لدخول منزل ولو كان لغيره.
قال في التحفة: ثم يحتمل أن يقيد بغير الخالي، ويفرق بينه وبين المسجد بأن ملائكته
أفضل، فروعوا كما روعوا بكراهة دخوله خاليا لمن أكل كريها، بخلاف غيره، أي المسجد.
ويحتمل التسوية، والاول أقرب. اه. (قوله: وفي السحر) أي ويتأكد أيضا في وقت
السحر، سواء كان نائما واستيقظ فيه أم لا. (قوله: وعند الاحتضار) أي ويتأكد أيضا
عند الاحتضار، أي معاينة سكرات الموت. (قوله: كما دل عليه) أي على تأكده عند
الاحتضار خبر الصحيحين. (قوله: ويقال إنه) أي السواك، وهو كالتعليل لتأكده عند
الاحتضار، (قوله: وأخذ بعضهم من ذلك) أي من كونه يسهل خروج الروح. (وقوله: تأكده
للمريض) أي لانه قد يفجؤه الموت فيسهل عليه خروج الروح. (قوله: وينبغي أن ينوي
بالسواك السنة) أي حيث لم يكن في ضمن عبادة، فإن كان في ضمنها كالوضوء لم يحتج
لنية لشمول نيتها له. وفي التحفة ما نصه: وينبغي أن ينوي بالسواك السنة كالنسل
بالجماع، ويؤخذ منه أن ينبغي بمعنى يتحتم، حتى لو فعل ما تشمله نية ما سن فيه بلا
نية السنة لم يثب عليه. اه. (قوله: ويبلع ريقه) بالنصب، عطف على ينوي، أي وينبغي
أن يبلع ريقه أول استياكه، أي إلا لعذر. (قوله: وأن لا يمصه) أي وينبغي أيضا أن لا
يمص السواك بعد الاستياك. (قوله: ويندب التخليل) أي تخليل الاسنان. ويسن كونه بعود
السواك وباليمنى كالسواك ويكره بعود القصب والآس. والتخليل أمان من تسويس الاسنان.
ويكره أكل ما خرج من بينها بنحو عود، لا ما خرج بغيره كاللسان. ويندب لمن يصحب
الناس التنظف بالسواك ونحوه، والتطيب وحسن الادب. وقوله: من أثر الطعام متعلق
بالتخليل. (قوله: والسواك أفضل منه) أي من التخليل. (قوله: خلافا لمن عكس) أي قال
إن التخليل أفضل من السواك، للاختلاف في وجوبه. ويرد بأنه موجود في السواك أيضا مع
كثرة فوائده التي تزيد على السبعين. (قوله: ولايكره) أي الاستياك - لكنه خلاف
الاولى - إلا لتبرك كما فعلته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث استاكت بسواك النبي
(ص). وقوله: أذن أي ذلك الغير له في أن يستاك بسواكه. وقوله: أو علم أي أو لم يأذن
لكنه علم المستاك رضاه به. (قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يأذن ولم يعلم رضاه حرم
الاستياك بسواكه. وقوله: كأخذه أي السواك، من ملك الغير فإنه يحرم حيث لم يأذن له
ولم يعلم رضاه. وقوله: ما لم تجر عادة أي توجد عادة. وقوله بالاعراض عنه أي عن
السواك. فإن جرت عادة بالاعراض عنه لم يحرم أخذه منه. (قوله: ويكره للصائم) أي ولو
حكما، فيدخل الممسك. كأن نسي النية ليلا في رمضان فأمسك فهو في حكم الصائم على
المعتمد، وإنما كره السواك لاطيبية خلوفه - بضم الخاء، أي ريح فمه - كما في خبر:
لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. أي أكثر
[ 60 ]
ثوابا
عند الله من ريح المسك المطلوب في نحو الجمعة، أو إنه عند الملائكة أطيب من ريح
المسك عندكم. وأطيبيته تفيد طلب إبقائه. وقوله بعد الزوال إنما اختصت الكراهة بما
بعده لان التغير بالصوم إنما يظهر حينئذ. قاله الرافعي بخلافه قبله، فيحال على نوم
أو أكل أو نحوهما، ولانه يدل عليه خبر: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ثم قال: وأما
الثانية: فإنهم يمسون وخلوف أفواهم أطيب عند الله من ريح المسك فقيد بالمساء، وهو
إنما يكون بعد الزوال. ومحل كراهته بعده إذا سوك الصائم نفسه فإن سوكه غيره بغير
إذنه حرم على ذلك الغير لتفويته الفضيلة. (قوله: إن لم يتغير فمه بنحو نوم) فإن
تغير به لم يكره، وهو خلاف الاوجه، كما في التحفة، ونصها: ولو أكل بعد الزوال
ناسيا مغيرا، أو نام أو انتبه، كره أيضا على الاوجه، لانه لا يمنع تغير الصوم،
ففيه إزالة له - ولو ضمنا - وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف،
والمانع مقدم. إلا أن يقال إن ذلك التغير أذهب تغير الصوم لاضمحلاله فيه وذهابه
بالكلية، فيسن السواك لذلك، كما عليه جمع. اه. وقوله: كما عليه جمع أفتى به
الشهاب الرملي. اه سم. (قوله: فمضمضة) أي فبعد السواك تسن مضمضة. وقوله: فاستنشاق
أي فبعد المضمضة يسن استنشاق. ويعلم من العطف بالفاء المفيدة للترتيب، أن الترتيب
بينهما مستحق، أي شرط، في الاعتداد بهما لا مستحب. فلو قدم الاستنشاق على المضمضة
حسبت دونه عند ابن حجر لوقوعه في غير محله، وعند الرملي يحسب ما فعل أولا. (فائدة)
الحكمة في ندب غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق معرفة أوصاف الماء - من لون وطعم
وريح - هل تغيرت أم لا. وقال بعضهم: شرع غسل الكفين للاكل من موائد الجنة،
والمضمضة لكلام رب العالمين، والاستنشاق لشم روائح الجنة، وغسل الوجه للنظر إلى
وجه الله الكريم، وغسل اليدين للبس السوار في الجنة، ومسح الرأس للبس التاج
والاكليل فيها، ومسح الاذنين لسماع كلام رب العالمين، وغسل الرجلين للمشي في
الجنة. (قوله: للاتباع) أي وخروجا من خلاف الامام أحمد في قوله بوجوبهما. (قوله:
وأقلهما) أي أقل المضمضة والاستنشاق. والمراد: أقل ما تؤدى به السنة ما ذكر. أي:
وأما أكملهما فيكون بأن يدير الماء في الفم ثم يمجه - بالنسبة للمضمضة -، وبأن
يجذبه بنفسه إلى أعالي أنفه ثم ينثره - بالنسبة للاستنشاق -. (قوله: ولا يشترط في
حصول أصل السنة) أي بقطع النظر عن الكمال: (قوله: إدارته) أي الماء، وقوله: في
الفم أي في جوانبه: (وقوله: ومجه) أي إخراجه من الفم بعد الادارة. (قوله: ونثره من
الانف) أي رميه منه بعد صعوده إلى أعاليه. (قوله: بل تسن) أي المذكورات - الادارة
والمج والنثر - والانسب في المقابلة أن يقول أما كمالهما فيشترط فيه ذلك. وقوله:
كالمبالغة فيهما أي كسنية المبالغة في المضمضة والاستنشاق. وقوله: لمفطر خرج
الصائم فلا يبالغ خشية الافطار، ومن ثم كرهت له. وقوله: للامر بها أي بالمبالغة،
في قوله (ص): إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائما والمبالغة في
المضمضة أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الاسنان واللثاث، وفي الاستنشاق أن
يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم. (قوله: ويسن جمعهما) أي الجمع بين المضمضة
والاستنشاق، وضابطه أن يجمع بينهما بغرفة. وفيه ثلاث كيفيات، الاولى: أن يتمضمض
ويستنشق بثلاث غرف، يتمضمض من كل منهما ثم يستنشق، وهي التي اقتصر عليها الشارح
لانها الافضل. الثانية: أن يتمضمض ويستنشق بغرفة، يت مضمض منها ثلاثا ثم يستنشق
منها كذلك. الثالثة: أن يتمضمض ويستنشق بغرفة، يتمضمض منها مرة ثم يستنشق منها
مرة، وهكذا. وقوله: بثلاث غرف لو قال وبثلاث غرف لكان أولى، ليفيد أن ذلك أفضل من
الجمع بينهما بغرفة، أي بالكيفيتين السابقتين. واعلم أن ما ذكر هو الافضل، وإلا
فأصل السنة يتأدى بغير الجمع بينهما: ففيه أيضا ثلاث كيفيات، الاولى: أن يتمضمض
ويستنشق بغرفتين، يتمضمض من الاولى ثلاثا ثم يسنتشق من الثانية ثلاثا. الثانية: أن
يتمضمض ويستنشق
[ 61 ]
بست
غرفات، يتمضمض بواحدة ثم يستنشق بأخرى، وهكذا. الثالثة: أن يتمضمض ويستنشق بست
غرفات، يتمضمض بثلاث متوالية ثم يستنشق كذلك، وهذه أضعفها وأنظفها. (قوله: ومسح كل
رأس) أي ويسن مسح كل الرأس، أي حتى الذوائب الخارجة عن حد الرأس، كما في سم، ونص
عبارته: وأفتى القفال بأنه يسن للمرأة استيعاب مسح رأسها ومسح ذوائبها المسترسلة
تبعا. وألحق غيره ذوائب الرجل بذوائبها في ذلك. اه. واعلم أن عندهم مسح جميع
الرأس من السنن إنما هو بالنسبة لما زاد على القدر الواجب فلا ينافي وقوع أقل مجزئ
منه فرضا، والباقي سنة. لان القاعدة أن ما تمكن تجزئته - كمسح جميع الرأس وتطويل
الركوع والسجود - يقع بعضه واجبا وبعضه مندوبا، وما لا تمكن تجزئته - كبعير الزكاة
المخرج عما دون الخمسة والعشرين - يقع كله واجبا: قوله: للاتباع) قال في التحفة:
إذ هو أكثر ما ورد في صفة وضوئه (ص). اه. (قوله: وخروجا من خلاف مالك وأحمد) أي
فإنهما يوجبان مسح كل الرأس. (قوله: فإن اقتصر على البعض) أي فإن أراد الاقتصار
على مسح البعض. وقوله: فالاولى أي الافضل أن يكون هو، أي ذلك البعض الناصية.
(قوله: والاولى في كيفيته) أي والافضل في صفة المسح. وقوله: أن يضع يديه أي بطون
أصابع يديه. (قوله: ملصقا) منصوب على الحال، أي يضع يديه حال كونه ملصقا مسبحته
بالاخرى. (قوله: وإبهاميه على صدغيه) أي ويضع إبهاميه على صدغيه. ولو عبر بالباء
بدل على كما في التحفة لكان أولى، إذ المعنى عليه وملصقا إبهاميه بصدغيه، فيكون مع
ما قبله بيانا لهيئة الوضع على مقدم الرأس كما هو قاعدة الحال. (قوله: ثم يذهب
بهما) أي بمسبحتيه، كما صرح به في شرح الروض. وقوله: لقفاه متعلق بيذهب. (قوله: ثم
يردهما) أي المسبحتين مع بقية الاصابع. (وقوله: إلى المبدأ) أي المحل الذي بدأ به.
وقوله: إن كان له شعر ينقلب قال في التحفة: ليصل الماء لجميعه. ومن ثم كانا مرة
واحدة، وفارقا نظيرهما في السعي لان القصد ثم قطع المسافة. (قوله: وإلا فليقتصر
على الذهاب) أي وإن لم يكن له شعر ينقلب، بأن لم يكن له شعر أصلا، أو كان ولكن لا
ينقلب لنحو صغره أو طوله، فليقتصر على الذهاب ولا يردهما، فإن ردهما لم يحسب ثانية
لصيرورة الماء مستعملا لاستعماله فيما لا بد منه وهو غسل البعض الواجب. (قوله: وإن
كان على رأسه عمامة أو قلنسوة) أي ولم يرد نزعها: أو عسر نزعها وقوله: تمم عليها
أي تمم مسح الرأس على العمامة أو نحوها، وإن كان تحتها عرقية كما في النهاية. قال:
ويؤيده ما بحثه بعضهم من إجزاء المسح على الطيلسان ونحوه. قال عميرة: الظاهر أن
حكمها - أي العمامة - كالرأس من الاستعمال، برفع اليد في المرة الاولى. فلو مسح
بعض الرأس ورفع يده ثم أعادها على العمامة لتكميل المسح صار الماء مستعملا
بانفصاله عن الرأس، وهذا ظاهر، ولكنه يغفل عنه كثير عند التكميل على العمامة. ثم
ذلك القدر الممسوح من الرأس هل يمسح ما يحاذيه من العمامة ؟ ظاهر العبارة: لا. اه.
وقوله: ظاهر العبارة: لا أي لانه المفهوم من التكميل وقوله: بعد مسح الناصية أفهم
اشتراط كون التكميل بعد مسح الناصية، وهو كذلك. فلو مسح على العمامة أو نحوها أولا
ثم مسح الواجب من الرأس لم تحصل السنة. ويشترط أيضا أن لا يكون عاصيا باللبس
لذاته، بأن لا يكون عاصيا أصلا أو عاصيا به لا لذاته، كأن كان غاضبا. فإن كان
عاصيا به لذاته كأنه يكون محرما فيمتنع عليه التكميل. وأن لا يكون على العمامة
نجاسة معفو عنها، كدم براغيث، وإلا امتنع التكميل لما فيه من التضمخ بالنجاسة.
(قوله: للاتباع) وهو أنه (ص) توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة. رواه مسلم. (قوله:
ومسح كل الاذنين) أي ويسن بعد
[ 62 ]
مسح
الرأس مسح كل الاذنين. ولو عبر بدل الواو بثم لكان أولى. وقوله: ظاهرا وباطنا.
الاول هو ما يلي الرأس، والثاني ما يلي الوجه، لان الاذن كانت مطبوقة كالبيضة،
فلهذا كان ما يلي الوجه هو الباطن لانه كان مستورا. اه بجيرمي. (قوله: وصماخيه)
أي ويسن مسح صماخيه - بكسر الصاد - وهما خرقا الاذن. وكيفية مسحهما مع الاذنين أن
يدخل رأس مسبحتيه في صماخيه ويديرهما في المعاطف، ويمر إبهاميه على ظاهر أذنيه، ثم
يلصق كفيه وهما مبلولتان بالاذنين. (قوله: للاتباع) وهو أنه (ص) مسح في وضوئه
برأسه وأذنيه، ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه. رواه أبو داود
بإسناد حسن. (قوله: إذ لم يثبت فيه شئ) أي لم يرد فيه حديث، وأثر ابن عمر: من توضأ
ومسح عنقه وقي الغل يوم القيامة، غير معروف، كما في شرح الروص. (قوله: وحديثه
موضوع) وهو: مسح الرقبة أمان من الغل. وهو بضم الغين: طوق حديد يجعل في عنق
الاسير، تضم به يداه إلى عنقه. وبكسرها: الحقد. قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم
من غل) * (قوله: ودلك أعضاء) أي ويسن دلك أعضاء الوضوء، لكن المغسول منها فقط دون
الممسوح، كما في الفشني على الزبد. (قوله: وهو) أي الدلك. (وقوله: إمرار اليد) أي
مع الدعك. قال في القاموس: دلكه بيده مرسه ودعكه. اه. وقوله: عقب ملاقاتها أي
الاعضاء. (قوله: خروجا إلخ) أي ويسن الدلك خروجا من خلاف من أوجبه، وهو الامام
مالك رضي الله عنه. أي واحتياطا وتحصيلا للنظافة. (قوله: وتخليل لحية كثة) أي ويسن
تخليل لحية كثة. ومحله إذا كان لرجل واضح، أما لحية المرأة والخنثى فيجب تخليلها
كلحية الرجل الخفيفة. واختلفوا في لحية المحرم: هل يخللها أو لا ؟ ذهب ابن حجر إلى
الاول، لكنه برفق لئلا يتساقط منها شئ. وذهب الرملي إلى الثاني. ومثل اللحية كل
شعر يكفي غسل ظاهره. (قوله: والافضل كونه) أي التخليل. وقوله: بأصابع يمناه ويكفي
كونه بغير الاصابع رأسا، وبأصابع غير يمناه. وقوله: ومن أسفل أي والافضل كونه من
أسفل اللحية، ويكفي كونه من أعلاها. وقوله مع تفريقها أي الاصابع. وقوله: وبغرفة
مستقلة أي والافضل كونه بغرفة مستقلة غير غرفة غسل الوجه. (قوله: للاتباع) وهو ما
روى الترمذي وصححه: أنه (ص) كان يخلل لحيته الكريمة. وما روى أبو داود: أنه (ص)
كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي
واختلفوا في محله هل هو قبل غسل الوجه أو بعد الغسلات الثلاث له ؟ أو بعد كل غسلة
منه ؟ أقوال في ذلك، ونقل بعضهم عن ابن حجر الاخير. (قوله: ويكره تركه) أي
التخليل. (قوله: وتخليل أصابع إلخ) أي ويسن تخليل أصابع إلخ، أي من رجل أو أنثى أو
خنثى فلا فرق هنا. ومحل سنيته إن وصل الماء إلى الاصابع من غير تخليل فإن لم يصل
الماء إليها - أي إلى باطنها - إلا به - كأن كانت أصابعه ملتفة - وجب، وإن لم يتأت
تخليلها لالتحامها حرم فتقها إن خاف محذور تيمم. (قوله: بالتشبيك) أي بأي كيفية
وقع. لكن الاولى فيما يظهر في تخليل اليد اليمنى أن يجعل بطن اليسرى على ظهر
اليمنى، وفي اليسرى بالعكس، خروجا في فعل العبادة عن صورة العادة في التشبيك، وهذا
يفيد طلب تخليل كل يد وحدها. لكن في شرح العباب للشارح في مبحث التيامن: نعم، تخليلهما
- أي اليدين - لا تيامن فيه لانه بالتشبيك. اه. وهو ظاهر. اه كردي نقلا عن
العناني. (قوله: والرجلين بأي كيفية كان) أي ويسن تخليل أصابع الرجلين بأي كيفية
وجد ذلك. (قوله: والافضل أن يخللها) أي أصابع الرجلين. وقوله: من أسفل أي أسفل
الرجل. وقوله: بخنصر يده اليسرى متعلق بيخللها. وقيل: بخنصر يده اليمنى. وقيل: هما
سواء. والمعتمد الاول. وقوله: مبتدئا حال من فاعل الفعل. (قوله:
[ 63 ]
وإطالة
الغرة) أي ويسن إطالة إلخ. وقوله: بأن يغسل إلخ تصوير للاطالة الكاملة. وأما أقلها
فهو يحصل بغسل أدنى زيادة على الواجب، كما سيذكره، والغرة نفسها اسم للواجب فقط -
كما في التحفة - ومثلها التحجيل. (قوله: وإطالة تحجيل) أي ويسن إطالة تحجيل.
(وقوله: بأن يغسل إلخ) تصوير لاقل الاطالة: وأما أكملها فهو ما ذكره بقوله: وغايته
إلخ. (قوله: وغايته) أي غاية إطالة التحجيل. وذكر الضمير مع كون المرجع مؤنثا
لاكتسابه التذكير من المضاف إليه. (قوله: وذلك لخبر) أي ودليل ذلك، أي استحباب
إطالة الغرة والتحجيل، خبر الشيخين إلخ. (قوله: يدعون) أي يسمون أو يعرفون أو
ينادون إلى الجنة. (قوله: غرا) جمع أغر، وهو حال، أي ذوي غرة، على ما عدا التفسير
الاول، أو مفعول ثان على التفسير الاول. وأصلها بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم، شبه
به ما يكون لهم من النور. وقوله: محجلين من التحجيل. وأصله بياض في قوائم الفرس،
شبه به ما يكون لهم من النور أيضا. (قوله: من آثار الوضوء) في رواية: من إسباغ
الوضوء. قال ع ش نقلا عن المناوي: وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذه السيما إنما
تكون لمن توضأ. وفيه رد لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة، أن الغرة
والتحجيل لهذه الامة، من توضأ منهم ومن لا. كما يقال لهم أهل القبلة، من صلى منهم
ومن لا. (قوله: زاد مسلم: وتحجيله) وعلى الرواية الاولى فالمراد بالغرة ما يشمل
التحجيل، أو فيه حذف الواو مع ما عطفت. (قوله: ويحصل أقل الاطالة) أي بالنسبة
للغرة والتحجيل. وهذا مكرر بالنسبة للثاني إذ هو قد ذكره بالتصوير. وقوله: وكمالها
إلخ مكرر بالنسبة لهما إذ هو قد ذكر ذلك بالتصوير في الاول، وبقوله وغايته إلخ في
الثاني. إذا علمت ذلك فالاولى إسقاطه مع ما قبله. نعم، ينبغي أن يذكر أقل الاطالة
بالنسبة للغرة عندها. (قوله: وتثليث كل) أي ويسن تثليث كل. وإنما لم يجب لانه (ص)
توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين. وفي البجيرمي: قال الشوبري: وسئل شيخنا عما لو
نذر الوضوء مرتين هل يصح قياسا على إفراد يوم الجمعة بصوم أم لا ؟ فأجاب: لا ينعقد
نذره، لانه منهي عنه. اه. وقوله: من مغسول وممسوح بيان للمضاف إليه. وفيه أن
المغسول اسم للعضو الذي يغسل، كالوجه واليدين والرجلين. والممسوح اسم لما يمسح،
كالرأس والاذنين والجبيرة ونحو العمامة. ولا معنى لتثليث ذلك. وأجيب بأن في الكلام
مضافا محذوفا بالنسبة إليهما، ويقدر قبل كل، أي: ويسن تثليث غسل كل أو مسح كل إلخ.
والمعتمد أنه لا يسن تثليث مسح الخف لئلا يعيبه. وألحق الزركشي به الجبيرة
والعمامة، فلا يسن تثليث مسحهما. وعليه ابن حجر. (قوله: ودلك) معطوف على مغسول،
والاولى عطفه مع ما بعده على المضاف الذي قدرته قبل لفظ كل. (قوله: وذكر عقبه)
مثله الذي قبله، ولو حذف لفظ عقبه ليشمل ما كان قبله لكان أولى. وفي ع ش ما نصه:
(فرع) هل يسن تثليث النية أيضا أو لا ؟ لان النية ثانيا تقطع الاولى فلا فائدة في
التثليث ؟ يحرر سم منهج قلت: وقضية قول البهجة: وثلث الكل يقينا ما خلامسحا
لخفين..... إلخ
[ 64 ]
يقتضي
طلبه، فيكون ما بعد الاولى مؤكدا لها، ويفرق بينه وبين تكرير النية في الصلاة، حيث
قالوا: يخرج بالاشفاع ويدخل بالاوتار لانه عهد فعل النية في الوضوء بعد أوله فيما
لو فرق النية أو عرض ما يبطلها كالردة، ولم يعهد مثل ذلك في الصلاة. ونقل عن فتاوي
م ر ما يوافقه. اه. (قوله: للاتباع في أكثر ذلك) في شرح المنهج: للاتباع في
الجميع. أخذا من إطلاق خبر مسلم: أنه (ص) توضأ ثلاثا ثلاثا. ورواه أيضا في الاول
مسلم، وفي الثاني - في مسح الرأس - أبودواد، وفي الثالث البيهقي، وفي الخامس - في
التشهد - أحمد وابن ماجة. اه. نعم، هو لم يذكر في عبارته السواك، فظهر وجه قول
الشارح في أكثر ذلك. ورأيت في الكردي بعد نقله عبارة شرح المنهج ما نصه: وقد بين
الشيخ في الامداد ما لم يرد مما قاسوه، فقال: للاتباع في أكثر ذلك، وقياسا في
غيره. أعني نحو الدلك والسواك والتسمية. اه. (قوله: مثلا) راجع لليد. (قوله: ولو
في ماء قليل) قال في التحفة: وإن لم ينو الاغتراف. على المعتمد لما مر، أنه لا
يصير مستعملا بالنسبة لها إلا بالفضل، كبدن جنب انغمس ناويا في ماء قليل. اه.
(قوله: إذا حركها مرتين) عبارة غيره: إذا حركها ثلاثا. ويمكن أن يقال مرتين غير
المرة الواجبة. ثم إن التحريك إنما هو في الماء الراكد، أما الجاري فيحصل فيه
التثليث بمرور ثلاث جريات على العضو. (قوله: كما استظهره شيخنا) عبارته بعد ما
نقلته على قوله: ولو في ماء قليل فبحث أنه لو ردد ماء الاولى قبل انفصاله عن نحو
اليد عليها لا تحسب ثانية. فيه نظر، وإن أمكن توجيهه بأن القصد منها النظافة
والاستظهار، فلا بد من ماء جديد. اه. وإذا علمتها تعلم ما في قوله: كما استظهره
شيخنا (قوله: ولا يجزئ تثليث إلخ) أي لان الشرط في حصول التثليث حصول الواجب أولا.
قال في التحفة: ولو اقتصر على مسح بعض رأسه وثلثه حصلت له سنة التثليث. كما شمله
المتن وغيره. وقولهم: لا يحسب تعدد قبل تمام العضو مفروض في عضو يجب استيعابه
بالتطهير. اه. (قوله: ولا بعد تمام الوضوء) أي ولا يجزئ تثليث بعد تمام الوضوء.
فلو توضأ مرة مرة إلى تمام غسل الاعضاء، ثم أعاد كذلك ثانيا وثالثا، لم يحصل
التثليث. فإن قيل: قد تقرر أنه لو فعل ذلك في المضمضة والاستنشاق حصل له التثليث ؟
أجيب بأن الفم والانف كعضو واحد فجاز ذلك فيهما. قال بعضهم: ومقتضى ما ذكر أنه لو
غسل اليمنى من يديه ورجليه مرة ثم اليسرى كذلك، وهكذا في الثانية والثالثة، حصلت
فضيلة التثليث، لان اليدين والرجلين كعضو واحد. (قوله: ويكره النقص إلخ) أي لانه
(ص) توضأ ثلاثا وقال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم. وأما
وضوءه (ص) مرة مرة ومرتين مرتين فإنما كان لبيان الجواز. (قوله: كالزيادة عليها)
أي ككراهة الزيادة على الثلاث. قال في بداية الهداية: ولا تزد في الغسل على ثلاث
مرات، ولا تكثر صب الماء من غير حاجة بمجرد الوسوسة فللموسوسين شيطان يلعب بهم
يقال له: الولهان. اه. وفي حاشية الرشيدي على فتح الجواد شرح منظومة ابن العماد في
المعفوات ما نصه: واعلم أن الباب الاعظم الذي دخل منه إبليس على الناس - كما قال
السبكي - هو الجهل، فيدخل منه على الجاهل بأمان، وأما العالم فلا يدخل عليه إلا
مسارقة. وقد لبس على كثير من المتعبدين لقلة علمهم، لان جمهورهم يشتغل بالتعبد قبل
أن يحكم العلم. وقد قال الربيع بن خثيم: تفقه ثم اعتزل. فأول تلبسه عليهم إيثارهم
التعبد على
[ 65 ]
العلم،
والعلم أفضل من النوافل. فأراهم أن المقصود من العلم العمل، وما فهموا من العمل
إلا عمل الجوارح، وما علموا أن المراد من العمل عمل القلب، وعمل القلب أفضل من عمل
الجوارح، فلما تمكن منهم بترك العلم دخل عليهم في فنون العبادة. فمن ذلك الاستطابة
والحدث، فيأمرهم بطول المكث في الخلاء، وذلك يؤذي الكبد، فينبغي أن يكون بقدر
الحاجة. ومنهم من يحسن لهم استعمال الماء الكثير، وإنما عليه أن يغسل حتى تزول
العين. ومنهم من لبس عليه في وضوئه في النية، فتراه يقول: نويت رفع الحدث، ثم يعيد
ذلك مرات كثيرة. وسبب هذا: إما الجهل بالشرع، أو خبل في العقل، لان النية في القلب
لا باللفظ، فتكلف اللفظ أمر لا يحتاج إليه. ومنهم من لبس عليه بكثرة استعمال الماء
في وضوئه، وذلك يجمع مكروهات أربعا: الاسراف في الماء إذا كان مملوكا أو مباحا،
أما إذا كان مسبلا للوضوء فهو حرام. وتضييع العمر الذي لا قيمة له فيما ليس بواجب
ولا مستحب. وعدم ركون قلبه إلى الشريعة حيث لم يقنع بما ورد به الشرع. والدخول
فيما نهى عنه من الزيادة على الثلاث. وربما أطال الوضوء فيفوت وقت الصلاة أو أول
وقتها أو الجماعة، ويقول له الشيطان: أنت في عبادة لا تصح الصلاة إلا بها. ولو
تدبر أمره علم أنه في تفريط ومخالفة. فقد حكي عن ابن عقيل أن رجلا لقيه فقال له
إني أغسل العضو فأقول ما غسلته، وأكبر فأقول ما كبرت. فقال ابن عقيل: دع الصلاة
فإنها لا تجب عليك فقال قوم لابن عقيل: كيف ؟ فقال لهم: قال رسول الله (ص): رفع
القلم عن المجنون حتى يفيق ومن يكبر وهو يقول ما كبرت فهذا مجنون، والمجنون لا تجب
عليه الصلاة. اه. (قوله: أي بنية الوضوء) راجع للزيادة. وفي المغني ما نصه: قال
ابن دقيق العيد: ومحل الكراهة في الزيادة على الثلاث إذا أتى بها على قصد نية
الوضوء أو أطلق، فلو زاد عليها بنية التبرد أو مع قطع نية الوضوء عنها لم يكره. اه.
(قوله: وتحرم) أي الزيادة. وهذا كالتقييد لكراهة الزيادة، أي محل الكراهة في
الزيادة ما لم تكن من ماء موقوف، وإلا حرمت لانها غير مأذون فيها. وقوله: على
التطهر أي المتطهر، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي أنه موقوف على من يريد أن يتطهر
به. (قوله: يأخذ الشاك أثناء الوضوء) سيأتي مقابله. وقوله: في استيعاب أي استيعاب
غسل عضوه، أي شك هل كمل غسله أم لا ؟ فيجب تكميله عملا بالاحوط. وتقدم عن الشارح
في مبحث الترتيب أنه نقل عن شيخه أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو
بعضه لم تلزمه. وإن كان قبل فراغ الوضوء، فتنبه له. (قوله: أو عدد) أي أو الشاك في
عدد، كأن شك هل غسل ثلاثا أو اثنين ؟ فيأخذ بالاقل احتياطا ويأتي بثالثة. ولا
يقال: ربما تكون رابعة فيكون بدعة، وتركه سنة أهون من ارتكاب بدعة. لانا نقول: محل
كونها بدعة إذا تيقن أنها رابعة. (قوله: باليقين) متعلق بيأخذ. (قوله: وجوبا في
الواجب) كما إذا شك في الغسلة الاولى أو في استيعابها العضو وقوله: وندبا في
المندوب كما إذا شك في الغسلة الثانية أو الثالثة. (قوله: ولو في الماء الموقوف)
غاية في الاخذ باليقين. (قوله: وتيامن) أي وسن تيامن. (قوله: في اليدين والرجلين)
أي فقط، أما غيرهما فيطهر دفعة واحدة كالكفين والخدين والاذنين. (قوله: ولنحو
أقطع) معطوف على محذوف تقديره: وتيامن في اليدين والرجلين لغير نحو أقطع ولنحو
أقطع. أي وتيامن لنحو أقطع في كل الاعضاء. وقوله: في جميع أعضاء وضوئه أي إن توضأ
بنفسه كما هو ظاهر. اه تحفة. (قوله: وذلك) أي كون التيامن سنة ثابت لانه (ص) إلخ.
(قوله: وشأنه كله) أي حاله كله. وعطفه على تطهره من عطف العام على الخاص. (قوله:
أي مما هو من باب التكريم) تخصيص لعموم قوله وشأنه كله، أي مما يطلب التيامن في
الامور التي ليس فيها إهانة، بل فيها شرف
[ 66 ]
وتكرمة،
كالاكل والشرب والاكتحال والتقليم وحلق الرأس والخروج من الخلاء. أما ما فيه إهانة
فيطلب له اليسار، كما سيأتي. واختلفوا فيما ليس فيه إهانة ولا تكرمة، هل يطلب فيه
التيامن أو لا ؟ وذكر الشنواني أن المعتمد الثاني. وذكر في التحفة أنه يلحق بما
فيه تكرمة، أي فيكون باليمين. (قوله: ويكره تركه) أي ترك التيامن. (قوله: ويسن
التياسر في ضده) أي ضد ما هو من باب التكريم. (قوله: وهو) أي الضد. (قوله: ويسن
البداءة بغسل أعلى وجهه) أي لكونه أشرف، ولكونه محل السجود، وللاتباع. وقوله:
وأطراف يديه ورجليه عبارة بافضل مع شرحه لابن حجر: والبداءة في غسل اليد والرجل -
أي كل يد ورجل - بالاصابع إن صب على نفسه، فإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب.
هذا ما في الروضة، لكن المعتمد ما في المجموع وغيره من أن الاولى البداءة بالاصابع
مطلقا. اه. إذا علمت ذلك فالمراد من الاطراف الاصابع. (قوله: وإن صب عليه غيره)
غاية في سنية البداءة بغسل ما ذكر، وهي للرد على ما في الروضة. (وقوله: وأخذ الماء
إلخ) أي ويسن أخذ الماء ونقله إلى الوجه بكفيه معا. (قوله: ووضع ما يغترف منه) أي
الاناء الذي يغترف منه، كقدح. وقوله: عن يمينه متعلق بوضع، وذلك لان الاغتراف منه
حينئذ أمكن له. (قوله: وما يصب منه عن يساره) أي ويسن وضع الاناء الذي يصب منه -
كإبريق - عن يساره، أي لان الصب حينئذ أمكن له. (قوله: وولاء) أي ويسن ولاء، وهو مصدر
وإلى يوالي: إذا تابع بين الشيئين فأكثر. (قوله: بين أفعال وضوء السليم) أي بين
الغسلات للاعضاء في وضوء السليم. وهو صادق بصورتين: بالموالاة بين الاعضاء في
تطهيرها، وبالموالاة بين غسلات العضو الواحد الثلاث. وتصوير الشارح بقوله: بأن
يشرع إلخ، قاصر على الصورة الاولى. وبقي صورة ثالثة مستحبة أيضا وهي: الموالاة بين
أجزاء العضو الواحد. (قوله: بأن يشرع إلخ) أي مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص نفسه
والزمان والمكان، ويقدر الممسوح مغسولا. وإذا ثلث فالعبرة في موالاة الاعضاء بآخر
غسلة. ولا يحتاج التفريق الكثير إلى تجديد نية عند عزوبها لان حكمها باق. (قوله:
للاتباع) علة لسنية الولاء. (قوله: وخروجا من خلاف من أوجبه) وهو الامام مالك،
وأوجبها القديم عندنا أيضا مستدلا بخبر أبي دواد: أنه (ص) رأى رجلا يصلي وفي ظهر
قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره (ص) أن يعيد الوضوء. وأجابوا عنه بأن
الخبر ضعيف مرسل. قال في المغني: ودليل الجديد ما روي: أنه (ص) توضأ في السوق فغسل
وجهه ويديه ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة فأتى المسجد فمسح خفيه وصلى عليها. قال
الشافعي: وبينهما تفريق كثير. اه. (قوله: ويجب لسلس) أي ويجب الولاء في الوضوء
لسلس، تقليلا للحدث. ويجب أيضا عند ضيق الوقت، لكن لا على سبيل الشرطية. فلو لم
يوال حينئذ حرم عليه مع الصحة. (قوله: وتعهد عقب) أي ويسن تعهد عقب، أي تفقده
والاعتناء به عند غسله، خصوصا في الشتاء. فقد ورد: ويل للاعقاب من النار. قال
النووي: معناه: ويل لاصحاب الاعقاب المقصرين في غسلها. (قوله: وموق) أي وتعهد موق.
قال في المختار: هو بالهمز من مأق. (قوله: ولحاظ) أي وتعهد لحاظ، وهو بفتح اللام،
وأما بكسرها فهو مصدر لاحظ. (قوله: بسبابتي شقيهما) متعلق بتعهد بالنسبة للموق
واللحاظ. ولعل في العبارة قلبا، والاصل: بشق سبابتيه. ثم وجدت في بعض نسخ الخط:
بسبابتيه شقيهما. وهي أولى، وعليه يكون شقيهما بدل بعض من كل. (قوله: ومحل ندب
تعهدهما) أي الموق واللحاظ. (قوله: رمص) قال في القاموس: الرمص محركة: وسخ أبيض
يجتمع في الموق. اه. وقوله:
[ 67 ]
في الموق
أي أو اللحاظ، أو المراد بالموق وما يشمله، ومثل الرمص نحو الكحل من كل ما له جرم.
(قوله: يمنع إلخ) الجملة صفة لرمص. وقوله: إلى محله أي محل الرمص من الموق أو
اللحاظ. (قوله، وإلا) أي بأن كان فيهما ذلك. وقوله: فتعهدهما واجب أي فغسلهما
واجب. قال ع ش: ولا تتأتى ذلك إلا بإزالة ما فيهما من الرمص ونحوه، فيجب إزالته،
كما تقدم في غسل الوجه. لكن ينبغي أنه لو لم تتأت إزالة ما فيهما - كالكحل ونحوه -
إلا بضرر أنه يعفى عنه حيث استعمل الكحل لعذر كمرض أو للتزيين ولم يغلب على ظنه
إضرار إزالته. اه. (قوله: يكره للضرر) أي إن توهم الضرر، فإن تحققه حرم. (قوله:
وإنما يغسل) أي باطن العين. وقوله: لغلظ أمر النجاسة أي بدليل أنها تزال عن الشهيد
إذا كانت من غير دم الشهيد. (قوله: واستقبال القبلة) أي ويسن استقبالها. قال
الكردي: فإن اشتبهت عليه تحرى ندبا، كما في الايعاب. اه وقوله: في كل وضوئه قال
ابن حجر: حتى في الذكر بعده لانها أشرف الجهات. اه. (قوله: وترك تكلم) أي ويسن
ترك تكلم. (قوله: في أثناء وضوئه) أي في خلال وضوئه. وعبارة المنهج القويم: وأن لا
يتكلم في جميع وضوئه. اه. قال الكردي: قال في الايعاب: حتى في الذكر بعده. (قوله:
بلا حاجة) أي بلا احتياج للكلام، أما معها كأمر بمعروف ونهي عن منكر فلا يتركه، بل
قد يجب الكلام، كما إذا رأى نحو أعمى يقع في بئر. (قوله: بغير ذكر) متعلق بتكلم،
أي ويسن ترك التكلم بغير ذكر، أما الذكر فلا يسن ترك التكلم به. قوله: ولا يكره
سلام عليه) أي ولا يكره على غير المتوضئ أن يسلم عليه. (قوله: ولا منه) أي ولا
يكره صدور السلام منه ابتداء. وقوله: ولا رده أي ولا يكره على المتوضئ رد السلام
إذا سلم عليه. وفي ع ش ما نصه: سئل شيخ الاسلام: هل يشرع السلام على المشتغل
بالوضوء وليس له الرد أو لا ؟. فأجاب: بأن الظاهر أنه يشرع السلام عليه ويجب عليه
الرد. اه. وهذا بخلاف المشتغل بالغسل لا يشرع السلام عليه، لان من شأنه أنه قد
ينكشف منه ما يستحي من الاطلاع عليه فلا تليق مخاطبته حينئذ. اه. (قوله: وترك
تنشيف) أي ويسن ترك تنشيف - وهو أخذ الماء بنحو خرقة - وذلك لانه يزيل أثر العبادة
فهو خلاف السنة لانه (ص) رد منديلا جئ به إليه لاجل ذلك عقب الغسل من الجنابة.
(وقوله: بلا عذر) أما بالعذر، كبرد أو خشية التصاق نجس به أو لتيمم عقبه، فلا يسن
تركه بل يتأكد فعله. اه تحفة. وقال الرملي: بل يجب إذا خشي وقوع النجس عليه ولا
يجد ما يغسله به. اه. (قوله: والشهادتان عقبه) أي ويسن الشهادتان عقبه، أي
الوضوء. (قوله: بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا) أي فيما يظهر، نظير سنة الوضوء
الآتية. ثم رأيت بعضهم قال: ويقول فورا قبل أن يتكلم. اه. ولعله بيان للاكمل. اه
تحفة. (قوله: فيقول) أي المتوضئ. وقوله: مستقبلا إلخ أي حال كونه مستقبلا للقبلة،
أي بصدره كما في الصلاة. وقوله: رافعا يديه أي كهئية الداعي، حتى عند قوله: أشهد
أن لا إله إلا الله. ولا يقيم السبابة خلافا لما يفعله ضعفة الطلبة. وقوله: وبصره
إلى السماء أي ورافعا بصره إلى السماء. وقوله: ولو أعمى غاية في رفع البصر. أي
فيسن رفع محل بصره إلى السماء كما يسن إمرار الموسى على الرأس الذي لا شعر به.
(قوله: فتحت له أبواب الجنة) أي إكراما له. وإلا فمعلوم أنه لا يدخل إلا من واحد،
وهو ما سبق في علمه تعالى دخول منه. ع ش. (قوله: سبحانك) مصدر جعل علما للتسبيح،
وهو براءة الله من السوء، أي اعتقاد تنزيهه عما
[ 68 ]
لا يليق
بجلاله. اه تحفة. (قوله: وبحمدك) الواو إما عاطفة جملة أي وسبحتك حالة كوني
متلبسا بحمدك، أو زائدة. والجار والمجرور حال من فاعل الفعل النائب عنه المصدر.
(قوله: كتب) أي هذا اللفظ ليبقى ثوابه. قال ع ش: ويتجدد ذلك بتعدد الوضوء لان
الفضل لا حجر عليه. فإذا قالها ثلاثا عقب الوضوء كتب عليه ثلاث مرات وما ذلك على
الله بعزيز. اه بجيرمي. (قوله: في رق) هو بفتح الراء. وقال في القاموس: وتكسر:
جلد رقيق يكتب فيه. اه. (قوله: لم يتطرق إليه إبطال) قال الكردي: لعل فيه من
الفوائد أن قائل ذلك يحفظ عن الردة، إذ هي التي تبطل العمل أو ثوابه بعد ثبوته. اه.
(قوله: ويقرأ إنا أنزلناه ثلاثا) لما أخرجه الديملي، أن من قرأها في أثر وضوئه مرة
واحدة كان من الصديقين، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء، ومن قرأها ثلاثا
حشر مع الانبياء. وقوله: كذلك أي مستقبلا للقبلة. وقوله: بلا رفع يد أي وبصر. ويسن
بعد قراءة السورة المذكورة: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك في رزقي،
ولا تفتني بما زويت عني. اه ع ش. (قوله: وأما دعاء الاعضاء، إلخ) وهو أن يقول عند
غسل كفيه: اللهم احفظ يدي عن معاصيك. وعند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك.
وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة. وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم
تبيض وجوه وتسود وجوه. وعند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني
حسابا يسيرا. وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري.
وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار. وعند مسح الاذنين: اللهم اجعلني
من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وعند غسل رجليه: اللهم ثبت قدمي على الصراط
يوم تزل الاقدم. (قوله: فلا أصل له) أي في الصحة، وإلا فقد روي عنه (ص) من طرق
ضعيفة في تاريخ ابن حبان وغيره، ومثله يعمل به في فضائل الاعمال. (فائدة) قال
القيصري: ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل كفيه تطهيرهما من تناول ما يبعده عن الله
تعالى، ونفضهما مما يشغله عنه. وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالاقوال
الخبيثة. وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوبة. وبتخليل الشعر حله من أيدي ما
يهلكه ويهبطه من أعلى عليين إلى أسفل سافلين. وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى
اتباع الهوى، ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله. وبتطهيره الانف تطهيره من
الانفة والكبر. وبغسل العين التطهر من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع
أو ضر. وبغسل اليدين تطهيرهما من تناول ما يبعده عن الله. وبمسح الرأس زوال الترأس
والرياسة الموجبة للكبر، وبغسل القدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع
الهوى، وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز برضا
الكبير المتعال. وبما ذكر يصلح الجسد للوقوف بين يدي الله تعالى الملك القدوس.
(قوله: وقال: حسن) أي من جهة المعنى. وقوله: غريب أي من جهة النقل، وهو ما انفرد
بروايته راو واحد. كما قال في البيقونية:
[ 69 ]
وقل غريب
ما روى راو فقط قال في شرحها: وسمي بذلك لانفراد راويه عن غيره، كالغريب الذي شأنه
الانفراد عن وطنه. (قوله: وشربه) أي ويسن شر به. وقوله: من فضل وضوئه بفتح الواو:
اسم للماء الذي توضأ به. (قوله: ويسن رش إزاره) أي أو سراويله. وقوله: به أي بفضل
وضوئه. (قوله: أي إن توهم حصول مقذر له) أي يسن ذلك إن توهم حصول مقذر له، كرشاش
تطاير إليه، دفعا للوسواس. ولذلك قالوا: يسن للمتوضئ الجلوس بمحل لا يناله فيه
رشاش من الماء. قال الشرقاوي: لانه مستقذر غالبا، ولانه ربما أورث الوسواس. اه.
(قوله: وعليه) أي وعلى توهم حصول مقذر له. وقوله: به أي بفضل وضوئه، وهو متعلق
برش. قوله: وركعتان بعد الوضوء أي وتسن ركعتان بعده، لما روي: أنه (ص) دخل الجنة
فرأى بلالا فيها فقال له: بم سبقتني إلى الجنة ؟ فقال بلال: لا أعرف شيئا، إلا أني
لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقبه ركعتين وسيأتي إن شاء الله في فصل في صلاة النفل مزيد
بسط في الكلام عليهما. (قوله: أي بحيث تنسبان إليه عرفا) تقييد للبعدية، أي أن محل
الاعتداد بهما وحصول الثواب عليهما إذا صليا بعده أن ينسبا إلى ذلك الوضوء في
العرف. (قوله: فتفوتان) أي ركعتا الوضوء. وقوله: بطول الفصل أي بين الوضوء
وبينهما. قال في التحفة في باب صلاة النفل: وهو أوجه. ويدل له قول الروضة: ويستحب
لمن توضأ أن يصلي عقبه. اه. (قوله: وعند بعضهم بالاعراض) أي تفوتان بقصد الاعراض
عنهما، ولو لم يطل الفصل. (قوله: وبعضهم بجفاف الاعضاء) أي وعند بعضهم تفوتان
بجفاف أعضاء الوضوء. فمتى لم تجف أعضاؤه له أن يصليهما، ولو طال الفصل. (قوله:
وقيل: بالحدث) أي تفوتان به. فمتى لم يحدث له أن يصليهما، ولو طال الفصل عرفا.
(قوله: يحرم التطهر بالمسبل للشرب) أي أو بالماء الغصوب، ومع الحرمة يصح الوضوء.
(قوله: وكذا بماء جهل حاله) أي وكذلك يحرم التطهر بماء لم يدر هل هو مسبل للشرب أو
للتطهر. وسيذكر الشارح في باب الوقف أنه حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف
المطرد في زمنه لانه بمنزلة شرط الواقف. قال: ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة
غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب. ثم قال: وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي
والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب أو للموضوء أو
الغسل الواجب أو المسنون أو غسل النجاسة ؟. فأجاب: أنه إذا دلت قرينة على أن الماء
موضوع لتعميم الانتفاع جاز جميع ما ذكر، من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة
وغيرها. ومثال القرينة جريان الناس على تعميم الانتفاع بالماء من غير نكير من فقيه
وغيره، إذ الظاهر من عدم النكير أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب
ووضوء وغسل نجاسة، فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز. وقال: إن فتوى العلامة عبد الله
بامخرمة يوافق ما ذكره. اه. (قوله: وكذا حمل شئ إلخ) أي وكذلك يحرم نقل شئ من
الماء المسبل للتطهر أو للشرب إلى غير محله، ولو للشرب كما علمت. (قوله: وليقتصر
إلخ) كالتقييد لما تقدم من المضمضة والاستنشاق والاتيان بسائر السنن. (قوله: على
غسل أو مسح)
[ 70 ]
يقرآن
بالتنوين. (قوله: فلا يجوز تثليث) أي في غسل الاعضاء. (قوله: ولا إتيان سائر
السنن) أي ولا يجوز الاتيان بسائر السنن، أي الفعلية: كالمضمضة والاستنشاق،
والقولية: كالاذكار الواردة، قبله أو بعده، لكن محل هذا بالنسبة لضيق الوقت فقط.
(قوله: لضيق وقت عن إدراك الصلاة كلها فيه) أي بأن لم يدركها رأسا، أو بعضها، في
الوقت. فضيق الوقت عن إدراكها كلها فيه صادق بصورتين. والحاصل المراد أنه ثلث، أو
أتى بالسنن كلها، لخرج جزء من الصلاة عن وقتها، فيجب عليه حينئذ ترك التثليث وترك
الاتيان بالسنن. (قوله: لكن أفتى إلخ) أي لكن يشكل على ما ذكره هنا إفتاء البغوي
نفسه في الصلاة بأنه يأتي بجميع سننها ولو خرج جزء منها عن وقتها بسبب ذلك، بل ولو
لم يدرك ركعة فيه. وقوله: وقد يفرق إلخ أي بفرق بين ما هنا وبين ما ذكره هناك،
بأنه هنا لم يشتغل بالمقصود، وهناك اشتغل بالمقصود الذي هو الصلاة، فاغتفر الاخراج
هناك ولم يغتفر هنا. (قوله: كما لو مد في القراءة) أي كما لو طول في قراءة السورة
بحيث خرج الوقت وهو لم يدرك ركعة فيه فإنه لا يحرم. (قوله: أو قلة ماء) معطوف على
ضيق وقت. وقوله: بحيث لا يكفي إلا الفرض تصوير لقلة ماء. (قوله: إن ثلث) قيد لعدم
كفايته. (قوله: أو أتى السنن) أي بالسنن التي تحتاج إلى ماء، كمضمضة واستناق ومسح
الاذنين وغير ذلك. (قوله: أو احتاج إلخ) أي أو كان معه ماء يكفيه لذلك مع التثليث
والاتيان بالسنن، إلا أنه يحتاج إلى الفاضل على الفرض لعطش حيوان محترم. (قوله:
حرم) جواب لو. (قوله: وكذا يقال في الغسل) أي مثل ما قيل في الوضوء يقال في الغسل.
أي فليقتصر فيه على الواجب عند ضيق الوقت، أو قلة الماء، أو الاحتياج إلى الفاضل
لعطش محترم. فلو خالف حرم عليه ذلك. (قوله: وندبا على الواجب) أي وليقتصر ندبا على
الواجب، فهو معطوف على حتما. (قوله: بترك السنن) متعلق بيقتصر المقدر. والباء
للتصوير، أي ويتصور الاقتصار على ذلك بترك السنن. (قوله: لادراك جماعة) قال في شرح
العباب: إنها أولى من سائر سنن الوضوء. كما جزم به في التحقيق. اه كردي. (قوله:
نعم، إلخ) تقييد لندب الاقتصار على الواجب بترك السنن، فكأنه قال: ومحله ما لم تكن
السنة قيل بوجوبها، فإن كانت كذلك قدمت على الجماعة. (قوله: نظير ما مر من ندب
تقديم إلخ) أي لانه قيل بوجوبه. فهذا هو الجامع بين ما هنا وبين ما مر، والله
سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: تتمة) أي في بيان أسباب التيمم وكيفيته وهي أركانه،
وبيان آلته وهي التراب. وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل، وإنما ذكر عقب الوضوء لانه
بدل عنه. والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) *
الآية. وخبر مسلم: جعلت لنا الارض كلها مسجدا وتربتها طهورا. ومعناه في اللغة
القصد، يقال تيممت فلانا أي قصدته. ومنه قوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون) * ومنه قول الشاعر: تيممتكم لما فقدت أولي النهى ومن لم يجد ماء تيمم
بالتراب وفي الشرع إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة، وله أسباب وشروط
وأركان ومبطلات وسنن.
[ 71 ]
وذكر
الشارح الاسباب والاركان وبعض الشروط إجمالا، ولا بد من بيان ذلك تفصيلا، فيقال:
أما الاسباب فشيآن: فقد الماء حسا بأن لم يجده أصلا، أو شرعا بأن وجده مسبلا للشرب
أو وجده بأكثر من ثمن مثله. وخوف محذور من استعمال الماء، بأن يكون به مرض يخاف
معه من استعماله على منفعة عضو، أو يخاف زيادة مدة المرض، أو يخاف الشين الفاحش من
تغير لون ونحول في عضو ظاهر. وفي الحقيقة هذا الثاني يرجع للفقد الشرعي. وأما
الشروط فعشرة: أن يكون بتراب على أي لون كان. وأن يكون طاهرا، فلا يصح بمتنجس. وأن
لا يكون مستعملا في حدث أو خبث. وقد جمع الشارح هذين الشرطين بقوله: طهور وأن لا
يخالطه دقيق ونحوه. وأن يقصده بالنقل لآية: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * أي اقصدوه
بالنقل. فلو فقد النقل كأن سفته عليه الريح فردده لم يكفه. وأن يمسح وجهه ويديه
بنقلتين يحصل بكل منهما استيعاب محله. وأن يزيل النجاسة أولا. وأن يجتهد في القبلة
قبل التيمم، فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الاوجه. وأن يقع التيمم بعد
دخول الوقت. وأن يتيمم لكل فرض عيني ولو نذرا. وأما الاركان فأربعة: نية استباحة
مفتقر إلى التيمم، كصلاة وطواف ومس مصحف. فلا يكفي نية رفع الحدث لان التيمم لا
يرفعه، ولا نية فرض التيمم. قال بعضهم: محله ما لم يضفه لنحو صلاة، ومسح وجهه،
ومسح يده، والترتيب. وعد بعضهم النقل من الاركان، فتكون خمسة. وأما مبطلاته، فكل
ما أبطل الوضوء، وسيأتي بيانه قريبا. ويزاد على ذلك: توهم وجود الماء إن كان قبل
الصلاة، ووجوده فيها إن كانت الصلاة مما لا يسقط فرضها بالتيمم، فإن كانت مما يسقط
فرضها به فلا تبطل. والردة - والعياذ بالله - وأما سننه: فجميع سنن الوضوء مما
يمكن مجيئه هنا إلا التثليث. ويزاد عليها: نزع الخاتم في الضربة الاولى، وأما
الثانية فواجب. وتخفيف التراب من كفيه، وتفريق أصابعه في كل ضربة. وأن لا يرفع يده
على العضو حتى يتم مسحه. (قوله: لفقد ماء) أي حسا أو شرعا. ومن الاول ما إذا حال
بينه وبين الماء سبع، لان المراد بالحسي تعذ الوصول للماء. واستعماله في الحس، كذا
في التحفة. قال سم: واعلم أنه لا قضاء مع الفقد الحسي. اه. ومحل جواز التيمم عند
الفقد: إذا طلبه من رحله ورفقته ونظر حواليه وتردد إن احتاج إلى التردد فلم يجده،
أو تيقن فقد الماء. ولا يحتاج عند التيقن إلى ما ذكر لانه عبث لا فائدة فيه.
وقوله: أو خوف محذور أي كمرض أو زيادته، أو إتلاف عضو أو منفعته. (قوله: بتراب) أي
ولو كان مغصويا لكنه يحرم كتراب المسجد. وخرج بالتراب غيره كنورة وزرنيخ وسحاقة
خزف، ومختلط بدقيق ونحوه. وقوله: طهور خرج به المتنجس والمستعمل. وفي البجيرمي ما
نصه: قال الحكيم الترمذي: إنما جعل التراب طهورا لهذه الامة لان الارض لما أحست
بمولده (ص) انبسطت وتمددت وتطاولت وأزهرت وأينعت، وافتخرت على السماء وسائر
المخلوقات بأنه نبي خلق مني، وعلى ظهري تأتيه كرامة الله، وعلى بقاعي سجد بجبهته،
وفي بطني مدفنه. فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهورا لامته. فالتيمم هدية
من الله تعالى لهذه الامة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الاحوال والازمان. اه.
(قوله: له غبار) خرج به ما لا غبار له كتراب مندى. وأما الرمل فإن كان له غبار
وكان لا يلصق بالعضو صح التيمم به، وإلا فلا. (قوله: وأركانه) أي التيمم. (قوله:
نية استباحة الصلاة) أي ونحوها مما يفتقر إلى طهارة، كطواف وسجود تلاوة وحمل مصحف.
ويصح أن يأتي بالنية العامة كأن يقول:
[ 72 ]
نويت
استباحة مفتقر إلى طهر. وقوله: مقرونة بنقل التراب المراد بالنقل تحويل التراب إلى
العضو الذي يريده ولو من الهواء. ويجب استدامة هذه النية إلى مسح شئ من الوجه، فلو
عزبت قبل مسح منه بطلت لانه المقصود، وما قبله وسيلة وإن كان ركنا. فعلم من كلامهم
بطلانه بعزوبها فيما بين النقل المعتد به والمسح، وهو كذلك، وإن نقل جمع عن أبي
خلف الطبري الصحة واعتمده. اه تحفة. وقوله: وإن نقل جمع إلخ اعتمده في النهاية،
ونصها: قال في المهمات: والمتجه الاكتفاء باستحضارها عندهما - أي عند النقل وعند
المسح - وإن عزبت بينهما. واستشهد له بكلام لابي خلف الطبري، وهو المعتمد.
والتعبير بالاستدامة - كما قاله الوالد - جرى على الغالب لان الزمن يسير لا تعزب
فيه النية غالبا. اه. (قوله: ومسح إلخ) بالرفع، عطف على نية. أي ومن الاركان مسح
وجهه ثم يديه، أي إيصال التراب إليهما ولو بخرقة. ومن الوجه ظاهر لحيته المسترسل
والمقبل من أنفه على شفته. وينبغي التفطن لهذا ونحوه، فإنه كثيرا يغفل عنه. ولا
يجب إيصال التراب إلى منابت الشعر، بل ولا يندب ولو خفيفا، لما فيه من المشقة
بخلاف الماء. (قوله، ولو تيقن ماء) المراد بالتيقن هنا الوثوق بحصول الماء بحيث لا
يتخلف عادة لا ما ينتفي معه احتمال عدم حصول الماء عقلا. وقوله: فانتظاره أفضل أي
من تعجيل التيمم، لان التقديم مستحب. والوضوء من حيث الجملة فرض فثوابه أكثر. وقوله:
وإلا أي وإن لم يتقين وجوده فتعجيل التيمم أفضل، لان فضيلة أول الوقت محققة بخلاف
فضيلة الوضوء. (قوله: وإذا امتنع استعماله) أي حرم شرعا استعماله، أي الماء، بأن
علم أنه يضره بإخبار طبيب عدل بذلك، أو علمه هو بالطب. (قوله: وجب تيمم) أي لئلا
يخلو محل العلة عن الطهارة، فهو بدل عن طهارته. (قوله: وغسل صحيح) بالاضافة، وذلك
الخبر: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ويجب أن يتلطف في غسل الصحيح
المجاور للعليل بوضع خرقة مبلولة بقربه، ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما
حواليه من غير أن يسيل الماء إليه. (قوله: ومسح كل الساتر) أي بدلا عما أخذه من
الصحيح، ومن ثم لو لم يأخذ شيئا أو أخذ شيئا وغسله لم يجب مسحه على المعتمد. اه
شوبري. ولا يجزئه مسح بعض الساتر لانه أبيح لضرورة العجز عن الاصل، فيجب فيه
التعميم، كالمسح في التيمم. والساتر كجبيرة، وهي أخشاب أو قصب تسوى وتشد على موضع
الكسر ليلتحم، وكلصوق ومرهم وعصابة. وقوله: الضار نزعه أي بأن يلحقه في نزعه ضرر
كمرض أو تلف عضو أو منفعة. أما إذا أمكن نزعه من غير ضرر يلحقه فيجب. قال في
التحفة: ويظهر أن محله إن أمكن غسل الجرح، أو أخذت بعض الصحيح، أو كانت بمحل
التيمم وأمكن مسح العليل بالتراب، وإلا فلا فائدة في نزعه. اه. وقوله: بماء متعلق
بمسح، وخرج به التراب فلا يمسح به لانه ضعيف فلا يؤثر من وراء حائل، بخلاف الماء
فإنه يؤثر من ورائه في نحو مسح الخف. اه نهاية. واعلم أن الساتر إن كان في أعضاء
التيمم وجبت إعادة الصلاة مطلقا لنقص البدل والمبدل جيمعا، وإن كان في غير أعضاء
التيمم فإن أخذ من الصحيح زيادة على قدر الاستمساك وجبت الاعادة، سواء وضعه على
حدث أو وضعه على طهر. وكذا تجب إن أخذ من الصحيح بقدر الاستمساك ووضعه على حدث،
وإن لم يأخذ من الصحيح شيئا لم تجب الاعادة، سواء وضعه على حدث أو على طهر. وكذا
لا تجب إن أخذ من الصحيح بقدر الاستمساك ووضعه على طهر. وقد نظم بعضهم ذلك فقال:
ولا تعدو الستر قدر العلة أو قدر الاستمساك في الطهارة وإن يزد عن قدرها فأعدو
مطلقا وهو بوجه أو يد (قوله: ولا ترتيب بينهما لجنب) أي بين التيمم وغسل الصحيح،
وذلك لان بدنه كالعضو الواحد. ومثل الجنب الحائض والنفساء، فالجنب في كلامه إنما
هو مثال لا قيد، أي فله أن يتيمم أولا عن العليل ثم يغسل الصحيح، وله أن يغسل أولا
الصحيح من بدنه ثم يتيمم عن العليل، لكن الاولى تقديم التيمم ليزيل الماء أثر
التراب. وخرج بالجنب
[ 73 ]
المحدث
حدثا أصغر فلا يتيمم إلا وقت غسل العليل لاشتراط الترتيب في طهارته، فلا ينتقل عن
عضو حتى يكمله غسلا وتيمما عملا بقضية الترتيب. فإذا كانت العلة في اليد فالواجب
تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه. ولا ترتيب بين التيمم عن عليله
وغسل صحيحه، فله أن يتيمم أولا عن العليل ثم يغسل الصحيح من ذلك العضو، وهو
الاولى، ليزيل الماء أثر التراب كما تقدم. وله أن يغسل صحيح ذلك العضو أولا ثم
يتيمم عن عليله. (قوله: أو عضوين) معطوف على قوله في عضو. أي أو امتنع استعماله في
عضوين. وقوله: فتيممان أي يجبان عليه. ومثل ذلك ما إذا امتنع استعماله في ثلاثة
أعضاء فإنه يجب عليه ثلاثة تيممات، هكذا. والحاصل أن التيمم يتعدد بعدد الاعضاء إن
وجب فيها الترتيب ولم تعمها الجراحة، فإن امتنع استعمال الماء في عضوين وجب
تيممان، أو ثلاثة فثلاث، أو في أربعة وعمت الجراحة الرأس فأربع. فإن بقي من الرأس
جزء سليم وجب مسحه مع ثلاثة تيممات. فإن وجدت الجراحة في الاعضاء التي لا ترتيب
فيها كاليدين والرجلين لم يجب تعدده، بل يندب فقط. وإن عمت الجراحة جميع الاعضاء
أجزأ عنها تيمم واحد. واعلم أن هذا في المحدث، وأما نحو الجنب فيكفيه تيمم واحد
ولو وجدت الجراحة في جميع الاعضاء. (قوله: ولا يصلي به) أي بالتيمم. وقوله: إلا
فرضا واحدا أي إذا نوى استباحة الفرض، وأما إذا نوى استباحة النفل فلا يصلي غيره.
والحاصل المراتب ثلاث: المرتبة الاولى: فرض الصلاة ولو منذورة، وفرض الطواف كذلك،
وخطبة الجمعة لانها منزلة منزلة ركعتين فهي كصلاتها عند الرملي. المرتبة الثانية:
نفل الصلاة، ونفل الطواف، وصلاة الجنازة لانها وإن كانت فرض كفاية فالاصح أنها
كالنفل: المرتبة الثالثة: ما عدا ذلك، كسجدة التلاوة والشكر وقراءة القرآن ومس
المصحف وتمكين الحليل. فإذا نوى واحد من المرتبة الاولى استباح واحدا منها، ولو
غير ما نواه استباح معه جميع الثانية والثالثة. وإذا نوى واحدا من الثانية استباح
جميعها وجميع الثالثة دون شئ من الاولى. وإذا نوى شيئا من الثالثة استباحها كلها
وامتنعت عليه الاولى والثانية. (قوله: ونواقضه. إلخ) أخر المصنف النواقض عن الوضوء
نظرا إلى أن الوضوء يوجد أولا ثم تطرأ عليه. وبعض الفقهاء قدمها عليها نظرا إلى أن
الانسان يولد محدثا، أي في حكم المحدث، بمعنى أنه يولد غير متطهر. واعترض التعبير
بالنواقص بأن النقض إزالة الشئ من أصله. تقول: نقضت الجدار، إذا أزلته من أصله.
فيقتضي التعبير بالنواقض أنها تزيل الوضوء من أصله فيلزم بطلان الصلاة الواقعة به.
وأجيب بأن المراد بها الاسباب التي ينتهي بها الطهر، وهي الاحداث. فتفسير الشارح
لها بالاسباب إشارة لدفع هذا الاعتراض، لكن يعكر عليه إضافة الاسباب لها فإنها
تقتضي المغايرة، إلا أن تجعل الاضافة بيانية. ولو قال: أي الاسباب التي يبطل بها
الوضوء لكان أولى. (قوله: أربعة) أي فقط. وهي ثابتة بالادلة. وعلة النقض بها غير
معقولة فلا يقاس عليها غيرها. (قوله: أحدها) أي الاربعة. (قوله: خروج شئ) خرج
الدخول فلا ينقض. ولو رأى على ذكره بللا لم ينتقض وضوءه إن احتمل طروه من خارج،
فإن لم يحتمل ذلك انتقض. كما لو خرجت منه رطوبة وشك أنها من الظاهر أو الباطن
فإنها لا تنقض، كما نص عليه ابن حجر في شرح الارشاد الكبير. (قوله: غير منيه) أي
مني الشخص نفسه وحده الخارج أول مرة، أما هو فلا ينقض، كأن احتلم متوضئ وهو ممكن
مقعدته لانه أوجب أعظم الامرين وهو الغسل. أما لو خرج منه مني غيره. ولو مع منيه.
أو مني نفسه وحده ثانيا، بأن أدخله في قصبة ذكر ثم خرج منه، فينتقض وضوءه. (قوله:
عينا كان إلخ) تعميم في الشئ الخارج. وبقي عليه تعميمات أخر، وهي: سواء خرج طوعا
أو كرها، عمدا أو سهوا. (قوله: معتادا) المراد به ما يكثر وقوعه بأن يخرج على
العادة. والنادر بخلافه، وهو ما لا يكثر وقوعه بأن يخرج على خلاف العادة. (قوله:
كدم باسور) أي داخل الدبر، فلو خرج الباسور ثم توضأ ثم خرج منه دم فلا نقض. وكذا
لو خرج من الباسور النابت خارج الدبر. وقوله: أو غيره أي غير دم الباسور. كمقعدة
المزحور إذا خرجت، فلو توضأ حال
[ 74 ]
خروجها
ثم أدخلها لم ينتقض، وإن اتكأ عليها بقطنة حتى دخلت، ولو انفصل على تلك القطنة شئ
منها لخروجه حال خروجها. اه تحفة. (قوله: انفصل) أي ذلك الخارج كله من أحد
السبيلين. وقوله: أو لا أي أو لم يفصل كله، بأن انفصل بعضه وبقي بعضه، فإنه ينقض.
ومحله في غير ولد ظهر بعضه واستتر بعضه فإنه لا يحكم بالنقض به لاحتمال أن يخرج
جميع الولد فيجب الغسل. (قوله: كدودة أخرجت رأسها) تمثيل لقوله أو لا: ومثلها
باسور خرج من الدبر أو زاد خروجه كما سيذكره. (قوله: ثم رجعت) عبارة فتح الجواد:
وإن رجعت. اه. وهي تفيد أن الرجوع ليس بقيد. (قوله: من أحد إلخ) متعلق بخروج.
وقوله: سبيلي المتوضئ هما القبل والدبر. وسميا بذلك لان كلا منهما سبيل، أي طريق
لخروج الخارج منه. ولو أبدل المتوضئ بالشخص لكان أولى ليشمل الحدث الذي لا يكون
عقب وضوء، كالمولود فإنه يقال له محدث من حين الولادة مع أنه لم يسبق منه طهر.
ولعله قيد بذلك نظرا للناقض بالفعل. وقوله: الحي خرج به الميت، فلا تنتقض طهارته
بخروج شئ منه، وإنما تجب إزالة النجاسة عنه فقط. وكان عليه أن يزيد في كلامه
الواضح ليخرج الخنثى المشكل، فإنه إن خرج من فرجيه جميعا نقض لتحقق الخروج من
الاصلي، وإلا فلا. (قوله دبرا كان) أي ذلك الاحد الذي خرج منه الخارج. وقوله: أو
قبلا معطوف على دبرا، ولا فرق بين أن يتعدد كل منهما، كأن وجد له دبران أصليان، أو
أحدهما أصلي والآخر زائد، واشتبه أو تميز وسامت أو لم يتعدد. (قوله: ولو كان، إلخ)
غاية في النقض بخروج ما ذكر. (قوله: نابتا داخل الدبر) تصريح بما علم من قوله
الخارج، أي من الدبر، فإنه يفهم أنه كان داخلا ثم خرج. (قوله: فخرج) أي كله.
وقوله: أو زاد خروجه أي بأن خرج منه قبل الوضوء شئ ثم بعده زاد خروجه، فإنه ينقض
الوضوء (قوله: لكن أفتى، إلخ) استدراك على الغاية. (قوله: بل بالخارج منه) أي بل
أفتى بالنقض بالشئ الذي خرج من الباسور. وقوله: كالدم تمثيل للخارج منه. (قوله:
بالنادر) أي بالخارج، إذا كان خروجه على سبيل الندور. (قوله: وثانيها) أي ثاني
نواقض الوضوء. (قوله: زوال عقل) هو صفة يميز بها بين الحسن والقبيح. وقيل: غريزة
يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات. ومحله القلب، وله شعاع متصل بالدماغ.
وهو أفضل من العلم لانه منبعه وأسه، والعلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤية
من العين. وقيل: العلم أفضل منه لاستلزامه له، ولان الله يوصف بالعلم لا بالعقل.
ولذلك قال بعض الاكابر حاكيا لذلك عن لسان حالهما. علم العليم وعقل العاقل اختلفا
من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا فالعلم قال: أنا أحرزت غايته والعقل قال: أنا
الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصاحا وقال له بأينا الله في فرقانه اتصفا فبان للعقل
أن العلم سيده فقبل العقل رأس العلم وانصرفا وقوله: أي تمييزا إنما فسره به لانه
هو الذي يزيله السكر والمرض، والاغماء بخلافه. بمعنى الصفة الغريزية فإنه لا يزيله
ذلك، وإنما يزيله الجنون فقط. (قوله: بسكر) متعلق بزوال، وهو خبل في العقل مع طرب
واختلال نطق. وقوله: أو جنون هو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة
في الاعضاء. وقوله: أو إغماء هو مرض يزيل الشعور مع فتور الاعضاء ومنه ما يقع في
الحمام، وإن قل فينقض الوضوء، فليتنبه له فإنه يغفل عنه كثير من الناس. وقوله: أو
نوم هو استرخاء أعصاب الدماغ بسبب رطوبة الابخرة الصاعدة من المعدة. وقال الغزالي:
الجنون يزيل العقل، والاغماء يغمره، والنوم يستره. واستثنى من النوم نوم الانبياء
فلا نقض به، وكذا بإغمائهم، وهو جائز عليهم لانه مرض، لكنه ليس كالاغماء الذي يحصل
لآحاد الناس، وإنما هو من غلبة الاوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب، لانه إذا
حفظت قلوبهم من النوم الذي هو أخف من الاغماء، كما ورد في حديث: تنام أعيننا ولا
تنام قلوبنا فمن الاغماء
[ 75 ]
أولى
لشدة منافاته للتعلق بالرب سبحانه وتعالى. وأما الجنون فلا يجوز عليهم لانه نقص.
(قوله: للخبر الصحيح) هو دليل للانتقاض بزوال العقل بالنوم، وأما غيره من السكر
والجنون والاغماء فيقاس عليه قياسا أولويا. (قوله: فمن نام فليتوضأ) أول الحديث:
العينان وكاء السه فمن نام... إلخ. قال في شرح المنهج: وغير النوم مما ذكر أبلغ
منه في الذي هو مظنة لخروج شئ من الدبر. كما أشعر بها - أي بالمظنة - الخبر، إذ
السه الدبر، ووكاؤه حفاظه عن أن يخرج منه شئ لا يشعر به، والعينان كناية عن
اليقظة. اه. وقوله: والعينان إلخ معناه أن اليقظة للدبر كالوكاء للوعاء يحفظ ما
فيه. (قوله: وخرج بزوال العقل النعاس) هو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ فتغطي
العين ولا تصل إلى القلب، فإن وصلت إليه كان نوما. (قوله: وأوائل نشوة السكر) أي
أوائل مقدمات السكر. وهي بالواو على الافصح. بخلاف نشأة الصبا فإنها بالهمزة لا
غير. (قوله: فلا نقض بهما) أي بالنعاس وأوائل نشوة السكر، وذلك لبقاء نوع من
التمييز معهما. (قوله: كما إذا شك إلخ) أي فإنه لا نقض به. وقوله: أو نعس قال في
شرح الروض: بفتح العين. (قوله: وإن لم يفهمه) الواو للحال، وإن زائدة. أي: والحال
أنه لم يفهمه. ولو جعلت للغاية لافادت أنه لا فرق بين أن يفهمه أم لا، ولا يصح ذلك
لانه إذا فهمه يكون يقظان لا غير. (قوله: لا زواله بنوم إلخ) أي لا يكون زوال
العقل بنوم من ذكر ناقضا للوضوء لامن خروج شئ حينئذ من دبره. ولا عبرة باحتمال
خروج ريح من قبله لانه نادر، ولقول أنس رضي الله عنه: كان أصحاب رسول الله (ص)
ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن. رواه مسلم. وفي رواية لابي دواد: ينامون حتى تخفق
رؤوسهم الارض. وحمل على نوم الممكن جمعا بين الاخبار. (قوله: قاعد) قال سم:
التقييد بالقاعدة الذي زاده. قد يرد عليه أن القائم قد يكون ممكنا، كما لو انتصب
وفرج بين رجليه. وألصق المخرج بشئ مرتفع إلى حد المخرج، ولا يتجه إلا أن هذا تمكن
مانع من النقض فينبغي الاطلاق، ولعل التقييد بالنظر للغالب. اه ع ش. (قوله: ممكن)
أي ولو احتمالا. وخرج به ما لو نام قاعدا غير متمكن، أو نام قائما، أو نام على
قفاه، ولو متمكنا بأن ألصق مقعد بمقره. (قوله: أي ألييه) بفتح الهمزة تثنية ألية،
وحذفت التاء في التثنية، وهو تفسير للمقعد. (قوله: من مقره) متعلق بممكن. والمراد
به ما يشمل الارض وغيرها. (قوله: وإن استند) أي الممكن. وهو غاية لعدم الانتقاض
بزوال العقل بنوم من ذكر. وقوله: لما لو زال سقط أي لشئ، كعمود، لو زال ذلك الشئ
لسقط ذلك المستند إليه. (قوله: أو احتبى) عطف على استند، فهو غاية ثانية.
والاحتباء ضم ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها. (قوله: وليس، إلخ) مرتبط بالمتن. أي:
ولا ينقض الوضوء زوال العقل بنوم الممكن بشرط أن لا يكون بين مقعده ومقره تجاف -
أي تباعد - فإن كان بينهما ذلك انتقض وضوءه ما لم يخش بقطنة. (قوله: انتبه بعد
زوال أليته) أي يقينا، بدليل ما بعد. (قوله: لا وضوء شاك، إلخ) أي لا ينتقض وضوء
شخص شك هل كان عند النوم ممكنا مقعدته أم لا ؟ أو شك هل زالت أليته من مقرها قبل
أن يستيقظ من نومه أم بعده ؟. (قوله: وتيقن الرؤيا) مبتدأ خبره لا أثر له. وكتب سم
على قول التحفة وتيقن الرؤيا إلخ، ما نصه: هو صريح في أنه يتصور تيقن الرؤيا من
غير تذكر نوم ولا شك فيه، وهو محل وقفة قوية، وكيف يتيقن الرؤيا التي هي من آثار
النوم ولا يشك فيه ؟ فإن قيل: لانه يحتمل أنها ليست رؤيا بل حديث نفس مثلا. قلنا:
فلم يوجد تيقن الرؤيا مع أن الفرض تيقنها ؟ وقد يقال: المتجه أنه إن تيقن رؤيا لا تكون
إلا مع النوم وجب الانتقاض بها. وإن لم يتيقنها، كأن وجد ما يحتمل أنها رؤيا النوم
التي لا توجد إلا معه، وأنها غير ذلك. فلا نقض للشك، والكلام كله حيث لا تمكين،
وإلا فلا نقض مطلقا. (قوله: بخلافه مع الشك فيه) أي بخلاف تيقن الرؤيا مع الشك في
النوم فإنه يؤثر، وذلك لان الرؤيا من علامات
[ 76 ]
النوم
فهي مرجحة لاحد طرفي الشك وهو النوم. (قوله: وثالثها) أي وثالث نواقض الوضوء.
(قوله: مس فرج إلخ) الاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. أي أن يمس
الشخص فرج إلخ. ولا فرق فيه بين أن يكون عمدا أو سهوا. ومثل المس الانمساس، كأن
وضع شخص ذكره في كف شخص آخر. وقوله: آدمي أي واضح، سواء كان الماس مشكلا أم لا.
فإن كان الممسوس غير واضح وكان الماس واضحا، فإن كان ذكرا ومس منه مثل ما له
فينتقض وضوءه، لانه إن كان ذكرا فقد مس ذكره، وإن كان أنثى فقد لمسها. وكذلك إذا
كان أنثى ومست منه مثل ما لها فينتقض وضوءها، لانه إن كان المشكل أنثى فقد مست
فرجه، وإن كان ذكرا فقد لمسته. بخلاف ما إذا مسا منه غير ما لهما فلا نقض، لاحتمال
أن يكون عضوا زائدا. وإن كان الماس مشكلا والممسوس كذلك فلا نقض إلا بمس الفرجين
معا، كما إذا مس فرجي نفسه. وقد صرح بذلك كله في الروض وشرحه، ونصهما: وإن مس مشكل
فرجي مشكل أو فرجي مشكلين، أي آلة الرجال من أحدهما وآلة النساء من الآخر، أو فرجي
نفسه، انتقض وضوءه لا بمس أحدهما فقط لاحتمال زيادته. وإن مس رجل ذكر خنثى، أو مست
امرأة فرجه، لا عكسه، انتقض الماس، أي وضوءه. لانه إن كان مثله فقد انتقض وضوءه
بالمس وإلا فباللمس. بخلاف عكسه بأن مس الرجل فرج الخنثى والمرأة ذكره، لاحتمال
زيادته. ولو مس أحد مشكلين ذكر صاحبه والآخر فرجه أو فرج نفسه انتقض واحد منهما لا
بعينه، ولكل أن يصلي. وفائدة الانتقاض لاحدهما لا بعينه أنه إذا اقتدت به امرأة في
صلاة لا تقتدي بالآخر. اه بحذف. (قوله: أو محل قطعه) أي أو مس محل قطع الفرج،
والمراد به ما باشرته السكين بالقطع، وهو شامل لفرج المرأة والدبر. وخصه بعضهم
بالذكر، وقال: لا ينقض محل فرج المرأة ومحل الدبر. (قوله: ولو لميت أو صغير) أي
ينقض مس الفرج ولو كان الفرج لميت أو صغير. والصغير شامل للجنين والسقط حيث تحقق
كون الممسوس فرجا. (قوله: قبلا كان الفرج إلخ) أي وسواء كان من نفسه أم لا، أصليا
كان أو زائدا، اشتبه به أو كان عاملا أو على سمت الاصلي. وتعرف أصالة الذكر بالبول
به، فإن بال بهما على السواء فهما أصليان. وقوله: متصلا أي بمحله. وقوله: أو
مقطوعا محله حيث يسمى فرجا، فلو لم يسم بذلك كأن قطع الذكر ودق حتى خرج عن كونه
يسمى ذكرا فإنه لا ينقض، كما صرح به في النهاية. (قوله: إلا ما قطع في الختان) أي
كالقلفة وبظر المرأة، فلا ينقض. (قوله: والناقض من الدبر ملتقى المنفذ) أي وهو
حلقة الدبر الكائنة على المنفذ كفم الكيس، لا ما فوقه ولا ما تحته. (قوله: ومن قبل
المرأة ملتقى شفريها) بضم الشين، وهما طرفا الفرج. وقوله: على المنفذ أي المحيطين
به إحاطة الشفتين بالفم، دون ما عدا ذلك. فلا نقض بمس موضع ختانها من حيث أنه مس،
لان الناقض من ملتقى الشفرين ما كان على المنفذ خاصة لا جميع ملتقى الشفرين، وموضع
الختان مرتفع عن محاذاة المنفذ. وخالف الجمال الرملي في ذلك، وذكر ما يفيد أن جميع
ملتقى شفريها ناقض لا ما هو على المنفذ فقط. اه كردي بتصرف. (قوله: لا ما
وراءهما) أي لا ما عداهما، أي ما عدا ملتقى المنفذ من الدبر كباطن الاليتين وما
عدا ملتقى المنفذ من الفرج كمحل الختان. وعود الضمير على ما ذكر أولى، وإن كان
ظاهر عبارته - بدليل المثال - رجوعه للشفرين فقط. (قوله: نعم، يندب إلخ) استدراك
صوري على قوله لا ما وراءهما. بين به أنه وان لم ينتقض الوضوء بمس ما وراءهما -
الشامل للعانة ونحوها مما ذكره - يسن الوضوء له. إلا أن قوله بعد: ولمس صغيرة
[ 77 ]
إلخ، لا
يظهر الاستدراك بالنسبة إليه. وعبارة فتح الجواد بعد قوله: لا ما وراءهما: نعم،
يسن الوضوء من مس نحو العانة وباطن الالية. اه. والاستدراك فيها ظاهر. واعلم أن
الامور التي يستحب الوضوء لها كثيرة تبلغ ثمانية وسبعين. وعد الشارح بعضها. قال
العلامة الكردي: وقفت على منظومة للعراقي فيما سن له الوضوء، وهي: ويندب للمرء
الوضوء فخذ لدي * * مواضع تأتي وهي ذات تعدد قراءة قرآن سماع رواية * * ودرس لعلم
والدخول لمسجد وذكر وسعي مع وقوف معرف * * زيارة خير العالمين محمد وبعضهم عد
القبور جميعها * * وخطبة غير الجمعة اضمم لما بدي ونوم وتأذين وغسل جنابة * *
إقامة أيضا والعبادة فاعدد وإن جنبا يختار أكلا ونومه * * وشربا وعودا للجماع
المجدد ومن بعد فصد أو حجامة حاجم * * وقئ وحمل الميت واللمس باليد له أو لخنثى أو
لمس لفرجه * * ومس ولمس فيه خلف كأمرد وأكل جزور غيبة ونميمة * * وفحش وقذف قول
زور مجرد وقهقهة تأتي المصلي وقصنا * * لشاربنا والكذب والغضب الردي وإنما استحب
الوضوء لهذه الامور للخروج من الخلاف في معظمها، ولتكفير الخطايا في نحو الغيبة من
كل كلام قبيح، ولاطفاء الغضب فيه. وينوي في جميع ذلك رفع الحدث أو فرض الوضوء، أو
غيرهما من النيات المعتبرة في الوضوء كما مر. ولا يصح بنية السبب، كنويت الوضوء
لقراءة القرآن، كما تقدم. وإدامة الوضوء سنة، ولها فوائد، منها: سعة الرزق، ومحبة
الحفظة، والتحصن، والحفظ من المعاصي. (قوله: من مس نحو العانة) هي محل الشعر.
والشعر يقال له: شعرة، كذا قيل. وسيأتي عن الرحماني في الاغسال المسنونة أن العانة
اسم للشعر الذي فوق الذكر وحول قبل الانثى، وهو المشهور الموافق لما في عبارات
الفقهاء من حلق العانة ومن نبات العانة. اه بجيرمي. ولعل المراد بنحو العانة
الشعر النابت فوق الدبر. (قوله: وباطن الالية) بفتح الهمزة، المراد به ما انطبق
عند القيام مما يلي حلقه الدبر. (قوله: والانثيين) نقل عن بعض المالكية أنه ينقض
مسهما، وعليه فالوضوء للخروج من الخلاف. (قوله: وشعر نبت فوق ذكر) لا حاجة إليه
على تفسير العانة بما مر عن الرحماني. (قوله: وأصل فخذ) أي مبدأ فخذ، فهو من
الفخذ. وإنما سن الوضوء للخروج من الخلاف، كما في التحفة، ونصها: وخبر: من مس ذكره
أو رفغيه - أي بضم الراء وبالفاء والمعجمة: أصل فخذيه - فليتوضأ موضوع، وإنما هو من
قول عروة. وحينئذ يسن الوضوء من ذلك خروجا من الخلاف. اه. (قوله: ولمس صغيرة) أي
لا تشتهي عرفا. أما التي تشتهي فيجب الوضوء بلمسها بلا خلاف. (قوله: وأمرد) أي
ولمس أمرد. أطلقه - كالتحفة - ولم يقيده بكونه حسنا، وقيده في الايعاب وشرحي
الارشاد بذلك. وكذلك النووي في التحقيق وزوائد الروضة. ويفهم مما ذكرته في الاصل
أن الحسن يسن الوضوء من لمسه مطلقا، وغيره يسن إن كان بشهوة. اه كردي. (قوله:
وغضب) أي يندب عند غضب. ولو لله، ولو كان متوضئا، وهو ثوران دم القلب عند إرادة
الانتقام، وسببه هجوم ما تكرهه النفس ممن دونها، بخلاف الحزن، فإنه ثورانه عند
هجوم ما تكرهه ممن فوقها. والاول يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه، بخلاف الثاني،
ولذا يقتل دون الاول. وإنما يسن الوضوء عنده لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الغضب
من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء. فإن غضب أحدكم فليتوضأ.
وهذه حكمة أصل المشروعية، وهي لا تطرد فلا
[ 78 ]
يضر
تخلفها فيما إذا كان الغضب له تعالى. أفاده ش ق. (قوله: وحمل ميت) أي ويسن الوضوء
من حمله، لخبر: من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ. رواه الترمذي وحسنه. وظاهر
أن الوضوء يسن بعد حمله فقط، وليس كذلك بل يسن أيضا قبل الحمل ليكون على طهارة.
وأول بعضهم الحديث بقوله: ومن حمله، أي أراد حمله أو فرغ منه. (قوله: ومسه) أي
الميت. (قوله: وخرج بآدمي) على حذف مضاف، أي فرج آدمي. وقوله: فرج البهيمة أي فقط،
وأما فرج الجني فينقض مسه إذا تحقق مس فرجه، سواء قلنا لا تحل مناكحتهم أم لا،
لحرمته بوجوب الستر عليه وتحريم النظر إليه كالآدمي. (قوله: إذ لا يشتهى) أي ليس
من شأنه أن يشتهى. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه لا يشتهى جاز النظر إليه، أي إلى
فرج البهيمة. ومحله إن لم ينظر إليه بشهوة وإلا حرم كما هو ظاهر. (قوله: ببطن كف) متعلق
بمس، وإنما سميت كفا لانها تكف الاذى عن البدن. ولو خلق بلا كف لم يقدر قدرها من
الذراع، ولا ينافية ما ذكروه في الوضوء من أنه لو خلق بلا مرفق أو كعب قدر، لان
التقدير ثم ضروري بخلافه هنا، لان المدار على ما هو مظنة الشهوة، وعند عدم الكف لا
مظنة، فلا حاجة إلى التقدير. كما في ع ش. (قوله: لقوله (ص) إلخ) أي ولقوله عليه
الصلاة والسلام: إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ.
والافضاء بها لغة: المس ببطن الكف. ومس الفرج من غيره أفحش من مسه من نفسه لهتكه
حرمة غيره، ولهذا لا يتعدى النقض إليه. (قوله: هو بطن الراحتين) سميت بذلك لان
الشخص يرتاح عند الاتكاء عليها. (قوله: وبطن الاصابع) في الفتاوى الفقهية للعلامة
ابن حجر: سئل عمن انقلبت بواطن أصابعه إلى ظهر الكف فهل العبرة بما سامت بطن الكف
أو بالباطن وإن سامت ظهر اليد ؟ فأجاب بقوله: بحث بعضهم أنه لا ينقض باطنها لانه
ظهر الكف، ولا ظاهرها لان العبرة بالباطن. وقال الشوبري: ينقض الباطن، نظرا لاصله.
اه بجيرمي. (قوله: والمنحرف إليهما) أي إلى بطن الكف وبطن الاصابع. (قوله: عند
انطباقهما) أي وضع بطن إحدى الكفين على بطن الاخرى. وصورة الوضع في الابهامين أن
يضع باطن إحداهما على باطن الاخرى مع قلبهما. (قوله: مع يسير تحامل) قيد به ليكثر
الجزء الناقض من جهة رأس الاصابع ويقل غيره. ومحله في غير الابهامين، أما هما فلا
بد من التحامل الكثير، أو قلبهما بالصورة السابقة، ليقل الجزء غير الناقض فيهما
ويكثر الناقض. (قوله: دون رؤوس الاصابع) أي فلا نقض بها. فلو هرش ذكره بها فلا نقض
لخروجها عن سمت الكف. (قوله: وما بينها) أي ودون الذي بين الاصابع. وهو ما يستتر
عند انضمام بعضها إلى بعض، لا خصوص النقر. (قوله: وحرف الكف) أي ودون حرف الكف،
وهو ما لا يستتر عند انطباق ما تقدم، وهو شامل لحرف الراحة وحروف الاصابع. (قوله:
ورابعها) أي رابع نواقض الوضوء. (قوله: تلاقي بشرتي إلخ) ذكر للتلاقي الناقض أربعة
قيود لا بد منها: تلاقي البشرة، وكونه بين ذكر وأنثى، وكونه مع الكبر، وعدم
المحرمية بينهما. وخرج بالاول الشعر والسن والظفر. وأما إذا كان حائل على البشرة
كثوب ولو رقيقا. وخرج بالثاني ما إذا لم يكن بين ذكر وأنثى، كأن يكون التلاقي بين
رجلين، أو امرأتين، أو خنثيين، أو خنثى ورجل، أو خنثى وامرأة. وخرج بالثالث ما إذا
لم يوجد كبر في أحدهما، بأن لم يبلغ حد الشهوة. وخرج بالرابع ما إذا كان هناك
محرمية، ولو احتمالا. فلا نقض في جميع ما ذكر. وقوله: ذكر أي واضح مشتهى طبعا
يقينا لذوات الطباع السليمة، ولو صبيا وممسوحا. وقوله: وأنثى أي واضحة مشتهاة طبعا
يقينا لذوي الطباع السليمة، أي ولو كانت صغيرة أيضا. (قوله: ولو بلا شهوة) أي ولو
كان التلاقي بلا شهوة. أي ولو سهوا فإنه ينقض. (قوله: وإن كان أحدهما مكرها) أي أو
خصيا أو ممسوحا، أو كان التلاقي بعضو أشل. (قوله: أو ميتا) قال في التحفة: قال
[ 79 ]
بعضهم:
أو جنيا. وإنما يتجه إن جوزنا نكاحهم. اه. (قوله، لكن لا ينقض إلخ) أفاد به أن
النقض خاص بالحي اللامس. (قوله: والمراد بالبشرة إلخ) عبارة التحفة: والبشرة ظاهر
الجلد. وألحق بها نحو لحم الاسنان واللسان، وهو متجه، خلافا لابن عجيل. أي لا باطن
العين - فيما يظهر - لانه ليس مظنة للذة اللمس، بخلاف ما ذكر فإنه مظنة لذلك، ألا
ترى أن نحو لسان الحليلة يلتذ بمصه وبمسه، كما صح عنه (ص) في لسان عائشة رضي الله
عنها، ولا كذلك باطن العين. وبه يرد قول جمع بنقضه. اه. (قوله: قال شيخنا: وغير
باطن العين) خالف في ذلك الجمال الرملي، فجعله ملحقا بالبشرة فينقض لمسه. قال
الشرقاوي: وكذا باطن الانف. اه. (قوله: وذلك) أي كون تلاقي بشرتي من ذكر ناقضا.
(قوله، لقوله تعالى إلخ) أي ولانه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق
بالمتطهر. (قوله: أي لمستم) كما قرئ به، لا جامعتم، كما قال به الامام أبو حنيفة،
لانه خلاف الظاهر. واللمس معناه الجس باليد وبغيرها. واعلم أن اللمس يخالف المس في
أمور، منها: أن اللمس لا يكون إلا بين شخصين، والمس لا يشترط فيه ذلك. ومنها: أن
اللمس شرطه اختلاف النوع، والمس لا يشترط فيه ذلك. ومنها: أن اللمس يكون بأي موضع
من البشرة، بباطن الكف ومنها أن اللمس يكون في أي موضع من البشرة والمس لا يكون
إلا في الفرج خاصة ومنها: أنه في اللمس ينتقض وضوء اللامس والملموس، وفي المس يختص
بالماس من حيث المس. (قوله: ولو شك إلخ) أفاد به اشتراط تيقن التقاء البشرتين.
(قوله: كما لو وقعت يده إلخ) أي فإنه لا ينتقض وضوءه بذلك. (قوله: أو شك هل لمس
إلخ) الاولى ذكره بعد قوله: لا مع محرمية، إلخ. (قوله: وقال شيخنا في شرح العباب
إلخ) قال ع ش: والمعتمد خلافه، فلا نقض بإخبار العدل بشئ مما ذكر. اه. أي لان خبر
العدل يفيد الظن، ولا يرتفع يقين طهر وحدث بظن ضده، كما سيأتي. اه بجيرمي. (قوله:
بكبر فيهما) أي مع كبر. فالباء بمعنى مع، ويجوز أن تكون للملابسة أي حال كون
التلاقي ملتبسا بكبر، والمراد بالكبر بلوغهما حد الشهوة، وإن انتفت لهرم أو نحوه،
اكتفاء بمظنتها. ولا بد وأن يكون يقينا، فلو شك هل هي كبيرة أو صغيرة فلا نقض.
(قوله: لاكتفاء مظنة الشهوة) أي لانتفاء المحل الذي يظن فيه وجود الشهوة. قال في
القاموس: مظنة الشئ بكسر الظاء: موضع يظن فيه وجود الشئ. اه. وضابط الشهوة انتشار
الذكر في الرجل وميل القلب في المرأة. (قوله: والمراد بذي الصغر إلخ) يعلم منه
بيان ذي الكبر وقد عرفته. وقوله: من لا يشتهي عرفا أي عند أرباب الطباع السليمة،
ولا يتقيد بسبع سنين لاختلاف ذلك باختلاف الصغار. وقوله، غالبا أي من لا يشتهى في
الغالب عند ذوي الطباع السليمة. (قوله: مع محرمية بينهما بنسب إلخ) خرج بذلك
المحرمية الحاصلة بلعان أو وطئ شبهة، كأم الموطوءة بشبهة وبنتها. أو اختلاف دين
كمجوسية، فإن الوضوء ينتقض مع وجودها. قوله: أو مصاهرة أي توجب التحريم على
التأبيد كأم الزوجة، بخلاف ما إذا كانت توجب التحريم لا على التأبيد كأخت زوجته،
فإن الوضوء ينتقض بلمسها. (قوله: بأجنبيات محصورات) في حاشية
[ 80 ]
الكردي
ما نصه: في مبحث الاجتهاد من الايعاب -: أن نحو الالف غير محصورات ونحو العشرين
مما سهل عده بالنظر محصور وبينهما وسائط تلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك
استفتى القلب. اه. وقوله: وكذا بغير محصورات على الاوجه أي وكذلك لا ينتقض وضوءه
إذا اشتبهت محرمه بأجنبيات غير محصورات ولمس واحدة منهن. وقال الزركشي: إن اختلطت
بغير محصورات انتقض لجواز النكاح، أو بمحصورات فلا. اه. (قوله: ولا يرتفع يقين
إلخ) قال البجيرمي: ليس المراد هنا باليقين حقيقته، إذ مع ظن الضد لا يقين. اللهم
إلا أن يقال إنه يقين باعتبار ما كان. أو يقدر مضاف، أي ولا يرتفع استصحاب يقين
طهر، أي حكمه. وعبارة الشمس الشوبري: ليس المراد هنا باليقين حقيقته، إذ مع ظن
الضد لا يقين. قال في الامداد: ليس المراد باليقين في كلامهم هنا اليقين الجازم،
لاستحالته مع الظن، بل مع الشك والتوهم في متعلقه. بل المراد أن ما كان يقينا لا
يترك حكمه بالشك بعده استصحابا، له لان الاصل فيما ثبت الدوام والاستمرار. اه.
وقوله: وضوء لو قال - كما في المنهج -: طهر، لكان أولى، ليشمل الغسل والتيمم.
وقوله: أو حدث أي أو يقين حدث. قوله: بظن ضده متعلق بيرتفع، الضمير فيه يعود على
الاحد الدائر بين الطهر والحدث. (قوله: ولا بالشك فيه) أي في الضد. وقوله: المفهوم
بالاولى أي لانه إذا كان اليقين لا يرتفع بالظن الذي هو التردد مع رجحان لاحد
الطرفين. فعدم ارتفاعه بالشك الذي هو التردد مع استواء الطرفين أولى. (قوله: فيأخذ
باليقين) أي وهو الوضوء في الاولى، والحدث في الثانية. وذلك لنهيه (ص) الشاك في
الحدث عن أن يخرج من المسجد - أي الصلاة - إلا أن يسمع صوتا أو يجد ريحا. (وقوله:
استصحابا له) أي لليقين. (تنبيه) محل ما تقدم إذا تيقن أحدهما فقط، فإن تيقنهما
معا، كأن وجد منه حدث وطهر بعد الفجر مثلا، ففيه تفصيل. حاصله أننا ننظر إلى ما
كان قبلهما، كقبل الفجر مثلا، فإن علم أنه كان محدثا قبلهما فهو الآن متطهر، سواء
اعتاد تجديد الطهر أم لا، لانه تيقن الطهر وشك فيما يرفعه وهو الحدث، والاصل عدمه.
وإن علم أنه كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث إن اعتاد التجديد. لانه تيقن الحدث
وشك فيما يرفعه، وهو الطهر المتأخر عنه، والاصل عدمه. فإن لم يعتده فهو الآن
متطهر، لان الظاهر تأخيره طهره عن حدثه. فإن لم يعلم ما قبلهما فيجب عليه الطهر إن
اعتاد تجديده، لتعارض الاحتمالين من غير مرجح، ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد
المحض في الطهر. فإن لم يعتد تجديده عمل بالطهر. والاحسن أن يحدث هذا الشخص ويتوضأ
لتكون طهارته عن يقين. (قوله: خاتمة) أي في بيان ما يحرم بالحدث الاصغر والاكبر.
(قوله: يحرم بالحدث صلاة) أي ولو نفلا، لقوله (ص): لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا
أحدث حتى يتوضأ. وهذا في غير دائم الحدث - وقد تقدم حكمه - وغير فاقد الطهورين.
أما هو فيصلي لحرمة الوقت ويعيده. (قوله: وطواف) أي بسائر أنواعه، لانه في معنى
الصلاة. فقد روى الحاكم خبر: الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق،
فمن نطق فلا ينطق إلا بخير. اه نهاية. (قوله:
وسجود)
أي لتلاوة أو شكر، لانه في معنى الصلاة أيضا. (قوله: وحمل مصحف) أي لقوله تعالى: *
(لا يمسه إلا المطهرون) * أي المتطهرون. وهو خبر بمعنى النهي وقوله (ص): لا يمسن
المصحف إلا طاهر. وقيس الحمل على المس. (قوله: وما كتب لدرس قرآن) خرج ما كتب
لغيره كالتمائم، وما على النقد إذ لم يكتب للدراسة، وهو لا يكون قرآنا إلا بالقصد.
قال في التحفة: وظاهر عطف هذا على المصحف، أن ما يسمى مصحفا عرفا لا عبرة فيه بقصد
تبرك، وأن هذا إنما يعتبر فيما لا يسماه، فإن قصد به دراسة حرم أو تبرك لم يحرم،
وإن لم يقصد به شئ نظر للقرينة فيما يظهر، إلخ. اه. (قوله: ولو بعض آية) قال في
التحفة: ينبغي أن يكون جملة مفيدة. اه. (قوله: كلوح) أي مما يكتب فيه عادة. فلو
كبر عادة كباب كبير جاز مس الخالي من القرآن منه، ولا يحرم مس ما محي، بحيث لا
يقرأ إلا بكبير مشقة. (قوله: والعبرة في قصد إلخ) مرتبط بقوله: وما كتب لدرس.
وعبارة التحفة: وظاهر قولهم كتب لدرس أن العبرة في قصد الدراسة. إلخ. اه. (قوله:
بحالة الكتابة) متعلق بمحذوف خبر العبرة. وفي الكردي ما نصه: وفي فتاوى الجمال
الرملي: كتب تميمة ثم جعلها للدراسة، أو عكسه، هل يعتبر القصد الاول أو الطارئ ؟
أجاب بأنه يعتبر الاصل، لا القصد الطارئ. اه. وفي حواشي المحلي للقليوبي: ويتغير
الحكم بتغير القصد من التميمة إلى الدراسة، وعكسه. اه. وقوله: وبالكتاب إلخ أي
والعبرة بقصد الكاتب، سواء كتب لنفسه أو لغيره، إذا كان تبرعا. وقوله: وإلا فأمره
أي وإن لم يكن تبرعا فالعبرة بقصد آمره. (قوله: لا حمله) أي لا يحرم حمله مع متاع،
إلخ. (قوله: والمصحف غير مقصود بالحمل) أي والحال أن المصحف غير مقصود بالحمل، أي
وحده أو مع غيره. بأن كان المقصود به المتاع وحده أو لم يقصد به شئ. فظاهر كلامه
أنه يحل في حالتين، وهما: إذا قصد المتاع وحده، أو أطلق. ويحرم في حالتين، وهما
إذا قصد المصحف وحده، أو شرك. وهو أيضا ظاهر كلام المنهج وشرحه. والذي جرى عليه
ابن حجر على ما هو ظاهر التحفة: أنه يحرم في ثلاثة أحوال، وهي: ما إذا قصد المصحف
وحده، أو شرك، أو أطلق. ويحل في حالة واحدة، وهي: ما إذا قصد المتاع وحده. والذي
جرى عليه م ر أنه يحل في ثلاثة، وهي: ما إذا قصد المتاع وحده، أو شرك، أو أطلق.
ويحرم في حالة واحدة، وهي: ما إذا قصد المصحف وحده. (قوله: ومس ورقه) أي ويحرم مس
ورقه. ولا يخفى أن المصحف اسم للورق المكتوب فيه كلام الله تعالى، ولاخفاء أنه
يتناول الاوراق بجميع جوانبها حتى ما فيها من البياض، وحينئذ فما فائدة ذكر الورق
هنا ؟ وقد يقال: فائدة ذلك الاشارة إلى أنه لا فرق بين أن يمس الجملة أو بعض
الاجزاء المتصلة أو المنفصلة، فهو من ذكر الجزء بعد الكل. اه جمل بتصرف. (قوله:
أو نحو ظرف) بالجر، عطف على ورقه. أي ويحرم مس نحو ظرف كخريطة وصندوق، لكن بشرط أن
يكون معدا له وحده، وأن يكون
[ 82 ]
المصحف
فيه. فإن انتفى ذلك حل حمله ومسه. قال في التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيما
أعد له، بين كونه على حجمه أو لا، وإن لم يعمثله له عادة. اه. قال الحلبي في
حواشي المنهج: وعليه يحرم مس الخزائن المعدودة لوضع المصاحف فيها ولو كبرت جدا.
وبه قال شيخنا العلقمي وشيخنا الرملي. اه. وفي التحفة: ومثله - أي الصندوق - كرسي
وضع عليه. اه. وفي الكردي: وتردد في الايعاب في إلحاق الكرسي بالمتاع أو بظرفه،
ثم ترجى أقربية إلحاقه بالظرف. اه. وفي البجيرمي: والمعتمد أن الكرسي الصغير يحرم
مس جميعه، والكبير لا يحرم إلا مس المحاذي للمصحف. اه. وأما جلد المصحف فيحرم مسه
إن كان متصلا به - عند حجر - وعند م ر: يحرم مطلقا، متصلا كان أو منفصلا، لكن بشرط
أن لا تنقطع نسبته عنه ولا تنقطع عنه وإلا إن اتصل بغيره. وفي ع ش: وليس من
انقطاعها ما لو جلد المصحف بجلد جديد وترك الاول فيحرم مسه. أما لو ضاعت أوراق
المصحف أو حرقت فلا يحرم مس الجلد. اه. (قوله: وهو) أي المصحف فيه: أي في نحو
الظرف. (قوله: لا قلب ورقه بعود) أي لا يحرم قلب ورقه بعود، لانه ليس حملا ولا في
معناه. وقوله: إذا لم ينفصل - أي الورق - عليه، أي على العود. قال العلامة الكردي:
الذي يظهر من كلامهم أن الورقة المثبتة لا يضر قلبها بنحو العود مطلقا، وغير
المثبتة لا يضر قلبها إلا إن انفصلت على العود عن المصحف. اه. (قوله: ولا مع
تفسير) أي ولا يحرم حمل المصحف مع تفسيره ولا مسه. قال البجيرمي نقلا عن الشوبري:
هل وإن قصد القرآن وحده ؟ ظاهر إطلاقهم نعم. اه. وقوله: زاد أي على المصحف،
يقينا. أما إذا كان التفسير أقل، أو مساويا أو مشكوكا في قلته وكثرته، فلا يحل.
وإنما لم يحرم المساوي والمشكوك في كثرته وقلته في باب الحرير لانه أوسع بابا،
بدليل أنه يحل للنساء وللرجال في بعض الاوقات. هذا ما جرى عليه م ر. وجرى ابن حجر
على حله مع الشك في الاكثرية أو المساواة، وقال: لعدم تحقق المانع، وهو الاستواء.
ومن ثم حل نظير ذلك في الضبة والحرير. وجرى شارحنا على قوله، فلذلك قال: ولو
احتمالا. وفي حاشية الكردي ما نصه: رأيت في فتاوى الجمال الرملي أنه سئل عن تفسير
الجلالين، هل هو مساو للقرآن أو قرآنه أكثر ؟ فأجاب بأن شخصا من اليمن تتبع حروف
القرآن والتفسير وعدهما، فوجدهما على السواء إلى سورة كذا، ومن أو اخر القرآن فوجد
التفسير أكثر حروفا، فعلم أنه يحل حمله مع الحدث على هذا. اه. وقال بعضهم: الورع
عدم حمل تفسير الجلالين، لانه وإن كان زائدا بحرفين ربما غفل الكاتب عن كتابه
حرفين أو أكثر. اه. وفي حاشية الكردي أيضا، قال الشارح في حاشيته على فتح الجواد:
ليس منه - أي التفسير - مصحف حشي من تفسير أو تفاسير، وإن ملئت حواشيه وأجنابه وما
بين سطوره، لانه لا يسمى تفسيرا بوجه بل اسم المصحف باق له مع ذلك. وغاية ما يقال
مصحف محشي. اه. واعلم أن العبرة في الكثرة والقلة بالخط العثماني في المصحف
وبقاعدة الخط في التفسير. والمنظور إليه جملة القرآن والتفسير في الحمل. وأما في
المس فالمنظور إليه موضع وضع يده، فإن كان فيه التفسير أكثر حل وإلا حرم. (قوله:
ولا يمنع صبي إلخ) أي لا يمنعه وليه أو معلمه من حمل ومس نحو مصحف، كلوحه. لانه
يحتاج إلى الدراسة، وتكليفه استصحاب الطهارة أمر تعظم فيه المشقة. كتب ع ش ما نصه:
قوله: وأن الصبي المحدث لا يمنع
[ 83 ]
إلخ أي
بخلاف تمكينه من الصلاة والطواف ونحوهما مع الحدث. والفرق أن زمن الدرس يطول
غالبا، في تكليف الصبيان إدامة الطهارة مشقة تؤدي إلى ترك الحفظ في ذلك، بخلاف
الصلاة ونحوها. نعم، نظير المسألة ما إذا قرأ للتعبد لا للدراسة بأن كان حافظا أو
كان يتعاطى مقدرا لا يحصل به الحفظ في العادة. وفي الرافعي ما يقتضي التحريم،
فتفطن لذلك فإنه مهم. في سم: والوجه أنه لا يمنع من حمله ومسه للقراءة فيه نظرا
وإن كان حافظا عن ظهر قلب إذا أفادت القراءة فيه نظرا فائدة ما في مقصوده،
كالاستظهار على حفظه وتقويته حتى بعد فراغ مدة حفظه، إذا أثر ذلك في ترشيح حفظه.
اه. وقد يقول: لا تنافي لامكان حمل ما في الرافعي على إرادة التعبد المحض. وما
نقله سم على ما إذا تعلق بقراءته فيه غرض يعود إلى الحفظ، كما أشعر به قوله
كالاستظهار. (فائدة) وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره، وركب
عليه. هل يجوز أم لا ؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أن يقال في ذلك إن كان على وجه يعد
ازدراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لاعلى الخرج مثلا من
غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك ازدراء له. ككون الفخذ صار موضوعا عليه،
حرم، وإلا فلا. اه. وقوله: ولو جنيا الغاية للرد. وقوله: حمل ومس مضافان إلى ما
بعدهما. وهما منصوبان بإسقاط الخافض. (قوله: لحاجة، إلخ) متعلق بحمل ومس، وإضافتها
إلى ما بعدها للبيان. (قوله: ووسيلتهما) أي التعلم والدرس. وقوله: كحمله إلخ تمثيل
للوسيلة. (قوله: والاتيان به) أي بنحو المصحف. وقوله: ليعلمه منه أي ليعلمه المعلم
منه. ويجب على المعلم الطهارة، ولا يجوز له حمله ومسه من غيرها. نعم، أفتى الحافظ
ابن حجر بأنه يسامح لمؤدب الاطفال الذي لا يستطيع أن يقيم على الطهارة في مس
الالواح لما فيه من المشقة، لكن يتيمم لانه أسهل من الوضوء. اه. (قوله: ويحرم
تمكين غير المميز) أي على الولي أو المعلم لئلا ينتهكه. قال الكردي: قال في
الايعاب: نعم، يتجه حل تمكين غير المميز منه لحاجة تعلمه إذا كان بحضرة نحو الولي،
للامن من أنه ينتهكه حينئذ. قال في المجموع: ولا تمكن الصبيان من محو الالواح
بالاقذار. ومنه يؤخذ أنهم يمنعون أيضا من محوها بالبصاق. وبه صرح ابن العماد. اه.
وقوله: من نحو مصحف أي من حمل أو مس نحو مصحف من كل ما كتب لدرس قرآن كلوح. (قوله:
ولو بعض آية) غاية لنحو المصحف. (قوله: وكتابته بالعجمية) بالرفع، معطوف على
تمكين. أي ويحرم كتابته بالعجمية. ورأيت في فتاوى العلامة ابن حجر أنه سئل هل يحرم
كتابة القرآن الكريم بالعجمية كقراءته ؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قضية ما في
المجموع عن الاصحاب التحريم، وذلك لانه قال: وأما ما نقل عن سلمان رضي الله عنه أن
قوما من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئا من القرآن، فكتب لهم فاتحة الكتاب
بالفارسية. فأجاب عنه أصحابنا بأنه كتب تفسير الفاتحة لا حقيقتها. اه. فهو ظاهر
أو صريح في تحريم كتابتها بالعجمية، وإلا لم يحتاجوا إلى الجواب عنه بما ذكر. فإن
قلت: ليس هو جوابا عن الكتابة بل عن القراءة بالعجمية المرتبة على الكتابة بها.
فلا دليل لكم فيه ؟ قلت: بل هو جواب عن الامرين. وزعم أن القراءة بالعجمية مرتبة
على الكتابة بها ممنوع بإطلاقه. فقد يكتب بالعجمية ويقرأ بالعربية، وعكسه. فلا
تلازم بينهما كما هو واضح. وإذا لم يكن بينهما تلازم كان الجواب عما فعله سلمان
رضي الله عنه بذلك ظاهرا فيما
[ 84 ]
قلناه.
على أن مما يصرح به أيضا أن مالكا رضي الله عنه سئل: هل يكتب المصحف على ما أحدثه
الناس من الهجاء ؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الاولى. أي التي كتبها الامام، وهو
المصحف العثماني. قال أبو عمرو: ولا مخالف له في ذلك من علماء الائمة. وقال بعضهم:
الذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ هو فيه بقاء الحالة الاولى إلى أن يتعلمها
الآخرون، وفي خلافها تجهيل آخر الامة أولهم. وإذا وقع الاجماع - كما ترى - على منع
ما أحدث اليوم من مثل كتابه الربو بالالف - مع أنه موافق للفظ الهجاء - فمنع ما
ليس من جنس الهجاء أولى. وأيضا ففي كتابته بالعجمي تصرف في اللفظ المعجز الذي حصل
التحدي به بما لم يرد، بل بما يوهم عدم الاعجاز بل الركاكة، لان الالفاظ العجمية
فيها تقديم المضاف إليه على المضاف، ونحو ذلك مما يخل بالنظم وتشويش الفهم. وقد
صرحوا بأن الترتيب من مناط الاعجاز. اه بحذف. (قوله: وضع نحو درهم) بالرفع، معطوف
أيضا على تمكين. أي ويحرم وضع نحو درهم. وقوله: في مكتوبه أي فيما كتب فيه مصحف،
أي قرآن، كله أو بعضه. وعبارة النهاية: ولا يجوز جعل نحو ذهب في كاغد كتب عليه بسم
الله الرحمن الرحيم. اه. قال ع ش: أي وغيرها من كل معظم. كما ذكره ابن حجر في باب
الاستنجاء. ومن المعظم ما يقع في المكاتبات ونحوها، مما فيه اسم الله أو اسم رسوله
مثلا، فيحرم إهانته بوضع نحو دراهم فيه. اه (قوله: وعلم شرعي) بالجر، عطف على
ضمير مكتوبه. أي ويحرم أيضا وضع نحو درهم في مكتوب علم شرعي، أي ما كتب فيه علم
شرعي كالتفسير والحديث والفقه. ولو قال: كغيره وكل معظم، لكان أولى. إذ عبارته
تقتضي أنه إذا وضع في مكتوب غير العلم الشرعي من بقية العلوم كالنحو والصرف لا
يحرم ولو كان فيه معظم، وليس كذلك. (قوله: وكذا جعله بين أوراقه) أي وكذا يحرم جعل
نحو درهم بين أوراق المصحف وفيه أن هذا يغني عنه. قوله أولا: ووضع نحو درهم في
مكتوبه، إذ هو صادق بما وضع بين أوراقه المكتوب فيها المصحف، وبما وضع في ورقة
مكتوب فيها ذلك. ويمكن أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام. (قوله: خلافا لشيخنا)
راجع لما بعد كذا، وفيه أنه لم يذكره في التحفة ولا في شرح الارشاد الصغير ولا في
غيره من كتبه التي بأيدينا حتى يسند الخلاف إليه. وعبارة التحفة: ووضع نحو درهم في
مكتوبه به، وجعله وقاية، ولو لما فيه قرآن فيما يظهر. ثم رأيت بعضهم بحث حل هذا،
وليس كما زعم. اه. وعبارة شرح الارشاد، وجعل نحو درهم في ورقة كتب فيها معظم. اه.
بل قوله: وضع نحو درهم في مكتوبه صادق بما إذا وضعه بين ورقات كما مر تأمل. (قوله:
وتمزيقه) معطوف على تمكين أيضا. أي ويحرم تمزيق المصحف لانه ازدراء به. وقوله:
عبثا أي لا لقصد صيانته. وعبارة فتاوي ابن حجر تفيد أن المعتمد حرمة التمزيق
مطلقا، ونصها: سئل رضي الله عنه عمن وجد ورقة ملقاة في طريق فيها اسم الله تعالى،
ما الذي يفعل بها ؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قال ابن عبد السلام: الاولى غسلها، لان
وضعها في الجدار تعرض لسقوطها والاستهانة بها. وقيل: تجعل في حائط. وقيل: يفرق
حروفها ويلقيها. ذكره الزركشي. فأما كلام ابن عبد السلام فهو متجه، لكن مقتضى
كلامه حرمة جعلها في حائط والذي يتجه خلافه، وأن الغسل أفضل فقط. وأما التمزيق،
فقد ذكر الحليمي في منهاجه أنه لا يجوز تمزيق ورقة فيها اسم الله أو اسم رسوله،
لما فيه من تفريق الحروف وتفريق الكلمة، وفي ذلك ازدراء بالمكتوب. فالوجه الثالث
شاذ إذ لا ينبغي أن يعول عليه. (قوله: وبلع ما كتب عليه) أي ويحرم بلع ما كتب عليه
قران، لملاقاته للنجاسة. وقال سم: لا يقال إن الملاقاة في الباطن لا تنجس، لانا
نقول فيه امتهان وإن لم ينجس. كما لو وضع القرآن على نجس جاف، يحرم مع أنه لا
ينجس. وقال في النهاية: وإنما جوزنا أكله لانه لا يصل إلى الجوف إلا وقد زالت صورة
الكتابة. اه. ومثله في التحفة، وزاد فيها: ولا تضر ملاقاته للريق لانه ما دام
بمعدنه غير مستقذر، ومن ثم جاز مصه من الحليلة. اه. (قوله: لا شرب محوه) أي لا
يحرم شرب ما محي من القرآن. وعبارة المغني: ولا يكره كتب شئ من القرآن في إناء
ليسقى ماؤه للشفاء خلافا لما وقع لابن عبد السلام في فتاويه من التحريم. اه.
(قوله: ومد الرجل) بالرفع عطف على تمكين أيضا. أي ويحرم مد الرجل لما فيه من
الازدراء به. وقال في المغني: ويحرم الوطئ على الفراش أو خشب نقش بالقرآن - كما في
الانوار -
[ 85 ]
أو بشئ
من أسمائه تعالى. وقوله: ما لم تكن أي المصحف، على مرتفع فإن كان كذلك فلا يحرم.
(قوله: ويسن القيام له) أي للمصحف. قال في التحفة: صح أنه (ص) قام للتوراة، وكأنه
لعلمه بعدم تبديلها. اه. وقال سم: ينبغي، ولتفسير حيث حرم مسه وحمله. اه. (قوله:
كالعالم) أي كما يسن القيام للعالم. وقوله: بل أولى أي بل القيام للمصحف أولى من
القيام للعالم. (قوله: ويكره حرق ما كتب عليه) أي ما كتب القرآن عليه، وعبارة
المغني: ويكره إحراق خشب نقش بالقرآن إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره. كما
يؤخذ من كلام ابن عبد السلام، وعليه يحمل تحريق عثمان رضي الله عنه المصاحف. اه.
(قوله: فغسله أولى منه) أي فلا يكره ذلك، ولكن غسله أولى من حرقه. (قوله: ويحرم
بالجنابة إلخ) أي زيادة على ما حرم بالحدث. وقوله: المكث خرج به مجرد المرور فلا
يحرم، كأن يدخل من باب ويخرج من آخر. قال تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) *.
(قوله: وقراءة قرآن) أي ويحرم قراءة قرآن. وقوله: بقصده أي القرآن، أي وحده أو مع
غيره. وخرج بذلك ما إذا لم يقصده. كما ذكر بأن قصد ذكره أو مواعظه أو قصصه أو
التحفظ ولم يقصد معها القراءة لم يحرم. وكذا إن أطلق، كأن جرى به لسانه بلا قصد
شئ. والحاصل أنه إن قصد القرآن وحده أو قصده مع غيره كالذكر ونحوه فتحرم فيهما.
وإن قصد الذكر وحده أو الدعاء أو التبرك أو التحفظ أو أطلق فلا تحرم، لانه عند
وجود قرينة لا يكون قرآنا إلا بالقصد. ولو بما لا يوجد نظمه في غير القرآن، كسورة
الاخلاص. واستثنى من حرمة القراءة قراءة الفاتحة على فاقد الطهورين في المكتوبة،
وقراءة آية في خطبة جمعة، فإنها تجب عليه لضرورة توقف صحة الصلاة عليها. وقوله:
ولو بعض آية قال في بشرى الكريم ولو حرفا منه وحيث لم يقرأ منه جملة مفيدة يأثم
على قصده المعصية وشروعه فيها لا لكونه قارئا. اه. وإنما حرم ذلك لخبر الترمذي:
ولا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن. ويقرأ - بكسر الهمزة - على النهي،
وبضمها على النفي. فهو خبر على الثاني بمعنى النهي. (قوله: بحيث يسمع نفسه) قيد
لحرمة القراءة. أي ومحل حرمة القراءة إذا تلفظ بها بحيث يسمع بها نفسه، حيث لا
عارض من نحو لغط. فإن لم يسمع بها نفسه بأن أجراها على قلبه أو حرك بها شفتيه -
ويسمى همسا - فلا تحرم. (قوله: ولو صبيا) غاية للحرمة. أي تحرم القراءة ولو من
صبي. وقوله: خلافا لما أفتى به النووي أي من عدم حرمة قراءة الصبي الجنب، ووافقه
كثيرون. قال في بشرى الكريم: ويشترط كونها من مسلم مكلف، فلا يمنع الكافر منها إن
لم يكن معاندا ورجي إسلامه، ولا الصبي، ولا المجنون. اه. (قوله: بنحو حيض) معطوف
على بالجنابة. أي ويحرم بنحو حيض من نفاس. (قوله، لا بخروج طلق) أي لا يحرم بخروج
دم طلق. لانه ليس حيضا، لانه الدم الخارج لا مع الطلق، وليس نفاسا لانه الدم
الخارج بعد فراغ الرحم فهو دم فساد. وإنما قدرت لفظ دم لان الطلق هو الوجع الناشئ
من الولادة أو الصوت المصاحب لها. (قوله: صلاة إلخ) فاعل يحرم المقدر. ويحرم بنحو
الحيض أيضا العبور في المسجد إن خافت تلويثه، فإن أمنته جاز لها العبور كالجنب، مع
الكراهة ومباشرة ما بين سرتها وركبتها. والطلاق فيه إذا كانت موطوءة. (قوله: ويجب
قضاؤه) أي الصوم، لخبر عائشة رضي الله عنها كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء
الصلاة. أي للمشقة في قضائها لانها تكثر، ولم يبن أمرها على التأخير ولو بعذر
بخلاف الصوم. (قوله: بل يحرم قضاؤها) أي الصلاة. ولا يصح عند ابن حجر، ويكره
قضاؤها عند الرملي. فعليه يصح وتنعقد الصلاة نفلا مطلقا من غير ثواب. (قوله:
والطهارة الثانية) أي الطهارة عن
[ 86 ]
الجنابة.
وهو قسيم قوله في أول باب شروط الصلاة: فالاولى - أي الطهارة - عن الحدث الوضوء.
(قوله: هو) أي الغسل. (قوله: سيلان الماء) أي إسالته، أو ذو سيلان. وإنما احتجنا
لما ذكر لان الغسل في اللغة فعل الفاعل، والسيلان ليس بفعله بل هو أثره. إلا أن
يقال: إنه يستعمل لغة في الاثر أيضا. وقوله: على الشئ أي سواء كان بدنا أم غيره.
بنية أم لا. (قوله: وشرعا) عطف على لغة. (قوله: سيلانه) أي الماء. ولا حاجة هنا
إلى ما تقدم لان العبرة هنا بوصول الماء ولو بغير فعل الفاعل. (قوله: بالنية) أي
ولو كانت مندوبة، فيدخل غسل الميت. (قوله: ولا يجب فورا) أي ولا يجب الغسل على
الفور. والمراد أصالة فلا يرد، ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض
فإنه يجب فورا، لا لذاته بل لايقاع الصلاة في وقتها. (قوله: وإن عصى بسببه) غاية
في عدم وجوبه على الفور أي لا يجب الغسل فورا وإن عصى بسبب الغسل كأن زنى، وذلك
لانقضاء المعصية بالفراغ من الزنا. وقوله: بخلاف نجس عصى بسببه أي كأن تضمخ به
عمدا فإنه يجب غسله فورا لبقاء العصيان به ما دام باقيا، فوجب إزالته. وهذا هو
الفارق بينه وبين ما قبله. (قوله: والاشهر في كلام الفقهاء ضم غينه) أي للفرق بينه
وبين غسل النجاسة، كما في البجيرمي. وقوله: لكن الفتح أفصح أي لغة. لان فعله من
باب ضرب. قال ابن مالك فعل قياس مصدر المعدى إلخ. (قوله: وبضمها مشترك إلخ) لم
يظهر التئامه بما قبله، فلو قال: وهو على الثاني اسم للفعل، وعلى الاول مشترك بين
الفعل والماء، لكان أنسب وأخصر. وعبارة التحفة: وهو بفتح الغين: مصدر غسل، واسم
مصدر لاغتسل. وبضمها: مشترك بينهما وبين الماء الذي يغتسل به. وبكسرها: اسم لما
يغسل به من سدر ونحوه. والفتح في المصدر واسمه أشهر من الضم وأفصح لغة. وقيل عكسه،
والضم أشهر في كلام الفقهاء. اه. (قوله: وموجبة) بكسر الجيم، أي سببه. وأما
الموجب بفتحها فهو المسبب الذي هو الغسل. وقدم الموجب هنا على الفرض عكس ما مر في
الوضوء، لان الغسل لا يوجد إلا بعد تقدم سببه، بخلاف الوضوء فإنه قد يوجد بدون تقدم
ذلك ولو في صورة نادرة، كما إذا نزل الولد من بطن أمه ولم يصدر منه ناقض وأراد
وليه الطواف به فإنه يجب عليه أن يوضئه مع أنه ليس محدثا وإنما هو في حكم المحدث.
أفاده ش ق. (قوله: أربعة) فإن قلت لا مطابقة بين المبتدأ والخبر إذ الاول مفرد
والثاني متعدد. أجيب بأن المبتدأ مفرد مضاف فيعم، فهو متعدد تقديرا. فكأنه قال:
موجباته أربعة. (قوله: أحدها) أي الاربعة. (قوله: خروج منيه) أي بروز مني نفسه
وانفصاله إلى ظاهر الحشفة وظاهر فرج البكر وإلى محل الاستنجاء في فرج الثيب - وهو
ما يظهر عند جلوسها على قدميها - سواء كان خروجه من طريقه المعتاد، ولو لم يستحكم
بأن خرج لعلة، أو من غير طريقه المعتاد كأن خرج من صلب الرجل وترائب المرأة بشرط
أن لا يكون مستحكما أي لا لعلة، إذا كان المعتاد انسداده عارضا، فإن كان أصليا فلا
يشترط فيه ذلك. وخرج بمني نفسه مني غيره، كأن وطئت المرأة في دبرها فاغتسلت ثم خرج
منها مني الرجل فلا يجب عليها إعادة الغسل. أو وطئت في قبلها ولم يكن لها شهوة
كصغيرة، أو كان لها شهوة ولم تقضها كنائمة، فكذلك لا إعادة عليها. وقوله: أولا خرج
به ما لو استدخله بعد خروجه ثم خرج ثانيا، فلا غسل. واعلم أن خروج المني موجب
للغسل، سواء كان بدخول حشفة أم لا. ودخول الحشفة موجب له، سواء حصل مني أم لا.
فبينهما عموم وخصوص وجهي. (قوله: ويعرف) أي المني، وإن خرج على لون الدم. (قوله:
بأحد خواصه الثلاث) أي علاماته التي لا توجد في
[ 87 ]
غيره.
(قوله: من تلذذ بخروجه) أي وإن لم يتدفق لقلته. وهو بيان للمضاف، وهو أحد، بدليل
تعبيره في المعاطيف بأو. ويصح جعله بيانا للمضاف إليه وتكون أو بمعنى الواو.
(قوله: أو تدفق) هو خروجه بدفعات، وإن لم يتلذ به ولا كان له ريح. (قوله: أو ريح
عجين) أي أو كون ريحه كريح العجين، أي أو طلع النخل. وقوله: رطبا قيد في الريح. أي
ويعرف المني بكون ريحه كما ذكر حال كون المني رطبا. وقوله: وبياض معطوف على عجين.
أي أو ريح بياض بيض. وقوله: جافا قيد في كون ريحه كبياض البيض. أي ويعرف المني
بذلك حال كونه جافا. (قوله: فإن فقدت هذه الخواص) أي لا غيرها، كالثخن والبياض في
مني الرجل، والرقة والصفرة في مني المرأة، فلا عبرة به لان ذلك غالب لا دائم.
(قوله: نعم، لو شك) كالتقييد لعدم وجوب الغسل عند فقد الخواص. فكأنه قال: ومحله
عند تيقن أنه ليس بمني، فإن شك فيه فهو بالخيار. (قوله: تخير ولو بالتشهي) أي لا
بالاجتهاد، وذلك لانه إذا أتى بأحدهما صار شاكا في الآخر، ولا إيجاب مع الشك.
وقوله: فإن شاء إلخ وله أن يرجع عما اختاره أولا إذا اشتهت نفسه واحدا منهما غيره.
(قوله: ولو رأى منيا مجففا) الذي في التحفة: محققا. وهو الصواب. وقوله: في نحو
ثوبه أي كفراش نام فيه وحده، أو مع من لا يمكن كونه منه. (قوله: لزمه الغسل) أي
وإن لم يتذكر احتلاما. (قوله: وإعادة كل صلاة) أي ولزمه إعادة كل صلاة. وقوله:
تيقنها بعده أي تيقن أنه صلاها بعد ذلك المني الذي رآه في نحو ثوبه. فإن لم يتيقن
ذلك ندب له إعادة ما احتمل أنه صلاها بعده. وعبارة النهاية: ويندب له إعادة ما
احتمل أنه - أي المني - فيها. كما لو نام مع من يمكن كونه منه ولو نادرا كالصبي
بعد تسع، فإنه يندب لهما الغسل. اه. وقوله: ما لم يحتمل عادة كونه من غيره فإن
احتمل ذلك، كأن نام مع من يمكن كونه منه، فلا يلزمه الغسل ولا إعادة الصلاة.
(قوله: وثانيها) أي الاربعة. (قوله: دخول حشفة) وهي رأس الذكر - أي من واضح أصلي
أو شبيه به - لخبر الصحيحين: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. أي إذا تحاذيا.
وإنما يتحاذيان بدخول الحشفة في الفرج. إذ الختان محل القطع، وهو في الرجل ما دون
حزة الحشفة، وفي المرأة محل الجلدة المستعلية فوق مخرج البول الذي هو فوق مدخل
الذكر. ثم إن ذكر الختانين جري على الغالب، بدليل إيجاب الغسل بإيلاج ذكر لا حشفة
فيه لانه جماع في فرج. وخرج بقولنا من واضح ما إذا كانت من خنثى مشكل، فلا غسل
بإيلاج ذكره عليه ولا على المولج فيه، لاحتمال أن يكون أنثى والذكر سلعة زائدة فيه
وإيلاج السلعة لا يوجب الغسل على المولج ولا على المولج فيه. (قوله: أو قدرها) أي
أو دخول قدر الحشفة. وقوله: من فاقدها أي من مقطوع الحشفة. وهو قيد لا بد منه.
وخرج به ما لو أدخل قدرها مع وجودها، كأن ثنى ذكره وأدخله فإنه لا يؤثر، كذا في
التحفة، ونصها: ولو ثناه وأدخل قدر الحشفة منه مع وجود الحشفة، لم يؤثر، وإلا أثر
على الاوجه. اه. (قوله: ولو كانت إلخ) تعميم في الحشفة، والغسل إنما هو على
المولج فيه، لا على الميت والبهيمة وصاحب الذكر المقطوع. (قوله: قبلا أو دبرا) أي
لان الفرج مأخوذ من الانفرج، فيشمل الدبر كالقبل، سواء كان فرج آدمي أو جني أو فرج
ميت أو بهيمة، ولو لم تشته كسمكة، وإن لم يحصل انتشار ولا إنزال، ولو ناسيا أو
مكرها أو بحائل كثيف، لا فرج خنثى لاحتمال زيادته. نعم، وإن أولج وأولج فيه تحققت
جنابته. والميت والبهيمة لا غسل عليهما لعدم تكليفهما، وإنما وجب غسل الميت بالموت
إكراما له. اه. بشرى الكريم. (قوله: ولو لبهيمة) غاية في الفرج المولج فيه.
(قوله: ولا يعاد غسله) أي الميت. (قوله: لانقطاع تكليفه) أي بالموت. (قوله:
ثالثها: حيض) قد أفرد الفقهاء الكلام على الحيض والنفاس والاستحاضة في باب مستقل،
والاصل فيه قوله تعالى: * (ويسئلونك عن المحيض) * وخبر
[ 88 ]
الصحيحين:
هذا شئ كتبه الله على بنات آدم. (قوله: أي انقطاعه) يفيد هذا التفسير أن الموجب
للغسل انقطاع الحيض لا هو نفسه، وليس كذلك، بل هو الموجب، والانقطاع شرط فيه،
وعبارة شرح المنهج: ويعتبر فيه وفيما يأتي - أي من النفاس والولادة - الانقطاع،
والقيام للصلاة. اه. بزيادة. وكتب البجيرمي قوله: ويعتبر فيه أي في كونه موجبا
للغسل. فهو كغيره سبب للغسل بهذين الشرطين. والاصح أن الانقطاع شرط للصحة، والقيام
للصلاة شرط للفورية. اه. (قوله: وهو دم إلخ) هذا معناه شرعا، وأما لغة فهو
السيلان. يقال: حاض الوادي: إذا سال. وقوله: يخرج من أقصى رحم المرأة أي يخرج من
عرق فمه في أقصى رحم المرأة. والرحم وعاء الولد، وهو جلدة على صورة الجرة
المقلوبة، فبابه الضيق من جهة الفرج وواسعه أعلاه، ويسمى بأم الاولاد. اه.
بجيرمي. وقوله: في أوقات مخصوصه لو قال في وقت مخصوص لكان أولى، لانه ليس له إلا
وقت واحد وهو كونه بعد البلوغ، وقال بعضهم: لعل المراد بالاوقات أقله وغالبه
وأكثره. (وقوله: أقل سنه) أي سن صاحبه، أي أقل زمن يوجد فيه الحيض. وقوله: تسع
سنين قمرية أي هلالية، لان السنة الهلالية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم
وسدسه، بخلاف العددية فإنها ثلثمائة وستون لا تنقص ولا تزيد، والشمسية ثلثمائة
وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا جزءا من ثلثمائة جزء من اليوم. اه. ع ش. (قوله: أي
استكمالها) أي التسع سنين. وقوله: نعم، إن رأته إلخ استدراك على اشتراط الاستكمال.
وأفاد به أن المراد الاستكمال التقريبي. (قوله: بدون ستة عشر يوما) أي بما لا يسع
حيضا وطهرا، فإن رأته بما يسعهما فليس بحيض بل هو دم فساد. (قوله: وأقله) أي
الحيض. وقوله: يوم وليلة أي قدرهما مع اتصال الحيض، وهو أربع وعشرون ساعة. والمراد
بالاتصال أن يكون نحو القطنة بحيث لو أدخل تلوث، وإن لم يخرج الدم إلى ما يجب غسله
في الاستنجاء. (قوله: وأكثره) أي الحيض. وقوله: خمسة عشر يوما أي بلياليها، وإن لم
يتصل، لكن بشرط أن تكون أوقات الدماء مجموعها أربع وعشرون ساعة فإن لم يبلغ
مجموعها ما ذكر كان دم فساد، وهو مع نقاء تخلله حيض، لانه حينئذ يشبه الفترة بين
دفعات الدم فينسحب عليه حكم الحيض. وهذا القول يسمى قول السحب وهو المعتمد،
ومقابله النقاء طهر ويسمى قول اللقط والتلفيق، فعلى هذا القول تصلي وتصوم في وقت
النقاء (قوله: كأقل طهر بين الحيضتين) أي فإنه خمسة عشر يوما بلياليها، وذلك لان
الشهر لا يخلو عن حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر
كذلك. وخرج ببين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك. قال
ع ش: بل يجوز أن لا يكون بينهما طهر أصلا، كأن يتصل أحدهما بالآخر. (قوله: ويحرم
به) أي بالحيض. وقوله: ما يحرم بالجنابة قد تقدم التصريح به فهو مكرر معه. فكان
الاولى أن يقول: ويحرم به زيادة على ما مر مباشرة، إلخ. (قوله: ومباشرة ما بين
سرتها وركبتها) أي ويحرم ذلك، سواء كان بوطئ أو بغير وطئ، وسواء كان بشهوة أو
بغيرها. واعلم أنه يحرم على المرأة أن تباشر الرجل بما بين سرتها وركبتها في أي
جزء من بدنه ولو غير ما بين سرته وركبته. (قوله: وقيل: لا يحرم غير الوطئ) أي من
بقية الاستمتاعات، ولو بما بين السرة والركبة. ويسن لمن وطئ في أول الدم وقوته
التصدق بدينار، وفي آخر الدم وضعفه التصدق بنصفه، لخبر: إذا واقع الرجل أهله وهي
حائض، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار. رواه أبو
داود والحاكم وصححه. قال في شرح الروض: وكالوطئ في آخر الدم الوطئ بعد انقطاعه إلى
الطهر، ذكره في المجموع. اه. (قوله: واختاره) أي القيل المذكور. (قوله: لخبر مسلم
إلخ) دليل للقيل المذكور الذي اختاره النووي: (قوله: اصنعوا كل شئ إلا النكاح) وجه
الاستدلال به أن لفظه عام شامل لسائر أنواع الاستمتاع، حتى فيما تحت الازار - أي
ما بين سرتها وركبتها - غير الوطئ في الفرج. والمانعون
[ 89 ]
قالوا:
إنه عام خصص بمفهوم ما صح عن النبي (ص) لما سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
؟ فقال: ما فوق الازار. وذلك المفهوم هو منع الاستمتاع بما تحت الازار، فيكون
التقدير: اصنعوا كل شئ أي مما فوق الازار. وإنما منع الاستمتاع بما تحت الازار
عندهم لانه يدعو إلى الجماع، لان من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. (قوله: حل لها
قبل الغسل صوم) أي لان سبب تحريمه خصوص الحيض، وإلا لحرم على الجنب. اه تحفة.
ويحل أيضا طلاقها لزوال مقتضى التحريم وهو تطويل العدة. (قوله: لا وطئ) أي أما هو
فيحرم، لقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * وقد قرئ بالتشديد والتخفيف. أما
قراءة التشديد فهي صريحة فيما ذكر، وأما التخفيف فإن كان المراد به أيضا الاغتسال
- كما قال به ابن عباس وجماعة، لقرينة قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * - فواضح، وإن
كان المراد به انقطاع الحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وهو قوله تعالى: * (فإذا تطهرن)
* فلا بد منهما معا. اه إقناع. (قوله: خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي) أي
من حل الوطئ أيضا بالانقطاع. (قوله: ورابعها) أي الاربعة التي هي موجبات الغسل.
وقوله: نفاس قال الشوبري: لا يقال لا حاجة إليه مع الولادة لانه يستغنى بها عنه،
لانا نقول: لا تلازم. لانها إذا اغتسلت من الولادة ثم طرأ الدم قبل خمسة عشر يوما
فهذا الدم يجب له الغسل، ولا يغني عنه ما تقدم. تأمل. اه. (قوله: أي انقطاعه)
يأتي فيه ما تقدم، فلا تغفل. (قوله: وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم)
أي وقبل مضي خمسة عشر يوما من الولادة، وإلا فهو حيض، ولا نفاس لها أصلا. وإذا لم
يتصل الدم بالولادة فابتداؤه من رؤية الدم، وعليه فزمن النقاء لا نفاس فيه،
فيلزمها فيه أحكام الطاهرات، لكنه محسوب من الستين. كذا قال البلقيني. قال ابن حجر
في شرح العباب: ورد بأن حسبان النقاء من الستين من غير جعله نفاسا فيه تدافع. اه.
وقيل: إن ابتداء النفاس من الولادة لا من الدم، وعليه فزمن النقاء من النفاس. وفي
البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الاقوال ثلاثة: ابتداؤه من الولادة عددا وحكما.
الثاني: ابتداؤه من خروج الدم عددا وحكما. الثالث: ابتداؤه من الخروج من حيث أحكام
النفاس، وأما العدد فمحسوب من الولادة. وهذه الاقوال فيما إذا تأخر خروجه عن الولد
وكان بينهما نقاء، وأما إذا خرج الدم عقب الولادة فلا خلاف فيه. وينبني على
الاقوال أنه على الاول يحرم التمتع بها في زمن النقاء، ولا يلزمها قضاء الصلاة.
وأما على الثاني فيجوز التمتع بها في مدة النقاء، ويجب عليها قضاء، ويجب عليها
قضاء الصلوات في مدة النقاء، وكذا على الثالث. اه. (قوله: وأقله) أي النفاس.
وقوله: لحظة في عبارة: مجة. أي دفعة من الدم، وهي لا تكون إلا في اللحظة. وفي
عبارة: لا حد لاقله. أي لا يتقدر بقدر بل ما وجد منه عقب الولادة يكون نفاسا ولو
قليلا، ولا يوجد أقل من مجة. فمؤدى العبارات الثلاث واحد. (قوله: وغالبه أربعون
يوما) أي بلياليها، سواء تقدمت على الايام كأن طرقتها الولادة عند الغروب، أو
تأخرت كأن طرقتها الولادة عند طلوع الفجر، أو تلفقت كأن طرقتها في نصف الليل.
(قوله: وأكثره ستون يوما) أي بلياليها على ما مر. واعلم أنه قد أبدى أبو سهل
الصعلوكي معنى لطيفا في كون أكثر النفاس ستين يوما، وهو أن الدم يجتمع في الرحم
مدة تخلق الحمل وقبل نفخ الروح فيه أربعين يوما نطفة، ثم مثلها علقة، ثم مثلها
مضغة، فتلك أربعة أشهر. وأكثر الحيض خمسة عشر يوما في كل شهر، فالجملة ستون يوما.
وأما بعد نفخ الروح فيه فيتغذى بالدم من سرته لان فمه لا ينتفخ ما دام في بطن أمه
كما قيل، فلا يجتمع في الرحم دم من حين نفخ الروح فيه، وأنت خبير بأن ذلك لا يظهر
إلا بالنسبة لمن كان حيضها خمسة عشر يوما، إلا أنها حكمة لا يلزم اطرادها.
[ 90 ]
(قوله:
ويحرم به) أي بالنفاس. ويأتي فيه ما تقدم في قوله: ويحرم به ما يحرم بالجنابة.
وقوله: ما يحرم بالحيض حتى الطلاق إجماعا، لانه دم حيض يجتمع قبل نفخ الروح كما
مر. (قوله: ويجب الغسل أيضا بولادة) أي بانفصال جميع الولد. قال سم: الوجه فيما لو
خرج بعضه ثم رجع لا يجب الغسل بل يجب الوضوء. اه. وإنما وجب الغسل مما ذكر لانه
مني منعقد. وقوله: ولو بلا بلل الغاية للرد على من قال إنها حينئذ لا توجب الغسل
متمسكا بقوله (ص): إنما الماء من الماء. (قوله: وإلقاء علقة ومضغة) معطوف على
مدخول الباء فهو في حيز الغاية، أي ولو كانت بإلقاء علقة ومضغة. وعبارة التحفة:
ولو لعلقة ومضغة. قال القوابل: إنهما أصل آدمي. اه. (قوله: وبموت) معطوف على
بولادة. أي ويجب الغسل أيضا بموت مسلم. قال الكردي: ولو لسقط بلغ أربعة أشهر وإن
لم تظهر فيه أمارة الحياة، لان أحد حدود الموت يشمله وهو عدم الحياة عما من شأنه
الحياة. اه. وقوله: غير شهيد أما هو فيحرم غسله كما سيذكره في الجنائز. (تتمة) لم
يتعرض المؤلف للاستحاضة وأحكامها بالخصوص. وحاصل ذلك أن الاستحاضة هي الدم الخارج
في غير أوقات الحيض والنفاس، بأن خرج قبل تسع سنين أو بعدها، ونقص عن قدر يوم
وليلة، وبأن زاد على خمسة عشر يوما بلياليها، أو أتى قبل تمام أقل الطهر، أو مع
الطلق، ولم يتصل بحيض قبله. وهي حدث دائم فلا تمنع شيئا مما يمتنع بالحيض، من نحو
صلاة ووطئ، ولو مع جريان الدم. وإذا أرادت المستحاضة أن تصلي يجب عليها أن تغسل
فرجها من النجاسة، ثم تحشوه بنحو قطنة - وجوبا - دفعا للنجاسة أو تحفيفا لها، فإن
لم يكفها الحشو تعصب بعده بخرقة مشقوقة الطرفين على كيفية التلجم المشهور، ولا يضر
بعد ذلك خروج الدم إلا إن قصرت في الشد. ثم بعد ما ذكر تتوضأ، ثم عقب ذلك تصلي.
ويجب إعادة جميع ذلك لكل فرض عيني ولو نذرا. واعلم أنه يجب على النساء تعلم ما
يحتجن إليه من هذا الباب وغيره. فإن كان نحو زوجها عالما لزمه تعليمها، وإلا
فليسأل لها ويخبرها أو تخرج لتعلم ذلك، وليس لها الخروج لغير تعلم واجب من نحو
حضور مجلس ذكر إلا برضاه وبمحرم معها إن خرجت عن البلد. (قوله: وفرضه أي الغسل) و
(قوله: شيآن) يأتي فيه ما تقدم في قوله: وموجبه أربعة. وكونه شيئين مبني على طريقة
النووي رضي الله عنه من أن إزالة النجاسة ليست فرضا، وهي الراجحة. أما على طريقة
الرافعي من أنها فرض فيكون ثلاثة أشياء، وهي مرجوحة. (قوله: أحدهما) أي الشيئين.
(قوله: أي رفع حكمه) أي المذكور من الجنابة والحيض وهو المنع من نحو الصلاة -
وأفاد بهذا التفسير أنه يحتاج إلى تقدير مضاف بين المضاف والمضاف إليه في قوله:
رفع الجنابة ورفع الحيض، ومحل الاحتياج إليه بالنسبة للاول إن أريد بالجنابة
الاسباب - كالتقاء الختانين وإنزال المني - لانها لا ترتفع، فإن أريد بها الامر
الاعتباري القائم بالبدن الذي يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، أو أريد بها المنع
نفسه، فلا يحتاج لتقديره. (قوله: أو نية إلخ) بالرفع عطف على نية الاولى، ومثل نية
أداء فرض الغسل نية الغسل المفروض أو الغسل الواجب. (قوله: أو رفع حدث) بالجر،
معطوف على أداء فرض الغسل. أي أو نية رفع الحدث، أي بغير تقييده بالاكبر. وينصرف
إليه بقرينة كونه عليه، أو بتقيده به. (قوله: أو الطهارة عنه) أي أو نية الطهارة
عن الحدث. أي أو الطهارة للصلاة، ولا يكفي نية الطهارة فقط. ولو نوى المحدث غير ما
عليه، كأن نوى الجنب رفع حدث الحيض أو بالعكس، فإن كان غالطا صح، والمراد بالغلط
هنا اعتقاد أن ما عليه هو الذي نواه، على خلاف ما في الواقع. وليس المراد بالغلط
سبق لسانه إلى غير ما أراد أن ينطق به، إذ مجرد سبق اللسان لا أثر له لان الاعتبار
بما في القلب. وإن كان متعمدا لم يصح لتلاعبه. (قوله: أو أداء الغسل) أي أو نية
أداء الغسل. قال ع ش: فإن قلت: أي فرق بين أداء
[ 91 ]
الغسل
والغسل فقط ؟ لانه إن أريد بالاداء معناه الشرعي، وهو فعل العبادة في وقتها المقدر
لها شرعا لا يصح، لان الغسل لا وقت له مقدر شرعا ؟ وإن أريد معناه اللغوي، وهو
الفعل، ساوى نية الغسل ؟ ويجاب: بأن الاداء لا يستعمل إلا في العبادة. اه بجيرمي.
(قوله: لا الغسل فقط) أي لا يكفي نية الغسل فقط، وذلك لانه يكون عادة وعبادة، وبه
فارق الوضوء. قال البجيرمي نقلا عن البرماوي وق ل: وقد يكون مندوبا فلا ينصرف
للواجب إلا بالنص عليه، لانه لما تردد القصد فيه بين أسباب ثلاثة - العادي
كالتنظيف، والندب كالعيد، والوجوب كالجناية - احتاج إلى التعيين، بخلاف الوضوء
فليس له إلا سبب واحد وهو الحدث. فلم يحتج إلى التعيين لانه لا يكون عادة أصلا ولا
مندوبا لسبب، وليست الصلاة بعد الوضوء سببا للتجديد وإنما هي مجوزة له فقط لا
جالبة له، ولذلك لم تصح إضافته إليها. اه. (قوله: ويجب أن تكون النية) دخول على
المتن. وأفاد أن مقرونة يقرأ بالنصب خبرا لتكون مقدرة، ولا يتعين ذلك بل يصح أن
يكون منصوبا على الحال. وقوله: مقرونة بأوله أي الغسل. ويندب أن يقدمها مع السنن
المتقدمة كالسواك والبسملة وغسل الكفين ليثاب عليها. لكن إن اقترنت النية المعتبرة
بما يقع غسله فرضا فاته ثواب السنن المذكورة وكفته هذه النية. فالاحسن حينئذ أن
يفرق النية بأن يقول عند هذه السنن: نويت سنن الغسل. لثياب عليها. ثم ينوي النية
المعتبرة عند غسل الواجب غسله، كما في الوضوء. (قوله: فلو نوى) أي الجنب أو الحائض
ونحوه. وقوله بعد غسل جزء أي من بدنه. (قوله: وجب إعادة غسله) أي ذلك الجزء الذي
لم تقترن النية به، وذلك لعدم الاعتداد به قبل النية. فعلم أن وجوب قرنها بأوله
إنما هو للاعتداد به لا لصحة النية، لانها لا تصح وإن لم تقترن بأول الغسل، لكن
تجب إعادته. (قوله: لم يحتج إلى إعادة النية) أي لعدم اشتراط الموالاة فيه، بل هي
سنة فقط. كما صرح به في المنهاج في باب التيمم. (قوله: وثانيهما) أي الشيئين.
(قوله: تعميم ظاهر بدن) فلو لم يصل الماء إليه لحائل - كشمع أو وسخ تحت الاظفار -
لم يكف الغسل، وإن أزاله بعد فلا بد من غسل محله. ولا يجب هنا غسل ما بعده معه لان
بدن الجنب كله كعضو واحد، بخلاف الوضوء كما تقدم. وإنما وجب تعميمه لما صح من قوله
(ص): أما أنا فيكفيني أن أصب على رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي. ولان
الحدث عم جميع البدن فوجب تعميمه بالغسل. (قوله: حتى الاظفار) بالجر، عطف على
ظاهر. وقوله: وما تحتها أي وحتى ما تحت الاظفار فيجب غسله. وقد تقدم الكلام على ما
تحت الاظفار من الاوساخ فارجع إليه إن شئت. (قوله: والشعر) أي وحتى الشعر، وهو
معطوف على الاظفار المعطوفة على ظاهر البدن لا على البدن، وإلا لزم تسلط لفظ ظاهر
على جميع المعاطيف وانحل. المعنى: حتى ظاهر الاظفار وظاهر ما تحتها وظاهر الشعر
ظاهرا وباطنا، ولا يخفى ما فيه، تأمل. (قوله: وإن كثف) أي الشعر. وإنما وجب غسل
الكثيف هنا ظاهرا وباطنا، بخلافه في الوضوء، لقلة المشقة هنا بسبب عدم تكرره لكل
صلاة، وكثرتها في الوضوء لتكرره لكل صلاة. والشعر المضفور إن لم يصل الماء إلى
باطنه إلا بالنقض وجب نقضه ليصل الماء إلى باطنه، فإن وصل من غير نقض لم يجب نقضه.
(قوله: وما ظهر إلخ) أي وحتى ما ظهر إلخ. فهو معطوف على الاظفار أيضا. وقوله: من
نحو منبت شعرة لعل نحو ذلك هو منبت ظفر أزيل. (قوله: زالت) أي الشعرة. وقوله: قبل
غسلها فإن زالت بعده لا يجب غسله. (قوله: وصماخ) أي وما ظهر من صماخ للاذنين، فهو
معطوف على نحو. (قوله: وفرج امرأة) أي وما ظهر من فرج امرأة، بكر أو ثيب. قال
الكردي: وما يبدو من فرج البكر دون ما يبدو من فرج الثيب، فيختلف الوجوب في الثيب
والبكر. اه. وقوله: عند جلوسها متعلق بظهر المقدر. (قوله: وشقوق) أي وما ظهر من
شقوق - أي في البدن -
[ 92 ]
ولا غور
لها. وعبارة النهاية: وما يبدو من شقوق البدن التي لا غور لها. اه. (قوله: وباطن
جدري) أي وحتى باطن جدري، فهو بالجر معطوف على مدخول حتى وقوله: انفتح رأسه خرج به
ما إذا لم ينفتح فلا يجب شقه وغسل باطنه. (قوله: لا باطن قرحة) بالجر، عطف على
باطن جدري. أي فلا يجب تعميمه بالماء. (قوله: وارتفع قشرها) أي عن البشرة. وقوله:
لم يظهر شئ مما تحته أي القشر من باطن القرحة. والظاهر أن هذا القيد وما قبله لا
مفهوم لهما بل هما لبيان الواقع، وذلك لانهما لازمان للبرء. تأمل. (قوله: ويحرم
فتق الملتحم) أي من أصابع اليدين والرجلين، لانه ليس من ظاهر البدن. وعبارة
النهاية في مبحث سنن الوضوء: ولو كانت أصابعه ملتفة بحيث لا يصل الماء إليها إلا
بالتخليل ونحوه وجب، أو ملتحمة حرم فتقها لانه تعذيب بلا ضرورة. أي إن خاف محذور
تيمم فيما يظهر أخذا من العلة انتهت. ولو أخر هذه المسألة عن قوله: وما تحت قلفة،
لكان أولى، لتتصل المعاطيف، ولايهام عبارته أن وما تحت معطوف على فاعل يحرم.
(قوله: وما تحت قلفة) أي وحتى ما تحت قلفة من الاقلف، فهو معطوف على مدخول حتى.
وإنما وجب غسله لانه ظاهر حكما وإن لم يظهر حسا، لانها مستحقة الازالة. ولهذا لو
أزالها إنسان لم يضمنها. ومحل وجوب غسل ما تحتها إن تيسر ذلك بأن أمكن فسخها، وإلا
وجبت إزالتها. فإن تعذرت صلى كفاقد الطهورين. وهذا التفصيل في الحي، وأما الميت
فحيث لم يمكن غسل ما تحتها لا تزال لان ذلك يعد إزراء به، ويدفن بلا صلاة، على
المعتمد عند الرملي، وعند ابن حجر ييمم عما تحتها ويصلى عليه للضرورة. (قوله: لا
باطن شعر) الاولى تقديمه وذكره بعد قوله: وإن كثف، إذا هو مستثنى منه. ولو جعل من
المتن لكان ظاهرا. ومثل الشعر المنعقد باطن فم وأنف وعين وفرج وشعر نبت في العين
والانف، فلا يجب غسله. وقوله: انعقد بنفسه فإن عقده هو لا يعفى عنه مطلقا، قل أو
كثر. وقال بعضهم: يعفى عن القليل منه. (قوله: ولا يجب مضمضة واستنشاق) أي لان
محلهما ليس من الظاهر، وإن انكشف باطن الفم والانف بقطع ساترهما. ويغني عن هذا
قوله الآتي: فبعد إزالة القذر مضمضة واستنشاق. وقوله: بل يكره تركهما أي خروجا من
خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه. (قوله: بماء طهور) متعلق بتعميم. (قوله: ومر) أي في
شروط الوضوء. وعبارته هناك. وثالثها: أن لا يكون عليه - أي على العضو - مغير للماء
تغيرا ضارا، كزعفران وصندل. خلافا لجمع. اه. (قوله: ويكفي ظن عمومه) أي ويكفي في
الغسل ظن وصول الماء إلى جميع البشرة والشعر. (قوله: على البشرة والشعر) الاولى
حذف على، إذ المصدر يتعدى بنفسه كفعله. يقال: عمك الماء. (قوله: وإن لم يتيقنه) أي
العموم. ولا معنى لهذه الغاية بعد قوله: ويكفي ظن إلخ. (قوله: فلا يجب تيقن عمومه)
مفرع على قوله: ويكفي إلخ. (قوله: بل يكفي غلبة إلخ) هو عين المفرع عليه، فالاولى
حذفه. وقوله: به أي بعموم الماء. وقوله: فيه أي في الغسل. وقوله: كالوضوء أي كما
أنه يكفي غلبة ظن العموم فيه كما مر. (قوله: وسن إلخ) لما تكلم على الفرائض شرع
يتكلم على السنن. (قوله: للغسل الواجب) أي كغسل الجنابة والحيض والنفاس والولادة.
وقوله: والمندوب أي كغسل الجمعة والعيدين. (قوله: تسمية) نائب فاعل سن، ولا بد أن
يقصد بها الذكر وحده، أو يطلق إن كان محدثا حدثا أكبر. فإن قصد القراءة وحدها أو
مع الذكر حرم، ولا بد أن تكون مقرونة بالنية القلبية ليثاب عليها من حيث الغسل.
وقوله: أوله أي أول الغسل. وقد ذكر الشارح في الوضوء خلافا في كون أول السنن
التسمية أو السواك، وقد تقدم الجمع بينهما بأن من قال بالاول مراده أول السنن
القولية، ومن قال بالثاني مراده الفعلية. (قوله: وإزالة قذر) أي وسن إزالة قذر، أي
تقديمها على الغسل. قال ش ق: ومحل كون تقديم غسله من سنن الغسل إذا كانت النجاسة
غير
[ 93 ]
مغلظة
وكانت حكمية، أي لا يدرك لها طعم ولا لون ولا ريح. أو عينية، بأن يدرك لها واحد
مما ذكر، وكانت تزول بغسلة واحدة. أما العينية التي لا تزول بذلك فإزالتها قبل
الغسل شرط، فلا يصح مع بقائها لحيلولتها بين العضو والماء. وأما المغلظة فغسلها
بغير تتريب أو معه قبل استيفاء السبع لا يرفع الحدث - كما في شرح الرملي - فلو كان
على بدن الجنب نجاسة مغلظة فغسلها ستا ثم انغمس في ماء كدر كالنيل ناويا رفع الحدث
ارتفعت جنابته. اه. (قوله: طاهر) بدل من قذر. (قوله: كمني ومخاط) تمثيل للطاهر.
(قوله: ونجس) الواو بمعنى أو، وهو معطوف على طاهر. (قوله: كمذي) تمثيل للنجس،
ومثله الودي. (قوله: وإن كفى إلخ) غاية لسنية إزالة القذر، أي سن إزالة القذر وإن
كفى لهما - أي للحدث والقذر - غسلة واحدة. قال العلامة الكردي: وهذا هو الراجح في
المذهب، لكن يشترط في الطاهر أن لا يغير الماء تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء عليه،
وأن لا يمنع وصول الماء إلى ما تحته من البشرة. وفي النجاسة العينية أن تزول
النجاسة بغسلة، وأن يكون الماء الذي هو دون القلتين واردا على المتنجس، وأن لا
تتغير الغسالة ولو تغيرا يسيرا، وأن لا يزيد وزنها بعد اعتبار ما يتشربه المغسول
ويعطيه من الوسخ. فإن انتفى شرط من ذلك حكم ببقاء الحدث كالخبث. فعلم أن المغلظة
لا يطهر محلها عن الحدث إلا بعد تسبيعها مع التتريب. قال في الايعاب: فلو انغمس
بدون تتريب في نهر ألف مرة مثلا لم يرتفع حدثه. وبه يلغز فيقال: جنب انغمس في ماء
طهور ألف مرة بنية رفع الجنابة وليس ببدنه مانع حسي ولم يطهر. اه. (قوله: وأن
يبول إلخ) أي وسن أن يبول إلخ. وقوله: قبل أن يغتسل متعلق بيبول. وقوله: ليخرج ما
بقي أي من المني. وقوله: بمجراه أي البول. وذلك لانه لو لم يبل قبله لربما خرج منه
بعد الغسل فيجب عليه إعادة. (قوله: فبعد إزالة القذر إلخ) أي فبعد إزالة القذر سن
مضمضة واستنشاق، وهما سنتان مستقلتان غير المشتمل عليهما الوضوء. (قوله: ثم وضوء
كاملا) أي ثم سن وضوء كاملا. (قوله: رواه) أي الاتباع الشيخان، أي البخاري ومسلم.
(قوله: ويسن له) أي المغتسل. وقوله: استصحابه أي الوضوء. وقوله إلى الفراغ أي من
الغسل. (وقوله: حتى لو أحدث) أي قبل أن يغتسل. قوله: سن له إعادته أي الوضوء. وهذا
ما جرى عليه ابن حجر. وجرى م ر على سنية الاعادة، وعبارته: ولو توضأ قبل غسله ثم
أحدث قبل أن يغتسل لم يحتج لتحصيل سنة الوضوء إلى إعادته. كما أفتى به الوالد رحمه
الله تعالى. بخلاف ما لو غسل يديه في الوضوء ثم أحدث قبل المضمضة مثلا، فإنه يحتاج
في تحصيل السنة إلى إعادة غسلهما بعد نية الوضوء لان تلك النية بطلت بالحدث. اه.
قال ش ق: ويمكن الجمع بينهما بأن مراد الرملي أنه لا تطلب إعادته من حيث كونه من
سنن الغسل المأمور بها، فلا ينافي طلب إعادته من حيث الخروج من الخلاف، وهو مراد
ابن حجر اه. وعلى ما جرى عليه م ر ألغز السيوطي فيه فقال: قل للفقيه وللمفيد * *
ولكل ذي باع مديد ما قلت في متوضئ * * قد جاء بالامر السديد لا ينقضون وضوءه * *
مهما تغوط أو يزيد ووضوءه لم ينتقض * * إلا بإيلاج جديد أجابه بعضهم في قوله: يا
مبدئ اللغز السديد * * يا واحد العصر الفريد هذا الوضوء هو الذي * * للغسل سن كما
تفيد وهو الذي لم ينتقض إلا بإيلاج جديد (قوله: وزعم المحاملي) مبتدأ خبره ضعيف.
وقوله: اختصاصه أي الوضوء بالغسل الواجب، وعبارة ابن
[ 94 ]
قاسم:
قال في شرح العباب: وقضية كلامهم أن الوضوء إنما يكون سنة في الغسل الواجب. به صرح
أبو زرعة وغيره تبعا للمحاملي. ولو قيل بندبه - كغيره من سائر السنن التي ذكروها
هنا في الغسل المسنون أيضا - لم يبعد. ثم رأيت المصنف في باب الجمعة جزم بهذا
الاحتمال. اه. (قوله: والافضل عدم تأخير غسل قدميه) هذا لا يلائم قوله: ثم وضوء
كاملا. إذ كماله إنما يكون بعدم تأخير غسل قدميه. والاولى في المقابلة أن يقول كما
في المنهاج. وفي قول: يؤخر غسل قدميه. (قوله: وإن ثبت تأخيرهما) أي القدمين، أي
غسلهما. وقوله: في البخاري فقد روي فيه أنه (ص) توضأ وضوءه للصلاة غير غسل قدميه.
(قوله: ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده) في البجيرمي ما نصه: لو اغتسل ثم أراد أن
يتوضأ، فهل ينوي بالوضوء الفريضة لانه لم يتوضأ قبله ؟ أو ينوي به السنة لان وضوءه
اندرج في الغسل ؟. الجواب: أنه إن أراد الخروج من الخلاف نوى به الفريضة، وإلا نوى
به السنة، فيقول: نويت سنة الوضوء للغسل. وكذا يقول إذا قدمه، إن تجردت جنابته عن
الحدث وإلا فنية معتبرة. اه. ابن شرف اه. (قوله: لكن الافضل تقديمه) أي الوضوء
على الغسل. (قوله: ويكره تركه) أي الوضوء، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم
الاندراج، كما سيذكره. (قوله: وينوي به سنة الغسل) قال في التحفة: أي أو الوضوء
كما هو ظاهر. (قوله: إن تجردت جنابته) أي انفردت عنه، كأن نظر فأمنى أو تفكر
فأمنى. وقوله: وإلا أي وإن لم تتجرد عنه بل اجتمعت معه كما هو الغالب. نوى به رفع
الحدث. وظاهر هذا أنه ينوي ما ذكر وإن أخر الوضوء عن الغسل، وهو كذلك إن أراد
الخروج من الخلاف، وإلا نوى به سنة الغسل كما مر قريبا. وفي بشرى الكريم ما نصه:
وينوي به رفع الحدث الاصغر، وإن تجردت جنابته عنه وإن أخره عن الغسل، خروجا من
خلاف القائل بعدم اندراج الاصغر في الاكبر، ومن خلاف القائل: إن خروج المني ينقض
الوضوء. وينبغي لمن يغتسل من نحو إبريق. قرن النية بغسل محل الاستنجاء، إذ قد يغفل
عنه فلا يتم طهره، وإن ذكره احتاج إلى لف خرقة على يده وفيها كلفة، أو إلى المس
فينتقض وضوءه. فإذا قرنها به يصير على الكف حدث أصغر دون الاكبر، فيحتاج إلى غسلها
بنية الوضوء. فالاولى أن ينوي رفع الحدث عن محل الاستنجاء فقط ليسلم من ذلك. اه
بزيادة. وهذه المسألة تسمى بالدقيقة ودقيقة الدقيقة. فالدقيقة: النية عند محل غسل
الاستنجاء، ودقيقة الدقيقة: بقاء الحدث الاصغر على كفه. والمخلص من ذلك أن يقيد
النية بالقبل والدبر، كأن يقول: نويت رفع الحدث عن هذين المحلين. فيبقى حدث يده
ويرتفع بالغسل بعد ذلك كبقية بدنه. (قوله: خروجا إلخ) أي ينوي رفع الحدث الاصغر،
خروجا من خلاف موجب الوضوء. وقوله: بعدم الاندراج أي اندراج الحدث الاصغر في
الاكبر. (قوله: لزمه الوضوء) أي عند إرادة نحو الصلاة، كما هو ظاهر. (قوله: فتعهد
معاطف) أي ثم بعد الوضوء سن تعهد معاطفه، وهي ما فيه انعطاف والتواء، كطيات بطن
وكإبط وأذن. ويتأكد التعهد في الاذن فيأخذ كفا من ماء ويضع الاذن عليه برفق. قال
في التحفة: وإنما لم يجب ذلك حيث ظن وصوله إليها لان التعميم الواجب يكتفي فيه
بغلبة الظن. اه. (قوله: والموق) المراد به ما يشمل اللحاظ، وهو ما يلي الاذن.
وعبارة بعضهم: وموق ولحاظ. اه. (قوله: وتعهد إلخ) بالرفع، عطف على تعهد معاطف.
وقوله: أصول شعر أي منابت شعر. وعبارة المنهج القويم مع الاصل وتخليل أصول الشعر
ثلاثا بيده المبلولة، بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في الشعر ليشرب بها
أصوله. والمحرم في ذلك كغيره، لكن يتحرى الرفق خشية الانتتاف. (قوله: ثم غسل إلخ)
أي ثم بعد تعهد ما ذكر سن غسل رأس بإفاضة الماء. (قوله: بعد تخليله)
[ 95 ]
أي
الرأس، أي شعره، كما هو ظاهر. ولا حاجة إليه بعد قوله: وتعهد أصول شعر. إذ هو صادق
بشعر الرأس وغيره. وتعلم البعدية من تعبيره بثم، تأمل. (قوله: ولا تيامن فيه) أي
في الرأس. ومحله إن كان ما يفيضه يكفي كل الرأس، وإلا بدأ بالايمن، كما في
النهاية، ونصها: وظاهر كلامه أنه لا يسن في الرأس البداءة بالايمن. وبه صرح ابن
عبد السلام واعتمده الزركشي وهو ظاهر. إن كان ما يفيضه يكفي كل الرأس وإلا بدأ
بالايمن كما يبدأ به الاقطع وفاعل التخليل. اه. وقوله: لغير أقطع أي أما هو فيسن
له التيامن فيه. (قوله: ثم غسل شق أيمن) أي فيبدأ أولا بالجهة اليمنى من جسده ظهرا
وبطنا، فيفيض الماء عليها من قدام ثم من خلف، ثم يغسل الجهة اليسرى كذلك. وهذا في
غسل الحي، وأما في غسل الميت فيغسل شقه الايمن من قدام ثم الايسر كذلك، ثم يحرفه
ويغسل شقه الايمن من خلف ثم الايسر كذلك، لانه أسهل على الميت والغاسل. (قوله:
ودلك لما تصله يده) أي وسن دلك لذلك. قال البجيرمي: يقتضي هذا أن ما لم تصله يده
لا يسن دلكه، وليس كذلك، بل يسن له أن يستعين بعود ونحوه: اه. (قوله: خروجا إلخ)
علة لسنية الدلك، بقطع النظر عن قوله لما تصله يده. وذلك لان الموجب له يوجبه في
جميع البدن. وقوله: من خلاف من أوجبه هو الامام مالك رضي الله عنه، قال في التحفة:
دليلنا - أي على عدم الوجوب - أن الآية والخبر ليس فيهما تعرض له، مع أن اسم الغسل
شرعا ولغة لا يفتقر إليه. اه. (قوله: وتثليث) أي وسن تثليث. وقوله: لغسل جيمع
البدن إلخ فيغسل رأسه أولا ثلاثا، ثم شقه الايمن ثلاثا من قدام ومن خلف، ثم الايسر
كذلك، ويدلك ثلاثا، ويخلل ثلاثا. (قوله: ويحصل) أي التثليث. وقوله: في راكد أي في
الغسل في ماء راكد. (قوله: بتحرك) متعلق بيحصل. (قوله: وإن لم ينقل إلخ) غاية
لحصول التثليث بما ذكر. وقوله: على الاوجه أي من اضطراب فيه بين الاسنوي
والمتعقبين لكلامه، لان كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير الماء الذي قبله. ولم
ينظر لهذه الغيرية المقتضية للانفصال المقتضى للاستعمال، لان المدار في الانفصال
المقتضي له على انفصال البدن عنه عرفا، وما هنا ليس كذلك، وكأن الفرق أنه يغتفر في
حصول سنة التثليث ما لا يغتفر في حصول الاستعمال لانه إفساد للماء فلا يكفي فيه
الامور الاعتبارية. وقد مر فيمن أدخل يده بلا نية اغتراف أن له أن يحركها ثلاثا
ويحصل له سنة التثليث. اه تحفة. (قوله: واستقبال) أي وسن للغسل استقبال للقبلة.
(قوله: وموالاة) أي وسن موالاة. قال في التحفة بتفصيلها السابق. اه وهو أنها سنة
في حق السليم وواجبة في غيره. (قوله: وترك تكلم) أي وسن للمغتسل ترك تكلم. وقوله:
بلا حاجة أما بها فلا يسن تركه، كما مر في الوضوء. (قوله: وتنشيف) بالجر، عطف على
تكلم. أي وسن ترك تنشيف. وقوله: بلا عذر أما به فلا يسن تركه، كما مر أيضا. (قوله:
وتسن الشهادتان المتقدمتان) وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله. وقوله: مع ما معهما أي مع ما ذكر معهما هناك، وهو أن يزيد:
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا
إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وأن يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد،
وأن يقرأ * (إنا أنزلناه) * وأن يقول ذلك كله ثلاثا مستقبلا للقبلة، رافعا يديه
وبصره إلى السماء، ولو أعمى. وقوله: عقب الغسل متعلق بتسن. (قوله: وإن لا يغتسل
لجنابة إلخ) عبارة المغني: وأن لا يغتسل في الماء الراكد ولو كثر، أو بئر معينة -
كما في المجموع - بل يكره ذلك لخبر مسلم: لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب.
فقيل لابي هريرة: الراوي للحديث كيف يفعل ؟ قال: يتناوله تناولا. قال في المجموع:
قال في البيان: والوضوء فيه كالغسل، وهو محمول - كما قاله شيخنا - على وضوء الجنب،
وإنما كره ذلك لاختلاف العلماء في طهورية ذلك الماء، أو لشبهه بالمضاف إلى شئ لازم
كماء الورد، فيقال: ماء عرق أو وسخ. وينبغي أن يكون ذلك في
[ 96 ]
غير
المستبحر. اه. (قوله: في ماء راكد) متعلق بيغتسل. (قوله: لم يستبحر) أي يصر كثيرا
كالبحر. (قوله: كنابع إلخ) يحتمل أن الكاف لتمثيل الماء الراكد الذي يسن عدم
الاغتسال فيه، ويحتمل أنها للتنظير بناء على أن المراد بالماء الراكد غير الجاري
وغير النابع، وعلى كل يسن عدم الاغتسال فيه. وقوله: غير جار صفة لنابع. (قوله: لو
اغتسل لجنابة) أي أو حيض أو نفاس. وقوله: ونحو جمعة أي مع نحو جمعة، كعيد وكسوف
واستسقاء. وقوله: بنيتهما أي الجناية ونحو الجمعة. وقوله: حصلا أي حصل غسلهما، كما
لو نوى الفرض وتحية المسجد. (قوله: وإن كان الافضل إلخ) غاية للحصول. وقوله: إفراد
كل بغسل قال ع ش: قال في البحر: والاكمل أن يغتسل للجنابة ثم للجمعة، ذكره
أصحابنا. اه عميرة. اه. (قوله: أو لاحدهما) أي أو اغتسل لاحدهما فقط، كأن نوى
الجنابة أو الجمعة. وقوله: حصل فقط أي عملا بما نواه. وإنما لم يندرج النفل في
الفرض لانه مقصود، فأشبه سنة الظهر مع فرضه. (قوله: ولو أحدث) أي حدثا أصغر.
وقوله: ثم أجنب أي أو أجنب ثم أحدث أو أجنب وأحدث معا. (قوله: كفى غسل واحد) أي عن
الحدث والجنابة. قال في النهاية: وقد نبه الرافعي على أن الغسل إنما يقع عن
الجنابة، وأن الاصغر يضمحل معه، أي لا يبقى له حكم، فلذا عبر المصنف بقوله: كفى.
اه. (قوله: وإن لم ينو معه) أي الغسل، وهو غاية للاكتفاء به. قال ع ش: بل لو نفاه
لم ينتف. اه. (قوله: ولا رتب أعضاءه) أي وإن لم يرتب أعضاء الوضوء، فهو غاية
ثانية. (قوله: بعد انقطاع دمهما) أي الحائض والنفساء. (قوله: غسل فرج) نائب فاعل
يسن. وقوله: ووضوء أي إن وجد الماء، وإلا تيمم. وهذا الوضوء كوضوء التجديد والوضوء
لنحو القراءة، فلا بد فيه من نية معتبرة. أفاده في التحفة. (قوله: لنوم إلخ) متعلق
بكل من غسل فرج وضوء. وقوله: وشرب أي وجماع ثان أراده. قال في التحفة: وينبغي أن
يلحق بهذه الاربعة إرادة الذكر، أخذا من تيممه (ص) لرد سلام من سلم عليه جنبا. اه.
(قوله: ويكره فعل شئ من ذلك) أي من النوم والاكل والشرب. وقوله: بلا وضوء ظاهره
أنه يكره ذلك ولو مع غسل الفرج، وليس كذلك، بل يكفي غسل الفرج في حصول أصل السنة،
كما في التحفة. ونصها: ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل
أو شرب، وإلا كره. اه. (قوله: وينبغي أن لا يزيلوا إلخ) قال في الاحياء. لا ينبغي
أن يقلم أو يحلق أو يستحد أو يخرج دما أو يبين من نفسه جزءا وهو جنب، إذ يرد إليه
سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا. ويقال: إن كل شعرة تطالب بجنابتها. اه. وقوله:
ويقال إن كل شعرة إلخ قال ع ش: فائدته التوبيخ واللوم يوم القيامة لفاعل ذلك.
وينبغي أن محل ذلك حيث قصر، كأن دخل وقت الصلاة ولم يغتسل، وإلا فلا، كأن فاجأه
الموت. اه. (قوله: لان ذلك) أي المذكور من الشعر أو الظفر أو الدم المزال حال
الجنابة، أو الحيض أو النفاس. وقوله: يرد في الآخرة جنبا قال ق ل: وفي عود نحو
الدم نظر، وكذا في غيره، لان العائد هو الاجزاء التي مات عليها. اه. (قوله: وجاز)
أي للمغتسل. وقوله: تكشف أي عدم ستر عورته. (قوله: في خلوة) أي في محل خال عن
الذين يحرم عليهم نظر عورة المغتسل والذين يجوز لهم نظرها. (قوله: أو بحضرة إلخ)
أي أو ليس في خلوة ولكن بحضرة من يجوز له أن ينظر إلى عورة المغتسل. وقوله: كزوجة
وأمة تمثيل لمن يجوز له ذلك. (قوله: والستر) أي في الخلوة، أو بحضرة من يجوز له
[ 97 ]
النظر.
وقوله: أفضل أي لقوله (ص) لبهز بن حكيم: احفظ عورتك من زوجتك أو ما ملكت يمينك.
قال: أرأيت إن كان أحدنا خاليا ؟. قال: الله أحق أن يستحيى منه من الناس. فإن قيل:
الله سبحانه وتعالى لا يحجب عنه شئ، فما فائدة الستر له ؟ أجيب: بأن يرى متأدبا
بين يدي خالقه ورازقه. اه. مغني. ويسن لمن اغتسل عاريا أن يقول: باسم الله الذي
لا إله إلا هو. لان ذلك ستر عن أعين الجن. قال في التحفة: قال بعض الحفاظ: وأن يخط
من يغتسل في فلاة ولم يجد ما يستتر به خطأ كالدائرة، ثم يسمي الله ويغتسل فيها،
وأن لا يغتسل نصف النهار ولا عند العتمة، وأن لا يدخل الماء إلا بمئزره فإن أراد
إلقاءه فبعد أن يستر الماء عورته. اه. (قوله: وحرم) أي التكشف. وقوله: إن كان ثم
أي في محل الغسل. وقوله: من يحرم نظره إليها أي إلى عورته. ولا فرق في حرمة ذلك
حينئذ بين أن يغضوا أبصارهم أم لا. ولا يكفي قوله لهم غضوا أبصاركم. خلافا لمن
قيدها بما إذا لم يغضوا أبصارهم. (قوله: كما حرم) أي التكشف في الخلوة. وقوله: بلا
حاجة، هي كالغسل وتبرد وصيانة ثوب من الدنس. (قوله: وحل) أي التكشف. وقوله: فيها
أي الخلوة. وقوله: لادنى غرض أي لاقل حاجة، وهي ما تقدم. وقوله: كما يأتي أي في
مبحث ستر العورة. وعبارته هناك: فرع: يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا ولو بثوب نجس
أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة. لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل وما بين سرة
وركبة غيره، ويحوز كشفها في الخلوة - ولو من المسجد - لادنى غرض كتبريد وصيانة ثوب
من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل. اه. (تتمة) لم يتعرض المصنف لمكروهات
الغسل وشروطه، فمكروهاته هي مكروهات الوضوء، كالزيادة على الثلاث، والاسراف في
الماء، وشروطه هي شروط الوضوء، كعدم المنافي وعدم الحائل، إلى غير ذلك. ولا يسن
تجديد الغسل لانه لم ينقل ولما فيه من المشقة، بخلاف الوضوء. ويباح للرجال دخول
الحمام، ويجب عليهم غض البصر عما لا يحل لهم النظر إليه، وصون عوراتهم عن الكشف
بحضرة من لا يحل له النظر إليها. فقد روي أن الرجل إذا دخل الحمام عاريا لعنه
ملكاه. ويكره دخوله للنساء بلا عذر، لان أمرهن مبني على المبالغة في الستر، ولما
في خروجهن من الفتنة والشر، وقد ورد: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا
هتكت ما بينها وبين الله. وينبغي لداخله أن يقصد التطهير والتنظيف لا التنزه
والتنعم، وأن يتذكر بحرارته حرارة جهنم.. أعاذنا الله من النار، ووفقنا لمتابعة
النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (قوله: وثانيها) - مقابل قوله
أول الباب أحدها - طهارة عن حدث وجنابة. (قوله أي: ثاني شروط الصلاة) لو حذف لفظ
ثاني وجعل ما بعده تفسيرا للضمير لكان أخصر. (قوله: طهارة بدن) هو مرادف للجسم
والجسد. وقيل: إن البدن اسم لاعلى الشخص خاصة، أو الرأس والاطراف خاصة، وعلى هذا
فالاولى التعبير بالجسم. اه. ش ق. (قوله: ومنه) أي من البدن الذي تجب طهارته داخل
الفم، فلو أكل متنجسا لم تصح صلاته ما لم يغسل فمه. وقوله: والانف والعين أي
والاذن، وإنما لم يجب غسل ذلك في الجنابة لغلظ النجاسة. (قوله: وملبوس) أي وطهارة
ملبوس، كثوب ونحوه. (قوله: وغيره) أي غير ملبوس كمنديل. (قوله: من كل محمول) بيان
للغير، أي أو ملاق للمحمول. وقوله: له أي للمصلي. (قوله: وإن لم يتحرك) أي المحمول.
وقوله: بحركته أي المصلي، وذلك كطرف ذيله أو كمه أو عمامته الطويل. وفارق صحة
سجوده على ما لم يتحرك بحركته بأن اجتناب النجاسة فيها شرع للتعظيم، وهذا ينافيه.
والمطلوب في السجود الاستقرار على غيره، والمقصود حاصل بذلك. (قوله: ومكان يصلى
فيه) أي وطهارة مكان يصلى فيه، ويستثنى منه ما لو كثر ذرق الطيور فيه، فإنه يعفى
عنه في الفرش والارض بشروط ثلاثة: أن لا يتعمد الوقوف عليه، وأن لا تكون رطوبة،
وأن يشق الاحتراز عنه. (قوله: عن نجس) متعلق بطهارة. وقوله: غير معفو عنه اعلم أن
النجس من حيث هو ينقسم أربعة أقسام: قسم لا يعفى عنه في الثوب والماء، كروث وبول.
وقسم يعفى عنه فيهما، كما لا يدركه الطرف. وقسم يعفى عنه في
[ 98 ]
الثوب دو
ن الماء، كقليل الدم. وفرق الروياني بينهما بأن الماء يمكن صونه بخلاف الثوب، وبأن
غسل الثوب كل ساعة يقطعه بخلاف الماء. وقسم يعفى عنه في الماء دون الثوب، كميتة لا
دم لها سائل، وزبل الفيران التي في بيوت الا خلية. (قوله: فلا تصح إلخ) مفرع على
مفهوم قوله: طهارة بدون إلخ. وقوله: معه أي النجس المذكور في البدن والملبوس
والمكان. (قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) غاية لعدم صحة الصلاة معه، أي لا تصح معه،
ولو كان مع النسيان أو الجهل. وذلك لان الطهر عن النجس من قبيل الشروط، وهي من باب
خطاب الوضع الذي لا يؤثر فيه الجهل أو النسيان. قاله ابن حجر. (قوله: بوجوده أو
بكونه مبطلا) تنازعه كل من ناسيا أو جاهلا، والباء فيهما زائدة. فلو صلى بنجس لم
يعلمه أو علمه، ونسي ثم تذكر، وجبت الاعادة لكل صلاة صلاها متيقنا فعلها مع ذلك
النجس، بخلاف ما احتمل حدوثه بعده. (قوله: لقوله تعالى إلخ) دليل لاشتراط الطهارة
عن النجس. وقوله: * (وثيابك فطهر) *) أي على القول بأن معناها الطهارة عن النجاسة،
وإنما يتم الاستدلال به للطهارة في البدن بطريق القياس. اه بجيرمي. (قوله: ولخبر
الشيخين) هو قوله (ص): إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم
وصلي. ووجه الاستدلال به أن فيه الامر باجتناب النجس، وهو لا يجب بغير تضمخ في غير
الصلاة، فوجب فيها. والامر بالشئ يفيد النهي عن ضده، والنهي في العبادات يقتضي
فسادها. (قوله: ولا يضر) أي في صحة صلاته، لانه غير حامل ولا ملاق للنجس. وقيل:
يضر، لانه منسوب إليه لكونه مكان صلاته، فتعين طهارته كالذي يلاقيه. وقوله: محاذاة
نجس أي أو متنجس. وقوله: لبدنه أي أو محموله. (قوله: لكن تكره) أي الصلاة. وقوله:
مع محاذاته أي النجس. (قوله: كاستقبال إلخ) مثال للمحاذاة التي تكره الصلاة معها.
وقوله: نجس أو متنجس أي كائنين أمامه في جهة القبلة. قال في النهاية: وشمل كلامه
ما لو صلى ماشيا وبين خطواته نجاسة. قال بعضهم: وعموم كلامهم يتناول السقف، ولا
قائل به. ويرد بأنه تارة يقرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا، والكراهة حينئذ ظاهرة.
وتارة لا، فلا كراهة. وعلم من ذلك كراهة صلاته بإزاء متنجس في إحدى جهاته إن قرب
منه بحيث ينسب إليه، لا مطلقا كما هو ظاهر. اه. (قوله: والسقف كذلك) أي إذا كان
نجسا أو متنجسا تكره محاذاته، لكن مع القرب منه لا مع البعد عنه بحيث لا يعد
محاذيا له عرفا. (قوله: ولا يجب اجتناب النجس في غير الصلاة) أي إذا كان لحاجة،
بدليل التقييد بعد بقوله: ومحله إلخ، كأن بال ولم يجد شيئا يستنجي به فله تنشيف
ذكره بيده ومسكه بها، وكمن ينزح الا خلية ونحوها، وكمن يذبح البهائم، وكمن احتاج
إليه للتداوي كشرب بول الابل لذلك، كما أمر (ص) به العرنيين. فإن كان لغير حاجة
وجب اجتنابه، لان ما حرم ارتكابه وجب اجتنابه. (قوله: ومحله) أي محل عدم وجوب
اجتنابه. (قوله: في غير التضمخ به) أي التلطخ بالنجس عمدا. (قوله: أو ثوب) قال في
التحفة: على تناقض فيه. اه. (قوله: فهو) أي التضمخ، والفاء للتعليل. وقوله: بلا
حاجة أما معها فلا يحرم، وقد علمتها. (قوله: وهو) أي النجس. وقوله: شرعا إلخ وأما
لغة: فهو كل مستقذر، ولو معنويا كالكبر والعجب، أو طاهرا كالمخاط والمني. (قوله:
مستقذر إلخ) عرفه بعضهم بقوله: هو كل عين حرم تناولها على الاطلاق حالة الاختيار
مع سهولة التمييز، لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن
[ 99 ]
أو عقل.
وقوله: على الاطلاق: خرج به ما يباح قليله ويحرم كثيره، كالبنج والافيون والحشيشة
وجوزة الطيب، فهو طاهر. وقوله: حالة الاختيار: هو للادخال لا للاخراج، لان الاضطرار
إنما أباح تناولها ولم يخرجها من النجاسة. وقوله مع سهولة التمييز: هو للادخال
أيضا، لان دون الفاكهة والجبن ونحوهما نجس وإن أبيح تناوله، لعسر تمييزه. وقوله:
لا لحرمتها: أي تعظيمها، خرج به لحم الآدمي فإنه طاهر، وحرمة تناوله لا لنجاسته بل
لحرمته. وقوله: ولا لاستقذارها: خرج به نحو المخالط فإنه طاهر أيضا، وحرمة تناوله
لا لنجاسته بل لاستقذاره. وقوله: ولا لضررها في بدن أو عقل: خرج به ما ضر بالبدن
كالسميات، أو العقل كالافيون والزعفران، فإنه طاهر وحرمة تناوله لا لنجاسته بل
لضرره. ونفي الاستقذار في هذا التعريف لا ينافي ثبوته في تعريف الشارح لان المنفي
الاستقذار اللغوي، والمثبت الاستقذار الشرعي. على أن قولهم: لا لاستقذارها. لا
يقتضي أنها ليست مستقذرة، بل إن حرمة تناولها ليست لاجل استقذارها وإن كان ثابتا.
(قوله: يمنع صحة الصلاة) اعترض بأن هذا حكم، وهو لا يجوز دخوله في الحد لانه يؤدي
إلى الدور لتوقف معرفة المعرف - وهو النجس - على معرفة الحكم - وهو المنع من صحة
الصلاة ؟. وأجيب: بأنه رسم لا حد، والممنوع أخذ الحكم في الحدود. قال في السلم:
وعندهم من جملة المردودأن دخل الاحكام في الحدود (قوله: حيث لا مرخص) أي موجود، وهذا
القيد للادخال، فيدخل المستنجي بالحجر فإنه يعفى عن أثر الاستنجاء وتصح إمامته،
ومع ذلك محكوم على هذا الاثر بالتنجس إلا أنه عفي عنه. ويدخل أيضا فاقد الطهورين
إذا كان عليه نجاسة، فإنه يصلي لحرمة الوقت ولكن عليه الاعادة. (قوله: فهو) أي
النجس، والفاء فاء الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر، فكأن سائلا سأل عن النجس ما هو ؟
فقال: هو إلخ. (قوله: كروث وبول) أي لما رواه البخاري: إنه (ص) لما جئ له بحجرين
وروثة ليستنجي بها أخذ الحجرين ورد الروثة، وقال: هذا ركس والركس: النجس. وللامر
بصب الماء على البول في خبر الاعرابي الذي بال في المسجد. وقيس به سائر الابوال
واستثني من ذلك فضلات النبي (ص) فهي طاهرة، كما جزم به البغوي، وصححه القاضي
وغيره. وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي أعتقده وألقى الله به. قال الزركشي: وينبغي
طرد الطهارة في فضلات سائر الانبياء، والحصاة التي تخرج عقب البول إن تيقن انعقادها
منه فهي نجسة وإلا فمتنجسة. (قوله: ولو كانا) أي الروث والبول، والغاية للرد.
وقوله: من طائر أي مأكول، لما علمت أن الغاية للرد وهي لا تكون إلا فيه، لانه إذا
كان غير مأكول فلا خلاف فيه، وقد صرح بالقيد المذكور في النهاية. (قوله: أو من
مأكول) من ذكر العام بعد الخاص، إذ الطائر والسمك والجراد من المأكول. ولو لم يذكر
الغاية السابقة واستغنى بهذا لكان أولى وأخصر. تأمل. (قوله: قال الاصطخري إلخ) هذا
مقابل الاصح. (قوله: إنهما) أي الروث والبول. وهو بكسر الهمزة مقول القول. (قوله:
فإن كان صلبا إلخ) أي فإن كان الحب الذي راثته أو قاءته صلبا، أي جامدا صحيحا.
وعبارة النهاية: نعم، لو رجع منه حب صحيح صلابته باقية، بحيث لو زرع نبت، كان
متنجسا لا نجسا. ويحمل كلام من أطلق نجاسته على ما إذا لم يبق فيه تلك القوة، ومن
أطلق كونه متنجسا على بقائها فيه، كما في نظيره من الروث. اه. (قوله: ولم يبينوا)
أي الفقهاء. وقوله: حكم غير الحب أي كالبيض واللوز والجوز ونحو ذلك، إذا قاءته
البهيمة أو راثته. قال في النهاية: وقياسه - أي الحب - في البيض لو خرج منه صحيحا
بعد ابتلاعه بحيث تكون فيه قوة خروج الفرخ أن يكون متنجسا لا نجسا. اه. (قوله:
قال شيخنا) أي في فتح الجواد. واعلم أن قوله: ولو راثت، إلى قوله: وإلا فمتنجس.
عبارة فتح الجواد: خلافا لما يوهمه صنيعه.
[ 100 ]
(قوله:
والذي يظهر أنه) أي غير الحب. (قوله: إن تغير عن حاله قبل البلع) أي تغير عن صفته
الكائنة قبل البلع. (قوله: فنجس) أي فهو نجس. (قوله: وإلا فمتنجس) أي وإن لم يتغير
عن حاله فهو متنجس كالحب. (قوله: العفو عن بول إلخ) يعني أنه إذا بالت البقر على
الحب حال دياستها عليه يعفى عن بولها للضرورة. (قوله: وعن الجويني تشديد النكير)
أي ونقل عن الجويني أنه شدد في النكير، أي أنكر إنكارا شديدا على البحث عن بول بقر
الدياسة على الحب. وهو مؤيد لما في المجموع. وقوله: وتطهيره بالجر، عطف على البحث
وضميره يعود على الحب الذي فيه بول ما ذكر. أي وتشديد النكير على تطهير الحب عن
بول ما ذكر، وذلك لما فيه من المشقة. (قوله: إذا وقع) أي البعر، في مائع، أي ماء
أو غيره. (قوله: وعمت البلوى به) أي بوقوعه في المائع. (قوله: وأما ما يوجد إلخ)
لم يذكر مقابلا لاما، فكان الاولى إسقاطها. وقوله: كالرغوة الجار والمجرور حال من
ما، أي حال كون الذي يوجد على الورق كائنا كالرغوة في البياض. وقوله: فنجس انظر هل
هو معفو عنه أم لا ؟. ومقتضى قوله الآتي أو بين أوراق شجر النارجيل الاول. (قوله:
بل هو نبات في البحر) قال في التحفة: فما تحقق منه أنه مبلوع متنجس لانه متجمد
غليظ لا يستحيل. (قوله: ومذي) بالجر عطف على روث. (قوله: للامر بغسل الذكر منه) أي
في خبر الشيخين في قصة سيدنا علي رضي الله عنه لما قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن
أسأل النبي (ص) لقرب ابنته مني، فأخبرت المغيرة، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ. (قوله:
وهو) أي المذي. وقوله: ماء أبيض أو أصفر رقيق قال ابن الصلاح: إنه يكون في الشتاء
أبيض ثخينا وفي الصيف أصفر رقيقا، وربما لا يحس بخروجه وهو أغلب في النساء منه في
الرجال، خصوصا عند هيجانهن. (قوله: وودي) بالجر أيضا، عطف على روث. (قوله: بمهملة)
قال في التحفة: ويجوز إعجامها. اه. (قوله: عقب البول) أي حيث استمسكت الطبيعة.
(قوله: أو عند حمل شئ ثقيل) أي أو يخرج عند حمل شئ ثقيل. (قوله: ودم) بالجر أيضا،
عطف على روث، فهو نجس ولو سال من سمك وكبد وطحال، لقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا)
* أي سائلا. ولخبر: فاغسلي عنك الدم وصلي. وخرج بالمسفوح في الآية الكبد والطحال
فهما طاهران. قال ع ش: وإن سحقا وصارا كالدم. اه. (قوله: حتى ما بقي على نحو عظم)
أي حتى الدم الباقي على نحو عظم فإنه نجس. وقيل: إنه طاهر. وهو قضية كلام النووي
في المجموع، وجرى عليه السبكي. ويدل له من السنة قول عائشة رضي الله عنها: كنا
نطبخ البرمة على عهد رسول الله (ص) تعلوها الصفرة من الدم فيأكل ولا ينكره.
والمعتمد الاول لانه دم مسفوح، ولا ينافيه ما تقدم من السنة، لانه محمول على العفو
عنه، ومعلوم أن العفو لا ينافي النجاسة. (قوله: لكنه) أي ما بقي على نحو عظم.
وقوله: معفو عنه أي في الاكل، وإن اختلط بماء الطبخ وغيره وكان واردا على الماء.
نعم، إن لاقاه ماء لغسله اشترط زوال أوصافه قبل وضعه في القدر، فما يفعله الجزارون
الآن من صب الماء على المذبح لازالة الدم عنه مضر لعدم إزالة الاوصاف. وقال ابن
العماد في منظومته: والدم في اللحم معفو كذا نقلوا فقبل غسل فلا بأس بطبخته وشيخ
شيراز لم يسمح بما نقلوا بل عد من واجب تطهير لحمته
[ 101 ]
(قوله:
واستثنوا منه) أي من الدم. (قوله: الكبد والطحال) أي لخبر الصحيحين: أحلت لنا
ميتتان ودمان. السمك والجراد، والكبد والطحال. (قوله: والمسك) أي واستثنوا المسك،
فإنه طاهر لخبر مسلم: المسك أطيب الطيب. وقوله: ولو من ميت أي ولو انفصل من ظبي
ميت، وهذا بخلاف فأرته، فإنها إن انفصلت من ميت فهي نجسة، وإن انفصلت من حي فهي
طاهرة. والتفصيل المذكور بين المسك وفأرته هو ما جرى عليه ابن حجر. وجرى شيخ
الاسلام في شرح الروض على أنه لا فرق بينهما، بل إن انفصلا في حال الحياة فهما
طاهران وإلا فنجسان. ونص عبارته وظاهر كلامه - كالاصل - أن المسك طاهر مطلقا، وجرى
عليه الزركشي والاوجه أنه كالانفحة جريا على الاصل في أن المبان من الميتة النجسة
نجس. اه. ووافقه م ر على ذلك. (قوله: إن انعقد) أي المسك، وتجسد. (قوله: والعلقة)
أي واستثنوا العلقة، وهي دم غليظ استحالت عن المني. وقوله: والمضغة وهي لحمة صغيرة
استحالت عن العلقة. (قوله: ولبنا) أي واستثنوا لبنا فهو طاهر، ومحله إذا كان من
مأكول أو من آدمي، فإن كان من غيره فهو نجس. (قوله: ودم بيضة) أي واستثنوا دم
بيضة. وقوله: لم تفسد أي لم تصر مذرة بحيث لا تصلح للتفرخ، فإن فسدت فهو نجس.
وعبارة النهاية: ولو استحالت البيضة دما وصلح للتخلق فطاهرة، وإلا فلا. وقوله وإلا
فلا، قال ع ش: من ذلك: البيض الذي يحصل من الحيوان بلا كبس ذكر، فإنه إذا صار دما
كان نجسا لانه لا يأتي منه حيوان. اه ابن حجر بالمعنى. اه. وعبارة المغني: ولو
استحالت البيضة دما فهي طاهرة على ما صححه المصنف في تنقيحه هنا، وصحح في شروط
الصلاة منه. وفي التحقيق وغيره أنها نجسة. قال شيخنا: وهو ظاهر على القول بنجاسة
مني غير الآدمي، وأما على غيره فالاوجه حمله على ما إذا لم يستحل حيوانا. والاول
على خلافه. (فائدة) يقال مذرت البيضة - بالذال المعجمة - إذا والاول على خلافه
فست. وفي الحديث: شر النساء المذرة الوذرة. أي الفاسدة التي لا تستحي عند الجماع.
اه. والاستثناء في هذه المذكورات متصل، إذ الكبد والطحال دمان تجمد، أو المسك دم
استحال طيبا، والعلقة والمضغة أصلهما، وهو المني دم مستحيل، واللبن أصله دم. وإنما
حكم عليها بالطهارة لان الاستحالة تقتضي التطهر كالتخلل. (قوله: وقيح) بالجر، عطف
على روث، فهو نجس. (قوله: لانه دم مستحيل) لك أن تقول: كونه كذلك لا يقتضي نجاسته،
بدليل المني واللبن. إلا أن يجاب بأن المراد مستحيل إلى فساد لا إلى صلاح. فتأمل.
سم بجيرمي. (قوله: وصديد) بالجر، عطف على قيح أو على روث، فهو نجس. (قوله: وهو) أي
الصديد: ماء رقيق، أي ليس بثخين. (قوله: وكذا ماء إلخ) أي ومثل الصديد ماء جرح،
وماء جدري، وماء نفط. وقوله: إن تغير أي هو نجس إن تغير. (قوله: وإلا) أي وإن لم
يتغير. وقوله: فماؤها طاهر الاولى: فهو طاهر، لان المقام للاضمار. وعبارة شرح الروض:
فإن لم يتغير ماء القرح فطاهر كالعرق، خلافا للرافعي. اه. (قوله: وقئ معدة)
بالجر، عطف على روث، فهو نجس. ويستثنى منه الغسل بناء على أنه يخرج من فم النحل،
وقيل: يخرج من دبرها، وعليه فهو مستثنى من الروث. وقيل: يخرج من ثقتين تحت جناحها،
وعليه فلا استثناء إلا بالنظر إلى أنه حينئذ كاللبن، وهو من غير المأكول نجس.
(قوله: وإن لم يتغير) أي وإن لم يخرج القئ متغيرا. (قوله: ولو ماء) أي ولو كان
ماء. ولو فوق قلتين خلافا للاسنوي. حيث ادعى أن الماء دون القلتين يكون متنجسا لا
نجسا يطهر بالمكاثرة، قياسا على الحب. بجيرمي. (قوله: قبل الوصول إليها) أي
المعدة. (قوله: خلافا
[ 102 ]
للقفال)
أي القائل بأن ما رجع من الطعام قبل وصوله للمعدة متنجس. وجرى الجمال الرملي في
النهاية على أن ما جاوز مخرج الباطن - وهو الحاء المهملة - نجس وإن لم يصل إلى
المعدة. (قوله: وأفتى شيخنا أن الصبي إلخ) عبارة فتاويه: وسئل رضي الله عنه: هل
يعفى عما يصيب ثدي المرضعة من ريق الرضيع المتنجس بقئ أو ابتلاع نجاسة أم لا ؟
فأجاب رضي الله عنه: ويعفى عن فم الصغير وإن تحققت نجاسته. كما صرح به ابن الصلاح
فقال: يعفى عما اتصل به شئ من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها. وألحق بها غيرها من
أفواه المجانين. وجزم به الزركشي. ويؤيد ذلك نقل المحب الطبري عن ابن الصباغ،
واعتمد أنه يعفى عن جرة البعير فلا تنجس ما شربت منه، ويعفى عما يتطاير من ريقه
المتنجس، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقر والضأن إذا التقم أخلاف أمه، لمشقة
الاحتراز عنه، سيما في حق المخالط لها. ويؤيده ما في المجموع عن الشيخ أبي منصور
أنه يعفى عما تحقق إصابة بول ثور الدياسة له. والله سبحانه وتعالى أعلم. اه. وإذا
تأملت الجواب المذكور تجد فيه أنه لا فرق في العفو عن فم الصبي بين ثدي أمه الداخل
في فيه وغيره من المقبل له، والمماس له، وليس فيه تخصيص بالثدي المذكور. وسينقل
الشارح عن ابن الصلاح ما يفيد العموم. فهو موافق لجواب الفتاوي المذكور. ويمكن أن
يقال إن لشيخه فتوى غير هذه لم تقيد في الفتاوي. (قوله: عفي إلخ) أي فلها أن تصلي
به ولا تغسله. وقوله: عن ثدي أمه هو صادق بغير الحلمة. لكن قوله: الداخل في فيه
يخصصه بها، إذ هي التي تدخل ففم الصبي لا غير. (قوله: لا عن مقبله) هو بضم الميم
وفتح القاف وتشديد الباء. وقوله: أو مماسة من عطف العام على الخاص. فلو قبل فم
الصبي المبتلى بتتابع القئ، أو مسه، ولو من غير تقبيل، لا يعفى عنه فيجب غسله.
ونقل سم عن م ر أنه لو تنجس فم الصبي الصغير بنحو القئ، ولم يغب وتمكن من تطهيره،
بل استمر معلوم التنجس، عفي عنه فيما يشق الاحتراز عنه، كالتقام ثدي أمه فلا يجب
عليها غسله، وكتقبيله في فمه على وجه الشفقة مع الرطوبة فلا يلزم تطهير الفم. اه.
(قوله: وكمرة) الاولى حذف الكاف لانه معطوف على قئ معدة، أو على روث. وهي بكسر
الميم وتشديد الراء: ما في المرارة، أي الجلدة. وخرج بما فيها نفسها فإنها متنجسة
تطهر بالغسل فيجوز أكلها إن كانت من حيوان مأكول كالكرش - بفتح الكاف وكسر الراء:
(قوله: ولبن غير مأكول) ولو من أتان، خلافا للاصطخري. وفارق منيه وبيضه بأنهما أصل
حيوان طاهر فكانا طاهرين مثله، واللبن مرباه، والاصل أقوى من المربى. وخرج به
المأكول لحمه فإنه طاهر، لقوله تعالى: * (لبنا خالصا سائغا للشاربين) *. وقوله:
إلا الآدمي أي فلبنه طاهر ولو من صغير ذكر ميت، لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني
آدم) * ولا يليق بكرامته أن يكون منشؤه نجسا، ولانه أولى بالطهارة من المني.
(قوله: وجرة نحو بعير) وهي بكسر الجيم، ما يخرجه البعير ونحوه ليجتر عليه، أي
ليأكله ثانيا. وأما قلة البعير - وهي ما يخرجه من جانب فمه - فطاهرة لانها من
اللسان. (قوله: أما المني فطاهر) الاولى: والمني طاهر، بحذف أما والفاء لعدم ذكر
المقابل. والمجمل وهو طاهر من كل حيوان ما عدا الكلب والخنزير والمتولد منهما، أما
مني الآدمي فلحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحك المني من ثوب رسول الله (ص)
ثم يصلي فيه. وأما مني غيره،
[ 103 ]
فلانه
أصل حيوان طاهر فأشبه مني الادمي. ومحل طهارة المني. إن كان رأس الذكر والفرج الذي
خرج منه المني طاهرا، وإلا كان متنجسا وحرم الجماع، كالمستنجي بالحجر إذا خرج منه
مني فإنه يكون متنجسا، وكما إذا خرج منه مذي - كما هو الغالب من سبقه للمني - فإنه
يتنجس به. نعم، يعفى عمن ابتلي به بالنسبة للجماع، كما صرح به البجيرمي في باب
النجاسة. (قوله: خلافا للمالك) عبارة البجيرمي: وقال الامام أبو حنيفة ومالك
بنجاسة المني من الآدمي. وقال الشافعي وأحمد إنه طاهر. زاد الشافعي: وكذا مني كل
حيوان طاهر. وأما حكم التنزه عنه فيجب غسله عند مالك رطبا ويابسا. وعند أبي حنيفة
يغسل رطبا ويفرك يابسا كما ورد. اه. (قوله: وكذا بلغم غير معدة) أي فهو طاهر مثل
المني بخلاف بلغم المعدة فإنه نجس. (وقوله: من رأس أو صدر) بيان لغير المعدة.
(قوله: وماء سائل إلخ) أي وكذا مثل المني ماء سائل فهو طاهر. وقوله: من فم نائم هو
ليس بقيد بل للغالب. (قوله: ولو نتنا أو أصفر) أي ولو كان الماء السائل خرج نتنا
أي له رائحة، أو خرج أصفر. (وقوله: ما لم يتحقق أنه من معدة) بأن تحقق أنه من
غيرها، أو شك فيه هل هو من المعدة أو غيرها ؟. لكن الاولى غسل ما يحتمل أنه منها. فإن
تحقق أنه منها فهو نجس. وقوله: إلا ممن ابتلي به المراد بالابتلاء أن يكثر وجوده
بحيث يقل خلوه عنه. وقوله: فيعفى عنه أي في الثوب وغيره، ومثله من ابتلي بالقئ،
فيعفى عنه في الثوب والبدن، كما في النهاية. وقد ذكر ابن العماد ثلاثة أقوال فيما
سال من فم النائم وهي: قيل: إنه طاهر مطلقا. وقيل: إنه نجس مطلقا. والثالث:
التفصيل بين الخارج من المعدة والخارج من الفم. وذكر أيضا ثلاثة أقوال في علامة
الخارج من المعدة أو الفم، فقال: ومن إذا نام سال الماء من فمه مع التغير نجس في
تتمته قال الجويني ما من بطنه نجس وطاهر ما جرى من ماء لهوته ونص كاف متى ما صفرة
وجدت فإنه قد جرى من ماء معدته وقيل ما بطنه إن نام لازمه بأن يرى سائلا مع طول
نومته والماء من لهوة بالعكس آيته من بله شفة جفت بريقته وبعضهم إن ينم والرأس
مرتفع على الوساد فذا طاهر كريقته وأنكر الطب كون البطن ترسله بو ليث الجنفي أفتى
بطهرته وقد رأى عكسه تنجيسه المزني فبلغم عنده رجس كقيئته من دام هذا به مع قولنا
نجس في حقه قد عفوا عنه كبثرته (قوله: ورطوبة فرج) معطوف على بلغم. أي فهي طاهرة
أيضا، سواء خرجت من آدمي أو من حيوان طاهر غيره.
[ 104 ]
(قوله:
على الاصح) مقابله أنها نجسة. (قوله: وهي) أي رطوبة الفرج الطاهرة على الاصح.
(قوله: متردد بين المذي والعرق) أي ليس مذيا محضا ولا عرقا كذلك. (قوله: الذي لا
يجب غسله) خالف في ذلك الجمال الرملي، وقال: إنها إن خرجت من محل لا يجب غسله فهي
نجسة، لانها حينئذ رطوبة جوفية. وحاصل ما ذكره الشارح فيها أنها ثلاثة أقسام:
طاهرة قطعا، وهي ما تخرج مما يجب غسله في الاستنجاء، وهو ما يظهر عند جلوسها.
ونجسة قطعا، وهي ما تخرج من وراء باطن الفرج، وهو ما لا يصله ذكر المجامع. وطاهرة
على الاصح، وهي ما تخرج مما لا يجب غسله ويصله ذكر المجامع. وهذا التفصيل هو ملخص
ما في التحفة. وقال العلامة الكردي: أطلق في شرحي الارشاد نجاسة ما تحقق خروجه من
الباطن، وفي شرح العباب بعد كلام طويل. والحاصل أن الاوجه ما دل عليه كلام
المجموع: أنها متى خرجت مما لا يجب غسله كانت نجسة. اه. وفي سم ما نصه: قال - أي
في شرح العباب - وتردد ابن العماد في طهارة القصة البيضاء، وهي التي تخرج عقب
انقطاع الحيض. والظاهر أنه إن تحقق خروجها من باطن الفرج، أو أنها نحو دم متجمد،
فنجسة وإلا فطاهرة. اه. وقوله: وتردد ابن العماد. قال في نظمه للمعفوات: ترية
لدماء الحيض معقبة في طهرها نظر تسمى بقصته قال في شرحه: وينبغي أن يقال إن قلنا
بنجاسة رطوبة الفرج فهي نجسة، أو بطهارته فوجهان أصحهما طهارتها. قال أحمد بن
حنبل: سألت الشافعي رضي الله عنه عن القصة البيضاء فقال: هو شئ يتبع دم الحيض،
فإذا رأته فهو طاهر. (قوله: فإنه طاهر قطعا) قال في التحفة: القطع فيه وفيما بعده،
ذكره الامام واعترض بأن المنقول جريان الخلاف في الكل. اه. (قوله: ككل خارج من
الباطن) أي فإنه نجس، ما عدا البيض والولد فإنهما طاهران، كما سيصرح به قريبا.
(قوله: وكالماء الخارج مع الولد) أي فإنه نجس. وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على
العام. وعبارة التحفة فيها إسقاط حرف العطف، وهو أولى، وعليه فيكون مثالا للخارج
من الباطن. (قوله: ولا فرق بين انفصالها وعدمه) أي لا فرق في التفصيل المذكور بين
انفصال رطوبة الفرج وعدمه. فالانفصال ليس شرطا في الحكم عليها بأنها نجسة، وعدمه
ليس شرطا في الحكم عليها بالطهارة، خلافا لبعضهم. (قوله: قال بعضهم) مقابل
المعتمد. (قوله: فلو انفصلت) أي وإذا لم تنفصل فهي طاهرة. وقوله: أنها نجسة قال
سم: لانها ليس لها قوة على الانفصال إلا إذا خرجت من الباطن فتكون نجسة. اه.
(قوله: ولا يجب غسل ذكر المجامع إلخ) أي من رطوبة الفرج، سواء كانت طاهرة أو نجسة،
لانها على الثاني يعفى عنها فلا تنجس ما ذكر، ولا تنجس أيضا مني المرأة. قال ابن
العماد: رطوبة الفرج من يحكي نجاستها قد قال في ولد يعفى وبيضته (قوله: وأفتى
شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور) أي فهي نجسة معفو عنها، والمراد بها ما يخرج من دم
ونحوه. (قوله: وكذا بيض) معطوف على قوله وكذا بلغم. أي فهو طاهر مثل المني. وقوله:
غير مأكول أي من حيوان طاهر. وعبارة الروض وشرحه: والبيض المأخوذ من حيوان طاهر
ولو من غير مأكول، وكذا المأخوذ من ميتة إن تصلب، وبزر قز، ومني غير الكلب
والخنزير، طاهرة. وخرج بما ذكر بيض الميتة غير المتصلب ومني الكلب وما بعده، وشمل
إطلاقه البيض إذا استحال دما. اه بحذف. (قوله: ويحل أكله) قال في التحفة: ما لم
يعلم ضرره. (قوله: وشعر مأكول وريشه) معطوف على بيض. أي فهما طاهران. وقوله: إذا
أبين أي أزيل كل منهما في حياته. أي أو بعد تذكيته، سواء كان بالجز أو بالتناثر.
(قوله:
[ 105 ]
وقياسه)
أي الشعر ونحوه. وقوله: أن العظم كذلك أي فإذا شك فيه، هل هو من المأكول المذكى أو
من غيره فهو طاهر وإن كان مرميا، لجريان العادة برمي العظم الطاهر. (قوله: وبيض
الميتة إلخ) الانسب تقديم هذا وذكره بعد قوله وكذا بيض إلخ. (قوله: وسؤر) بالهمزة،
وتقلب واوا، بقية الشرب من ماء أو مائع، وهو مبتدأ خبره طاهر الثاني. وقوله: حيوان
طاهر احترز به عن سؤر الحيوان النجس، وهو الكلب والخنزير، فإنه نج س. (قوله: فلو
تنجس فمه) أي الحيوان الطاهر. قال الكردي في شرح العباب: الفم مثال، فمثله غيره من
أجزائه. بل الوجه أن نحو يد الآدمي كذلك، ولا نظر لامكان سؤاله ولا لكونه مما
يعتاد الوضوء أم لا، خلافا للزركشي إلخ. وعبر في التحفة بقوله: ولو تنجس آدمي أو
حيوان طاهر. اه. (قوله: ثم ولغ) بفتح اللام وكسرها، وبفتحها في المضارع والمصدر،
ولغا ولوغا. ويقال: أولفه صاحبه. والولوغ أخذ الماء بطرف اللسان لا بغيره من بقية
الجوارح، ويكون للكلب والسباع كالهرة، ولا يكون لشئ من الطيور إلا الذباب -
بموحدتين - ويقال: لحس الكلب الاناء إذا كان فارغا، فإن كان فيه شئ قيل: ولغ. وبين
الولوغ والشرب عموم وخصوص مطلق، فكل ولوغ شرب ولا عكس، إذ الولوغ خاص باللسان من
الكلب والسباع والذباب - كما مر - بخلاف الشرب. ويقال: ولغ الكلب شرابنا وفي
شرابنا، فيتعدى بنفسه وبحرف الجر. اه ش ق. (قوله: أو مائع) أي وإن كثر. (قوله:
فإن كان إلخ) جواب لو. أي ففي ذلك تفصيل. فإن كان ولوغه فيما ذكر بعد غيبة يحتمل
فيها عادة طهارة فمه بولوغه في ماء كثير لم ينجسه، وإلا نجسه. (قوله: أو جار) قد
تقدم أن حكم الجاري كحكم الراكد في القلة والكثرة، وإذا كان كذلك فلا بد من تقييده
بكونه كثيرا أيضا. والاولى إسقاطه لاندراجه فيما قبله. (قوله: لم ينجسه) أي مع
حكمنا بنجاسة فمه، لان الاصل نجاسته وطهارة الماء. وقد اعتضد أصل طهارة الماء
باحتمال ولوغه في ماء كثير في الغيبة فرجح. (قوله: ولو هرا) أي ولو كان الذي ولغ
فيما ذكر هرا فإنه لا ينجسه. والغاية للرد. قال في التحفة: والنزاع في الهرة بأن
ما تأخذه بلسانها قليل لا يطهر فمها، يرده أنه تكرر الاخذ به عند شربها فينجذب إلى
جوانب فمها ويطهر جميعه. (قوله: وإلا نجسه) أي وإن لم يكن ولوغه فيما ذكر بعد غيبة
يمكن فيها ذلك، بأن لم تغب أصلا أو غابت غيبة لا يمكن فيها ذلك، نجسه. وإلى ذلك
كله أشار ابن العماد بقوله: قليل دخ وشعر والغبار وما بفم قط أتى من بعد غيبته
وشربه ممكن من ما جرى بقوى أو راكد رامه في حد كثرته إن هرة أكلت من كلبة وغدت
فاشرط لها غيبة والما بكدرته
[ 106 ]
تتمة
كقطاط إن يغب سبع وفي البسيط رأى تقييد خلطته كالهر إن أكل المجنون ثم أتى من بعد
غيب على أحوال جنته دجاجة خليت ترعى نجاستها في غالب مثلوا أيضا بوزته قولان
للاصبحي فيها إذا وردت على الطعام نشا من خوف ضيعته وعندنا إن تغب من بعد ما أكلت
نجاسة فلها أحكام قطته فم الطيور كذا وابن الصلاح رأى فم الصبي كذا عفوا بريقته من
أجل ذا قبلة في الفم ما منعت قطعا وما نجسوا بزا برضعته وقوله. مما جرى: أي من ماء
جار بقوة. وقوله تقييد خلطته: أي الحيوان بالناس، فلا يعفى عنده عن السبع ونحوه
لانتفاء مخالطته. وقوله: للاصبحي: أي للامام مالك بن أنس الاصبحي. وقوله: وعندنا
إن تغب إلخ: هذا ضعيف، والمعتمد العفو مطلقا وإن لم تغب أصلا، لانه يشق الاحتراز
عنه. وقوله: فم الطيور كذا: أي كفم الدجاجة أيضا. والمعتمد العفو مطلقا. نص على
ذلك كله الشيخ الجمل في حواشيه على شرح النظم المذكور. (قوله: إنه يعفى عن يسير -
عرفا - من شعر نجس) ويعفى أيضا عن كثيره في حق القصاص والراكب لمشقة الاحتراز عنه.
(قوله: من غير مغلظ) أما هو فلا يعفى عنه منه وإن احتاج إلى ركوبه لغلظ أمره وندرة
وقوع مثله. اه ع ش. (قوله: ومن دخان نجاسة) معطوف على قوله من شعر نجس. أي: ويعفى
عن يسير - عرفا - من دخان النجاسة، وهو المتصاعد منها بواسطة نار، ولو من بخور
يوضع على نحو سرجين. ومنه ما جرت به العادة في الحمامات، فهو نجس لانه من أجزاء
النجاسة تفصله النار منها لقوتها. ويعفى عن يسيره بشرط أن لا توجد رطوبة في المحل
وأن لا يكون بفعله، وإلا فلا يعفى مطلقا لتنزيلهم الدخان منزلة العين. وخرج بدخان
النجاسة بخارها، وهو المتصاعد منها لا بواسطة نار، فهو طاهر. ومنه الريح الخارج من
الكنف أو من الدبر فهو طاهر، فلو ملا منه قربة حملها على ظهره وصلى بها صحت صلاته.
(قوله: وعما على رجل ذباب) أي ويعفى عن النجس الذي على رجل الذباب في الماء وغيره.
فهو معطوف على قوله: عن يسير عرفا. (وقوله: وإن رؤي) أي يعفى عنه مطلقا سواء رؤي
أم لم ير. فإن قيل: كيف يتصور العلم به وهو لم ير ؟ أجيب بأنه يمكن تصويره بما إذا
عفى الذباب على نجس رطب ثم وقع على شئ فإنه لا ينجس. ويمكن تصويره أيضا بما إذا
رآه قوي البصر، والمنفي رؤية البصر المعتدل. (قوله: وما على منفذ غير آدمي) أي
ويعفى عما على منفذه من النجاسة فإذا وقع في الماء لا ينجسه، بخلاف ما على منفذ
الآدمي فإنه لا يعفى عنه. (قوله: وذرق طير) أي ويعفى عن ذرق طير بالنسبة للمكان
فقط بالشروط المارة. قال ابن العماد في منظومته: وروث طير على حصر المساجد ما في
العفو عنه خلاف من مشقته كذا النواوي وابن العيد قد نقلا إطباقهم كأبي إسحاق قدوته
قال النواوي لا إن عامدا وطئت أي في الطواف لساع في نسيكته
[ 107 ]
(قوله:
وما على فمه) أي ويعفى عما على فم الطير من النجاسة إذا نزل في الماء وشرب منه.
(قوله: وروث ما نشؤه من الماء) أي ويعفى عن روث ما نشؤه من الماء كالعلق. (قوله:
أو بين أوراق إلخ) أي ويعفى عن روث ما نشؤه بين أوراق شجر النارجيل، أي ونحوها من
بقية الاشجار. (قوله: حيث يعسر) متعلق بيعفى المقدر، أي ويعفى عنه حيث يعسر إلخ.
وقوله: عنه أي عن روث ما نشؤه بين أوراق شجر النارجيل. (قوله: وكذا ما تلقيه إلخ)
أي وكذا يعفى عما تلقيه الفيران إلخ. وعبارة البجيرمي: (فرع) ما تلقيه الفئران في
بيوت الا خلية يرجع فيه للعرف، فما عده العرف قليلا عفي عنه، وما لا فلا ومحله،
إذا لم يتغير أحد أوصاف الماء وإلا فلا عفو، وإذا شككنا في أنه من الفئران أو من
غيرهم، فالاصل إلقاء الفئران. والفئران بالهمز، كما في القاموس. اه. (قوله:
ويؤيده) أي ما قاله جمع. وقوله: بحث الفزاري أي المار. (قوله: وشرط ذلك كله) أي
وشرط العفو في ذلك كله، من الشعر النجس وما بعده. وقوله: إذا كان في الماء فإن كان
في غيره شرط أن لا يكون بفعله أن لا يكون ثم رطوبة كما مر. وقوله: أن لا يغير أي
وأن يكون من غير مغلظ، وأن لا يكون بفعله فيما يتصور فيه ذلك. (قوله: والزباد
طاهر) قال في التحفة: هو لبن مأكول بحري - كما في الحاوي - ريحه كالمسك وبياضه
بياض اللبن، فهو طاهر. أو عرق سنور بري - كما هو المعروف المشاهد - وهو كذلك
عندنا. اه. (قوله: ويعفى عن قليل شعره) أي الزباد. وهذا على أنه عرق سنور بري،
وأما على أنه لبن مأكول بحري فهو طاهر. (قوله: كذا أطلقوه) أي العفو عن قليل
الشعر. (وقوله: ولم يبينوا إلخ) بيان للاطلاق. (قوله: أن المراد) أي بقليل الشعر
المعفو عنه. (قوله: القليل في المأخوذ) أي الشعر القليل الكائن في الزباد الذي
يؤخذ لاستعماله. (قوله: أو في الاناء) أي أو المراد القليل في إناء الزباد الذي
يؤخذ ذلك الزباد. منه. (قوله: والذي يتجه الاول) أي أن المراد القليل في المأخوذ
للاستعمال. وقوله: إن كان أي الزباد، جامدا. (قوله: لان العبرة فيه) أي في الجامد.
وقوله: بمحل النجاسة أي كائنة بمحل النجاسة فقط. بدليل الحديث الوارد في الفأرة
الواقعة في إناء السمن حيث قال عليه السلام: ألقوها وما حولها. (قوله: فإن كثرت)
أي النجاسة. وهو مفرع على كون العبرة في الجامد بمحل النجاسة أعم من أن تكون الشعر
أو غيره. وقوله: في محل واحد أي من الجامد. (قوله: لم يعف عنه) أي عن ذلك المحل
الذي كثرت النجاسة فيه. (قوله: وإلا عفي) أي وإن لم تكثر فيه عفي عنه. (قوله:
بخلاف المائع) أي الزباد المائع. وهو مقابل قوله: إن كان جامدا. (قوله: فإن جميعه)
أي جميع أجزاء المائع كالشئ الواحد. (قوله: فإن قل الشعر فيه) أي في المائع.
وقوله: عفي عنه أي عن ذلك المائع الذي فيه الشعر القليل فيجوز استعماله. (قوله:
وإلا فلا) أي وإن لم يقل الشعر فيه فلا يعفى عنه. (قوله: ولا نظر للمأخوذ) أي فقط،
بل النظر لجميع ما في الاناء. وقوله: حينئذ أي حين إذ كان مائعا. (قوله: يعفى عن
جرة البعير) هي بكسر الجيم: ما تخرجه الابل من كرشها فتجتره. وهي في الاصل نفس
المعدة، ثم توسعوا فيها حتى أطلقوها على ما في المعدة. كذا قاله الازهري. وقوله:
ونحوه أي نحو البعير، من كل ما يجتر من الحيوانات. (قوله: فلا ينجس ما شرب منه) أي
مع الحكم بنجاسة فمه بالجرة. قال في النهاية: ويعفى عما تطاير من ريقه
[ 108 ]
المتنجس.
(قوله: وألحق به) أي بالبعير، ولا حاجة إليه بعد قوله: ونحوه. إذ المراد به كل ما
يجتر، فيشمل ولد البقر والضأن وغيره. (قوله: إذا التقم أخلاف أمه) أي ثدي أمه.
ومثله إذا التقم غير ثدي أمه، كما في النهاية. (قوله: وقال ابن الصلاح إلخ) قد
علمت أن هذا موافق للفتوى المارة فلا تغفل. (قوله: مع تحقق نجاستها) أي الافواه،
بقئ ونحوه. (قوله: وألحق غيره) أي غير ابن الصلاح. (وقوله: بهم) أي بالصبيان. أي
بأفواههم. ولو قال بها - بضمير المؤنث العائد على الافواه - كسابقه لكان أولى.
(وقوله: أفواه المجانين) أي إذا تحقق نجاستها، فيعفى عما اتصل بها. (قوله: وجزم
به) أي بالالحاق المذكور. (قوله: وكميتة) معطوف على قوله: كروث. وهي ما زالت
حياتها لا بذكاة شرعية، فيدخل ما مات حتف أنفه من مأكول وغيره، وما ذكي من غير
المأكول، وما ذكي منه مع فقد بعض الشروط. قال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) *
وتحريم ما ليس بمحترم ولا ضرر فيه يدل على نجاسته. اه فشني. (قوله: ولو نحو ذباب)
أي ولو كانت الميتة نحو ذباب. والغاية للرد. وقوله: مما إلخ بيان لنحو. وقوله: لا
نفس له سائلة أي لا دم له سائل عند شق عضو منه، وذلك كنمل وعقرب وزنبور - وهو
الدبور - ووزغ وقمل وبرغوث. (قوله: بطهارته) أي ما لا نفس له سائلة. (قوله: لعدم
الدم المتعفن) أي وإنما حكم بطهارته لعدم وجود المتعفن فيها. (قوله: كمالك وأبي
حنيفة) أي فإنهما قائلان بطهارة ما لا نفس له سائلة، فالقفال موافق لهما. (قوله:
فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها) تصريح بما علم من عطف قوله وكميتة على كروث، ولو
حذفه ما ضره. (قوله: وكذا شعرها وعظمها وقرنها) الضمائر تعود على الميتة. أي فهي
نجسة، لانها أجزاؤها، إذ كل منها تحله الحياة فتتبعها نجاسة وطهارة. (قوله: خلافا
لابي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم) مفاد عبارته أنه رضي الله عنه يقول بطهارتها
إذا لم يكن عليها دسم، فإن كان عليها ذلك فهي نجسة. والدسم طاهر فيما عدا الشعر.
(قوله: إذا حمل المصلي ميتة ذباب) أي فهي نجسة معفو عنها بالشرط الذي ذكره.
(وقوله: يشق الاحتراز عنه) أي عن الذباب، بأن كثر جدا في ذلك المحل الذي صلى فيه.
وتقدم في مبحث الماء المطلق أنه لا ينجس بوقوع ميتة لا دم لها سائل إلا إن تغير،
ولا بما كان نشؤه من الماء. (قوله: غير بشر) إن أعرب صفة لميتة احتيج إلى تقدير
مضاف، أي غير ميتة بشر إلخ. وإن أعرب مضافا إليه لم يحتج إلى ذلك. والاول هو الذي
يظهر من حل الشارح. قال ش ق: وكالبشر الجن والملك، بناء على الصحيح من أن كلا
منهما أجسام لها ميتة، فهي طاهرة. أما الجن: فلتكليفهم بشرعنا، وإن لم نعلم تفصيل
أحكامهم. وأما الملائكة: فلشرفهم. اه. (قوله: لحل تناول الاخيرين) أي السمك
والجراد، لقوله (ص): أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال. وقوله
(ص) في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتة. ولا يحل إلا الطاهر. والمراد بالسمك كل
ما لا يعيش في البر من حيوان البحر. قال العمريطي في نظم التحرير: وكل ما في البحر
من حي يحل وإن طفا أو مات أو فيه قتل فإن يعش في البر أيضا فامنع كالسرطان مطلقا
والضفدع وقوله: وإن طفا: أي علا. اه بجيرمي.
[ 109 ]
(قوله:
وأما الآدمي إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: ولقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم)
* في الاول. (قوله: ولقد كرمنا بني آدم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: بأن جعلهم
يأكلون بالايدي وغيرهم يأكل بفيه من الارض. وقيل: بالعقل. وقيل: بالنطق والتمييز
والفهم. وقيل: باعتدال القامة. وقيل: بحسن الصورة. وقيل: الرجال باللحى والنساء
بالذوائب. وقيل: بتسليطهم على جميع ما في الارض وتسخيره لهم. وقيل: بحسن تدبيرهم
أمر المعاش. اه. (قوله: وقضية التكريم إلخ) سواء في ذلك المسلم وغيره. وأما قوله
تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فالمراد به نجاسة الاعتقاد، أي إنما اعتقاد
المشركين كالنجاسة في وجوب الاجتناب. وأما قوله (ص): لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم
لا ينجس حيا ولا ميتا فجرى على الغالب. أي لانه كان (ص) عند ذكر الاحكام لا يذكر
إلا المسلمين في الغالب، وإن كان الكفار قد يشاركونهم في الحكم. وعند الامام مالك
وأبي حنيفة رضي الله عنهما: ميتة الآدمي نجسة إلا الانبياء والشهداء، وتطهر
بالغسل. (قوله: وغير صيد) بالجر، عطف على غير بشر. وقوله لم تدرك ذكاته أي بأن مات
بالجارحة أو بالضغطة، فهو طاهر لان ذكاته بذلك. ففي الصحيحين: إذا أرسلت كلبك
وسميت وأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك لنفسه ومثل الصيد البعير الناد
الميت بالسهم لان ذلك ذكاة شرعية له. وخرج بذلك ما إذا أدركت ذكاته فلم يذك فإنه
نجس. وقوله: وجنين مذكاة معطوف على صيد. أي فهو طاهر، لقوله (ص): ذكاة الجنين ذكاة
أمه. وقوله: مات بذكاتها خرج به ما إذا لم يمت بذكاتها بأن خرج حيا حياة مستقرة ثم
مات من غير ذبح فهو نجس. (قوله: ويحل أكل دود مأكول) أي كدود التفاح وسائر الفواكه
ودود الخل، فميتته وإن كانت نجسة لكنها لا تنجس ما ذكر، لعسر الاحتراز عنه. وحل
أكله لعسر تمييزه. (قوله: ولا يجب غسل نحو الفم منه) أي لانه لا يتنجس به. (قوله:
لا يجوز أكل إلخ) مفعول نقل، أي: نقل هذا اللفظ. وقوله: أي من المستقذرات بيان
لما. (قوله: وظاهره) أي ظاهر ما نقله في الجواهر. وقوله: لا فرق أي في عدم الجواز.
وقوله: بين كبيره أي السمك. (قوله: لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير إلخ) وألحق في
الروضة الجراد بذلك. وقوله: مع ما في جوفه قال البجيرمي: وإن كان الاصح نجاسته.
(قوله: وكمسكر) معطوف أيضا على كروث. وانظر ما فائدة إعادة الكاف فيه وفيما قبله
وفيما بعده، ثم ظهر أنه لما كان النجس أنواعا، كل نوع غير الآخر - فما خرج من
الجوف كالروث والبول نوع، والميتة نوع، والمسكر نوع - ناسب أن يفصل كل نوع عن
الآخر بحرف الجر. (قوله: فدخلت القطرة من المسكر) أي في المسكر. فمن بمعنى في. قال
ابن قاسم: في هذا التفريع نظر لان القطرة لا تصلح للاسكار، فكان الوجه أن يزاد عقب
قوله صالح للاسكار قوله ولو بانضمامه لمثله. أو يقول: مسكر ولو باعتبار نوعه. اه.
(قوله: مائع) صفة لمسكر. وفي الوصف به إشارة إلى أن المراد بالمسكر هنا المغطي
للعقل لا ذو الشدة المطربة، وإلا لم يحتج للوصف المذكور لان ما فيه شدة مطربة
[ 110 ]
لا يكون
إلا مائعا. وفي البجيرمي نقلا عن م ر ما نصه: العبرة بكونه مائعا أو جامدا بحالة
الاسكار، فالجامد حال إسكاره طاهر، والمائع حال إسكاره نجس وإن كان في أصله جامدا.
اه. (قوله: وهي المتخذة إلخ) أي أن الخمر هي المتخذة من عصير العنب، وهذا باعتبار
حقيقتها اللغوية. وأما باعتبار حقيقتها الشرعية فهي كل مسكر، ولو من نبيذ التمر أو
القصب أو العسل أو غيرها، لخبر: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. (قوله: ونبيذ) أي
وكبوظة حيث وجد فيها شدة مطربة. (قوله: وهو) أي النبيذ. (وقوله: المتخذ من غيره)
أي غير العنب كالزبيب. (قوله: وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش) أي والافيون وجوزة
الطيب والعنبر والزعفران، فهذه كلها طاهرة لانها جامدة، وإن كان يحرم تناول القدر
المسكر منها. (قوله: وتطهر خمر إلخ) أي فهو مستثنى من قولهم ولا يطهر نجس العين.
وإنما طهرت بالتخلل لان علة النجاسة والتحريم الاسكار، وقد زال، ولحل اتخاذ الخل -
إجماعا - هو مسبوق بالتخمر غالبا. فلو لم يطهر لتعذر حله وحرم اتخاذه. وقد يصير
العصير خلا من غير أن يسبقه تخمر في ثلاث صور. إحداها: أن يصب في الدن المعتق
بالخل فينقلب خلا. ثانيتها: أن يصب عليه خل أكثر منه، أو مساو له، فيصير الجميع
خلا. ثالثتها: أن تجرد حبات العنب من عناقيده ويملا الدن منه ويطين رأسه. (قوله:
من غير مصاحبة عين أجنبية لها) تفسير لتخللها بنفسها. فلو أتى بأي التفسيرية لكان
أوضح. وخرج بذلك ما إذا تخللت بمصاحبتها فلا تطهر - لان من استعجل بشئ قبل أوانه
عوقب بحرمانه - غالبا، سواء كانت لها دخل في التخلل كبصل وخبز حار، أم لا كحصاة.
ولا فرق بين ما قبل التخمر وما بعده، ولا بين أن تكون العين طاهرة أو نجسة. نعم،
إن كانت طاهرة ونزعت منها قبل التخلل طهرت، أما النجسة فلا وإن نزعت قبل التخلل،
لان النجس يقبل التنجيس، واحترز بالاجنبية عن غيرها فيعفى عنه ولا تنجس به، كحبات
العناقيد. قال العلامة الكردي: يعفى عن حبات العناقيد ونوى التمر وثفله وشماريخ
العناقيد على المنقول، وفاقا لحجر وخلافا لشيخ الاسلام وم ر والخطيب. اه. (قوله:
وإن لم تؤثر إلخ) غاية للعين المشترط عدم مصاحبتها للخمر. (قوله: ويتبعها في
الطهارة الدن) أي ويتبع الخمر المتخللة في الطهارة إناؤها لئلا يعود عليها
بالتنجيس فلا يكون لنا خل متخذ من خمر طاهر. أو بحث في ذلك بأن كان يكفي أن يعفى
عنه للضرورة، لانه لا وجه لطهارة الدن فإنه لا يؤثر فيه الاستحالة كما لا يخفى.
(قوله: وإن تشرب) أي يطهر الدن تبعا وإن تشرب من الخمر. (قوله: أو غلبت إلخ) أي
ويطهر أيضا وإن غلت الخمر في الدن وارتفعت إلى رأس الدن بسبب الغليان، ويحكم
بطهارة ما ارتفعت إليه من رأس الدن وغطائه حينئذ. (قوله: فلا تطهر) أي الخمر.
والمناسب لما قبله: فلا يطهر الدن ولا تطهر هي أيضا لاتصالها بالمرتفع النجس، لان
من العين المضرة ما تلوث من دنها فوقها بغير غليانها، فيعود عليها بالتنجيس إذا
تخللت. وقوله: وإن غمر غاية لعدم الطهارة. أي لا تطهر وإن غمر المرتفع بخمر أخرى،
بأن زيد عليه. وقوله: كما جزم به شيخنا أي في فتح الجواد. واعتمد في المغني
الطهارة إذا غمر المرتفع بخمر أخرى مطلقا، سواء غمر قبل الجفاف أو بعده. ونص
عبارته: ولو ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل لم يطهر الدن إذ لا ضرورة، ولا الخمر
لاتصالها بالمرتفع النجس. فلو غمر المرتفع بخمر طهرت بالتخلل ولو بعد جفافه، خلافا
للبغوي في تقييده بقبل الجفاف. اه. (قوله: والذي اعتمده إلخ) اعتمده في النهاية
أيضا، وقال إن والده اعتمده. (قوله: ثم قال) أي ابن زياد. (قوله: لو صب خمر في
إناء) الصب
[ 111 ]
ليس بقيد
بل مثله ما لو تخمر العصير في إنائه. (قوله: ثم أخرجت) أي الخمر. وقوله: منه أي من
إنائه. (قوله: وصب فيه) أي في الاناء الذي أخرجت الخمر منه. (قوله: بعد جفاف
الاناء) مفاده أنه إن صب فيه قبل جفافه طهرت، وهو كذلك. نظير ما لو صب على الخمر
خمر أخرى من غير ارتفاع للاولى فإنها تطهر بالتخلل، كما نص عليه سم. (قوله: لم
تطهر) أي الخمرة المصبوبة إذا تخللت لتنجسها بظرفها. وقوله: وإن تخللت إلخ أي لا
تطهر الخمر التي صبها في إناء الخمر وإن تخللت بعد نقلها من ذلك الاناء إلى إناء
آخر طاهر، وذلك لانها قد تنجست بالاناء الاول، لان النجس يقبل التنجيس. (قوله:
والدليل على كون الخمر خلا) أي على صيرورته خلافا. فالكون هنا مصدر كان بمعنى صار،
إذ هي تستعمل فيه كثيرا. قال تعالى: * (فكانت هباء منبثا) * أي صارت كذلك. (قوله:
الحموضة) خبر الدليل. (قوله: وإن لم توجد نهاية الحموضة) أي شدتها. وهو غاية لكون
الحموضة دليلا على صيرورة الخمر خلا. (قوله: وإن قذفت بالزبد) أي رمت الخمر بالزبد
- وهو بفحتين - كالرغوة. وهو غاية ثانية كذلك أيضا. (قوله: ويطهر جلد نجس بالموت)
هو مستثنى أيضا من قولهم: ولا يطهر نجس العين. والحاصل: لا يطهر شئ من نجس العين،
لا بالغسل ولا بالاستحالة. لكن يستثنى من هذا شيئان لا ثالث لهما في الحقيقة، للنص
عليهما ولعموم الاحتياج بل الاضطرار إليهما، وهما: الخمر إذا تخللت بنفسها. والجلد
النجس بالموت إذا دبغ، وإنما طهر بالدباغ للاخبار الصحيحة في ذلك، كخبر: إذا دبغ
الاهاب فقد طهر. فيجوز حينئذ بيعه، وكذا أكله عند م ر إن كان من مأكول. وخرج
بالجلد الشعر. نعم، يطهر قليله تبعا له عند حجر، ويعفى عنه عند الرملي. ثم هو بعد
الاندباغ كثوب متنجس، فلا بد لنحو الصلاة فيه أو عليه من تطهيره. وقوله: بالموت
خرج به جلد المغلظ، فإنه نجس قبل الموت فلا يطهر بالدباغ. (قوله: باندباغ) متعلق
بيطهر. وقوله: نقاه أي من الرطوبات المعفنة له. وإنما تحصل التنقية المذكورة بحريف
ولو نجسا، وهو ما يلذع اللسان بحرافته، كقرظ وشب - بالموحدة - وشث - بالمثلثة -
وذرق طير. للخبر الحسن: يطهرها - أي الميتة - الماء. والقرظ فلا يكفي بنحو شمس
وتراب وملح وإن طاب ريحه، لانها لا تزيل رطوباته المعفنة، لعود العفونة بنفعه في
الماء. (قوله: بحيث لا يعود إليه إلخ) هذه الحيثية للتقييد. أي نقاه تنقية كائنة،
بحيث لو نقع في الماء بعد اندباغه لا يعود إليه نتن. والمراد: لا يعود له ذلك عن
قرب، أما لو عاد إليه بعد مدة طويلة فلا يضر. لان الاشياء الصلبة إذا مكثت في
الماء مدة طويلة ربما حصل لها العفونة. والنتن مصدر سماعي لنتن، كظرف وسهل، وأما
مصدره القياسي فهو نتانة ونتونة، عملا بقول ابن مالك: فعولة فعالة لفعلا (وقوله:
ولا فساد) عطف تفسير، أو عام على خاص. وقال ق ل: عطف مرادف. اه بجيرمي. (قوله:
وككلب) أي ولو معلما، لخبر مسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع
مرات أولاهن بالتراب. وجه الدلالة أن الطهارة إما لحدث أو خبث أو تكرمة. ولا حدث
على الاناء ولا تكرمة، فتعينت طهارة الخبث فثبتت نجاسة فمه، وهو أطيب أجزائه فبقيتها
أولى. اه إقناع. وقوله: وخنزير أي لانه أسوأ حالا من الكلب، إذ لا ينتفع به بحال
ولا يقتنى، ولندب قتله من غير ضرر. بل قيل: يجب. واعتمده حجر في باب اللباس.
(قوله: وفرع كل منهما مع الآخر) صادق بما تولد من
[ 112 ]
كلب
وخنزيرة، وما تولد من خنزير وكلبة. وعلى كل هو داخل إما في الكلب وإما في الخنزير
فلزم التكرار في كلامه. فلو قال وفرع كل منهما مع غيره وحذف لفظ مع الآخر ولفظ أو،
لكان أولى. لسلامته من التكرار. فتفطن. (قوله: أو مع غيره) أي وفرع كل منهما مع
غير الآخر، ولو كان آدميا. تغليبا للنجس، وذلك لان الفرع يتبع أخس أبويه في
النجاسة. وتحريم الذبيحة والمناكحة وتحريم الاكل وامتناع التضحية وعدم وجوب
الزكاة، ويتبع أشرفهما في ثلاثة أشياء: الدين، وإيجاب البدل، وعقد الجزية. وأخفهما
في نحو الزكاة والاضحية في متولد بين إبل وبقر مثلا، وأغلظهما في جزاء الصيد.
ويمكن إدخال هذا في أشرفهما. ويتبع الاب في النسب وتوابعه، كاستحقاق سهم ذوي
القربى، والحرية إذا كان من أمته أو أمة ولده أو ممن غر بحريتها أو ظنها زوجته
الحرة أو أمته. ويتبع الام في الملك، فالولد المتولد بين مملوكين لمالك الام. وكما
لو نزا بهيم على بهيمة فالولد لمالك الام وقد جمع السيوطي رحمه الله تعالى بعض
أفراد هذه المذكورات بقوله: يتبع الفرع في انتساب أباه والام في الرق والحرية
والزكاة الاخف والدين الاعلى والذي اشتد في جزاء ودية وأخس الاصلين رجسا وذبحا
ونكاحا والاكل والاضحية وقوله: يتبع الفرع في انتساب أباه: أي وتوابعه. وقوله:
والام في الرق والحرية: أي ويتبع الام في شيئين، في الرق إذا كان أبوه حرا وأمه
رقيقة، إلا في الصور المارة. وفي الحرية، إذا كان أبوه رقيقا وأمه حرة. وقوله:
والزكاة الاخف: أي ويتبع في وجوب الزكاة أخفهما. فلو تولد بين بقر وإبل زكى زكاة
البقر لانه أخف، لانها لا تزكى إلا إذا بلغت ثلاثين. ولو تولد بين زكوي وغيره،
كظبي وشاة، فلا زكاة اعتبارا بالاخف. وقوله: والدين لا على: أي ويتبع في الدين
أعلاهما. فلو تولد بين مسلم وكافرة فهو مسلم، لان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.
وقوله: وجزاء: أي ويتبع الذي اشتد - أي عظم - منهما في وجوب الجزاء. فلو تولد بين
مأكول بري وحشي وغيره وأتلفه المحرم ضمنه. وقوله: ودية: يقرأ بتشديد الياء للوزن.
أي: ويتبع الذي اشتد في الدية. فلو تولد بين كتابي ومجوسي وقتله شخص فديته دية
الكتابي. ومثل الدية في ذلك الغرة. وقوله: وأخس الاصلين رجسا: أي ويتبع أخسهما في
النجاسة، كما هنا. وقوله: وذبحا: أي ويتبع أخسهما في الذبح. فلو تولد بين من تحل
ذبيحته ككتابي ومن لا تحل ذبيحته كوثني، لم تحل ذبيحته. وقوله: ونكاحا: أي ويتبع
أخسهما في النكاح. فلو تولد بين من تحل مناكحته ككتابي ومن لا تحل مناكحته كوثني
لم تحل مناكحته. وقوله: والاكل: أي ويتبع أخسهما في الاكل، فلو تولد بين مأكول
وغيره لم يحل أكله. وقوله: والاضحية: أي ويتبع أخسهما في الاضحية، فلو تولد بين ما
يضحى به وما لا يضحى به، لم تجز التضحية به، ومثلها العقيقة. (قوله: ودود ميتتهما)
أي الكلب والخنزير وقوله: طاهر لا يشكل بما مر من أن المتولد منهما نجس، لانا نمنع
أنه متولد من ميتتهما وإنما تولد فيهما، كدود الخل لا يتولد من نفس الخل وإنما
يتولد فيه. وفرق بين المتولد منهما والمتولد فيهما. (قوله: وكذا نسج عنكبوت) أي
ومثل دود ميتتهما نسج عنكبوت، فهو طاهر على المشهور. وعلله في التحفة بأن نجاسته
تتوقف على تحقق كونه من لعابها وأنها لا تتغذى إلا بذلك - أي الذباب -
[ 113 ]
وأن ذلك
النسج قبل احتمال طهارة فيها. وأتى بواحد من هذه الثلاثة. (قوله: وجزم صاحب العدة
والحاوي بنجاسته) أي نسج العنكبوت. وهذا خلاف المشهور. (قوله: وما يخرج إلخ) مطعوف
على نسج العنكبوت. أي ومثل دود ميتتهما ما يخرج من جلد نحو حية - مما يسمى بثوب
الثعبان - فهو طاهر. ويحتمل أن يكون مبتدأ خبره قوله كالعرق. (قوله: كالعرق) الكاف
للتنظير في طهارة كل. (قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته: وأفتى بعضهم فيما يخرج من جلد
نحو حية أو عقرب في حياتها بطهارته كالعرق. وفيه نظر لبعد تشبيهه بالعرق، بل
الاقرب أنه نجس، لانه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته. اه. (قوله: وقال أيضا)
عبارة التحفة: وقضية ما تقرر من الحكم بتبعية أخس أبويه، أن الآدمي المتولد بين
آدمي أو آدمية ومغلظ له حكم المغلظ في سائر أحكامه، وهو واضح في النجاسة ونحوها
وبحث طهارته، نظرا لصورته بعيد من كلامهم، بخلافه في التكليف لان مناطه العقل ولا
ينافيه نجاسة عينه للعفو عنها بالنسبة إليه، بل وإلى غيره، نظير ما يأتي في الوشم
ولو بمغلظ إذا تعذرت إزالته، فيدخل المسجد ويماس الناس - ولو مع الرطوبة - ويؤمهم
لانه لا تلزمه إعادة إلخ. اه. إذا علمت ذلك فلعل العبارة التي نقلها عن شيخه في
غير التحفة من بقية كتبه. (قوله: لو نزا) أي علا. وقوله: كلب أو خنزير إلخ مثله
العكس، وهو ما إذا نزى آدمي على كلبة أو خنزيرة. (قوله: كان الولد نجسا) قال
البجيرمي: والمعتمد عند م ر أنه طاهر، فيدخل المسجد ويمس الناس ولو رطبا، ويؤمهم.
ولا تحل مناكحته، رجلا كان أو امرأة، لان في أحد أصليه ما لا تحل مناكحته ولو
لمثله. ويقتل بالحر، لا عكسه. ويتسرى ويزوج أمته لا عتيقته. اه. وفي حاشية
الكردي: وأفتى م ر بطهارته حيث كان على صورة الآدمي. كما ذكره سم في حواشي المنهج.
فإن كان على صورة الكلب، قال سم في حواشي التحفة: ينبغي نجاسته، وأن لا يكلف، وإن
تكلم وميز وبلغ مدة بلوغ الآدمي، إذ هو بصورة الكلب، والاصل عدم آدميته. اه. وما
تقرر كله: إذا نزا كلب أو خنزير على آدمية والعكس، فإن نزا مأكول على مأكولة فولدت
ولدا على صورة الآدمي فإنه طاهر مأكول، فلو حفظ القرآن وعمل خطيبا وصلى بنا عيد
الاضحى جاز أن يضحى به بعد ذلك. وبه يلغز فيقال: لنا خطيب صلى بنا العيد الاكبر
وضحينا به. (قوله: ومع ذلك) أي مع كونه نجسا. وقوله: وغيرها أي غير الصلاة من بقية
العبادات. (قوله: وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته) الذي يظهر أن ما واقعة على
جزء من أجزائه. ويضطر - يقرأ مبنيا للمجهول - والمعنى: يعفى عن جزئه الذي يحتاج
الغير إلى لمسه، وذلك الغير كأمته التي تسراها عند خوف العنت بناء على جواز التسري
عند ذلك. وعليه يكون أخص مما في التحفة، فإن الذي فيها - كما يعلم من عبارته
السابقة - أنه يعفى عنه مطلقا بالنسبة لنفسه ولغيره المحتاج إلى لمسه وغيره.
(قوله: ودخوله المسجد) أي ويجوز دخوله المسجد وقوله: حيث لا رطوبة قيد في الدخول.
ولم يقيد به في التحفة كما يعلم من عبارته المارة أيضا. وقوله: للجماعة متعلق بدخ
ول. وقوله: ونحوها أي نحو الجماعة، كالطواف والاعتكاف. (قوله: ويطهر متنجس إلخ)
شروع في بيان كيفية غسل النجاسة، وهي على قسمين: عينية: وهي التي يدرك لها عين أو
صفة من طعم أو لون أو ريح. وحكمية: وهي التي لا يدركها لها عين ولا وصف، سواء كان
عدم الادراك لخفاء أثرها بالجفاف كبول جف، أم لا لكون المحل صقيلا لا تثبت عليه
النجاسة كالمرآة والسيف. (قوله: بغسل) متعلق بيطهر
[ 114 ]
وقوله:
مزيل لصفاتها أي بعد إزالة عينها. فإن توقفت الازالة على نحو صابون وجب إن وجده
بثمن مثله فاضلا عما يعتبر في التيمم. (قوله: من طعم إلخ) بيان لصفاتها. (قوله:
ولا يضر) أي في الحكم بطهر المحل حقيقة. وقوله: بقاء لون أو ريح خرج بذلك بقاء
الطعم فإنه يضر ولا يعفى عنه، إلا إن تعذر إزالته فيعفى عنه ما دام متعذرا، فيكون
المحل نجسا معفوا عنه لا طاهرا. وضابط التعذر أن لا يزال إلا بالقطع. فإن قدر بعد
ذلك على زواله وجب ولا يجب عليه إعادة ما صلاه به على المعتمد، وإلا فلا معنى
للعفو. (قوله: عسر زواله) أي المذكور من اللون أو الريح، وذلك كلون الصبغ بأن صفت
غسالته ولم يبق إلا أثر محض، وكريح الخمر للمشقة. وضابط التعسر أن لا يزول بالحت
بالماء ثلاث مرات، فمتى حته بالماء ثلاث مرات ولم يزل طهر المحل، فإذا قدر على
زواله بعد ذلك لم يجب لان المحل طاهر. (قوله: ولو من مغلظ) أي ولو كان اللون أو
الريح من نجس مغلظ، وهو غاية لعدم ضرر بقائه. (قوله: فإن بقيا) أي اللون والريح. والمراد
بقيا في محل واحد من نجاسة واحدة، بخلاف ما لو بقيا في محلين أو محال، أو من
نجاستين وعسر زوالهما فإنه لا يضر. وقوله: لم يطهر أي ذلك المحل، لقوة دلالتهما
حينئذ على بقاء العين، وندرة العجز عنهما، فيجب زوالهما، إلا إن تعذر، كما مر في
بقاء الطعم. والمناسب لقوله ولا يضر أن، يقول هنا ضر بدل لم يطهر. (قوله: ومتنجس
إلخ) بالرفع، معطوف على متنجس بعينية إلخ، من عطف المفردات. فعليه يكون قوله يجري
معطوفا على بغسل المتعلق بيطهر، فيكون هو كذلك متعلقا به. أي ويطهر بجري الماء
عليه - أي سيلانه عليه - ولو من غير فعل فاعل كالمطر. قال في الزبد: يكفيك جري
الماء على الحكمية وأن تزال العين من عينية (قوله: وإن كان) أي المتنجس بحكمية.
والاولى جعل إن غاية. وقوله بعد: فيطهر: تفريع على المفهوم. وعبارة التحفة: ومن
ذلك سكين سقيت نجسا، وحب نقع في بول ولحم طبخ به فيطهر إلخ. اه. وقوله: طبخ ظاهره
أنه صفة لكل من حبا ولحما. والطبخ ليس بقيد، بل مثله بالاولى نقعه في نجس، كما هو
ظاهر وقوله: بنجس أي زال جرمه ووصفه، وإلا صار من المتنجس بالعينية، ولا يكفي فيه
جري الماء فقط. (قوله: فيطهر باطنها) قال سم: أي حتى لو حملها في الصلاة لم يضر.
اه. (قوله: كسيف إلخ) الكاف للتنظير، أي فيطهر باطنه بصب الماء على ظاهره. فإن
قيل: لم اكتفى بغسل ظاهر السكين ولم يكتف بذلك في الآجر إذا نقع بنجس ؟. أجيب بأنه
إنما لم يكتف بذلك في الآجر لان الانتفاع به متأت من غير ملابسة له، فلا حاجة
للحكم بطهارة باطنه من غير إيصال الماء إليه، بخلاف السكين. وقال في التحفة: وفارق
نحو السكين لبنا عجن بمائع نجس ثم حرق فإنه لا يطهر باطنه بالغسل إلا إذا دق وصار
ترابا أو نقع حتى وصل الماء لباطنه، بتيسير رده إلى التراب وتأثير نقعه فيه، بخلاف
تلك فإن في رد أجزاء بعضها حتى تصير كالتراب مشقة تامة وضياع مال. وبعضها لا يؤثر
فيه النقع وإن طال. نعم، نص الشافعي رضي الله عنه على العفو عما عجن من الخزف
بنجس، أي يضطر إليه فيه. واعتمده كثيرون، وألحقوا به الآجر المعجون به. اه. وقال
في المغني: واللبن - بكسر الموحدة - إن خالطه نجاسة جامدة كالروث لم يطهر، وإن طبخ
بأن صار آجرا، لوجود عين النجاسة. وإن خالطه غيرها كالبول طهر ظاهره بالغسل، وكذا
باطنه إن نقع في الماء، ولو مطبوخا، إن كان رخوا يصله الماء كالعجين، أو مدقوقا
بحيث يصير ترابا. اه. (قوله: ويشترط في طهر المحل إلخ) أي بشرط أن لا يكون جرم
النجاسة موجودا في نحو الثوب وإلا فيتنجس الماء بمجرد وروده على المحل. اه
بجيرمي. (قوله: على المحل المتنجس) المقام للاضمار، فكان الاولى أن يقول: عليه.
(قوله: فإن ورد متنجس إلخ) الاخصر أن يقول: وإلا تنجس. وقوله: تنجس أي الماء
القليل. (قوله: وإن لم يتغير) أي الماء.
[ 115 ]
(قوله:
فلا يطهر غيره) مفرع على تنجسه. يعني إذا تنجس فلا يطهر غيره، فيبقى حينئذ المحل
على نجاسته. (قوله: وفارق الوارد) أي على النجاسة حيث لم يتنجس. وقوله: غيره أي
غير الوارد حيث تنجس. وقوله: بقوته أي الوارد لكونه عاملا، أي دافعا للنجاسة بسبب
وروده عليها، بخلاف ما إذا كان المتنجس واردا عليه فيضعف بسبب قلته مع كونه مورودا
عن أن يدفع التنجس عن نفسه وعن غيره بالاولى. (قوله: فلو تنجس فمه إلخ) تفريع على
كونه الشرط في طهر المحل الورود. فمتى ما وجد طهر المحل ولم ينجس، وبأخذ الماء
ووضعه في فمه يتحقق الورود. (قوله: وإن لم يعلها عليه) أي يكفي وصول الماء إلى
فمه، وإن لم يجعل يده مرتفعه على فمه بحيث ينزل الماء منحدرا فيه. ويعل مجزوم بحذف
الياء، فهو بضم الاول وكسر اللام. (قوله: ما في حد الظاهر منه) أي من الفم ومخرج
الخاء منه. (قوله: ولو بالادارة) غاية لمقدر: أي: ويكفي وصوله إليه ولو بالادارة،
ولو مكث الماء مدة في فمه ثم أداره لم يضر عند حجر، لانه لا يتنجس بالملاقاة، فلا
يضر تأخير الادارة عنها. وفي ع ش ما نصه: لو تنجس فمه بدم اللثة، أو بما يخرج بسبب
الجشاء، فتفله ثم تمضمض وأدار الماء في فمه بحيث عمه ولم يتغير بالنجاسة فإن فمه
يطهر ولا يتنجس الماء فيجوز ابتلاعه لطهارته. فتنبه له فإنه دقيق. هذا وبقي ما لو
كانت تدمى لثته من بعض المآكل بتشويشها على لحم الاسنان دون بعض، فهل يعفى عنه
فيما تدمى به لثته لمشقة الاحتراز عنه أم لا، لامكان الاستغناء عنه بتناول البعض
الذي لا يحصل منه دمي اللثة ؟ فيه نظر. والظاهر الثاني، لانه ليس مما تعم البلوى
به حينئذ، وبتقدير وقوعه يمكن تطهير فمه منه وإن حصل له مشقة، لندرة ذلك في
الجملة. اه. (قوله: كصب ماء إلخ) أي فإنه يكفي في طهارته. وهو مرتبط بقوله: كفى
أخذ الماء إلخ، أو بما قدرته. وفي النهاية ما نصه: فلو طهر إناء أدار الماء على
جوانبه. وقضية كلام الروضة أنه يطهر قبل أن يصب النجاسة منه، وهو كذلك إذا لم تكن
النجاسة مائعة باقية فيه، أما لو كانت مائعة باقية فيه لم يطهر ما دام عينها
مغمورا بالماء. اه. (قوله: ولا يجوز له ابتلاع شئ قبل تطهير فمه) شامل للريق على
العادة ومحتمل، ويحتمل المسامحة به للمشقة وكونه من معدن خلقته. اه سم. وفي
البجيرمي ما نصه: قوله: ولا يبلع طعاما ولا شرابا - أي غير الماء - لانه يكفي في
غسل نجاسة الفم. اه. (قوله: حتي بالغرغرة) غاية لعدم جواز الابتلاع. أي يجوز لمن
تنجس فمه ابتلاع شئ ولو بالغرغرة، وهي في اللغة: ترديد الماء في الحلق، كما في
القاموس. وفائدة الغاية دفع ما يتوهم من أنه إذا تنجس فمه وصب مائع في حلقه من غير
أن يمس جوانب فمه يجوز ذلك، تأمل. (قوله: لو أصاب الارض نحو بول) أي كخمر. والاولى
أن يقول: ولو أصاب موضعا من الارض نحو بول فصب عليه. بالضمير، ليرتبط الجواب - وهو
طهر - بالشرط. (قوله: وجف) أي نحو البول. والظاهر أن الجفاف ليس بقيد، بل الشرط أن
لا يكون عين البول باقيا لم تتشربه الارض، بدليل قوله بعد: وإذا كانت الارض لم
تتشرب إلخ. (قوله: فصب على موضعه) أي موضع نحو البول من الارض. وقوله: فغمره أي عم
موضع البول الماء وستره. قال في المصباح: غمرته أغمره أي سترته أستره. (قوله: طهر)
أي ذلك الموضع من الارض، وهو جواب لو. (قوله: ولو لم ينضب) بضم الضاد، من باب قعد.
كما في المصباح. وفاعله ضمير يعود على الماء. وقوله - أي يغور - تفسير له قبل دخول
الجازم، وإلا لقال يغر بالجزم. (قوله: سواء كانت إلخ) تعميم لطهارة الموضع بالصب
المذكور. (قوله: وإذا كانت الارض إلخ) مقابل قوله وجف. وقد علمت ما فيه. (قوله: لم
تتشرب ما تنجست به) أي بأن كان نحو البول باقيا بعينه. (قوله: فلا بد من إزالة
العين) أي عين نحو البول. وقوله: قبل صب الماء إلخ فلو صب الماء عليه قبل إزالته
لم يطهر، كما يعلم مما سيأتي أن شرط طهارة المحل طهارة
[ 116 ]
الغسالة،
وهي لا تطهر إذا زاد وزنها. ومعلوم أنه إذا كان عين نحو البول باقيا زاد وزنها.
(قوله: كما لو كانت) أي عين النجاسة، في إناء فلا بد من إزالتها منه، ثم يصب الماء
فيه. وقولهم: الاناء المتنجس إذا وضع فيه ماء وأدير في جوانبه يطهر كله، محله ما
لم تكن عين النجاسة فيه ولو مائعة، كما مر. (قوله: ولو كانت النجاسة جامدة) مقابل
قوله: نحو بول. (قوله: لم يطهر) أي المحل الذي فيه التراب المختلط. (قوله:
كالمختلط إلخ) الكاف للتنظير، أي نظير التراب المختلط بنحو صديد من عذرة الموتى.
والمراد بالصديد: المتجمد. فإنه هو لا يطهر بالماء، أما إذا كان مائعا فيكون حكمه
كالبول وقد علمته. (قوله: بإفاضة الماء) متعلق بيطهر. (قوله: بل لا بد) أي في
طهارة المحل الذي فيه التراب المختلط من إزالته قبل إفاضة الماء عليه. (قوله:
وأفتى بعضهم في مصحف) قال ع ش: هل مثل المصحف كتب العلم الشرعي أم لا ؟ فيه نظر،
والاقرب الاول. اه. (قوله: بغير معفو عنه) فإن كان معفوا عنه لا يجب غسله. (قوله:
بوجوب غسله) متعلق بأفتى. (قوله: وإن أدى) أي غسله، إلى تلفه أي المصحف. (قوله:
وإن كان) أي المصحف ليتيم فإنه يجب غسله. قال ع ش: والعامل له الولي، وهل للاجنبي
فعل ذلك في مصحف اليتيم ؟ بل وفي غيره، لان ذلك من إزالة المنكر أو لا ؟ فيه نظر،
والاقرب عدم الجواز، لعدم علمنا بأن إزالة النجاسة منه مجمع عليه. اه. (قوله:
ويتعين فرضه) أي فرض وجوب غسله. (قوله: بخلاف ما إذا كانت) أي النجاسة. (وقوله: في
نحو الجلد) ومنه ما بين السطور. اه. ع ش. وقوله: والحواشي أي أطراف مكتوب القرآن
التي لا كتابة فيها. (قوله: غسالة المتنجس إلخ) لما بين ما يطهر به المتنجس بنجاسة
عينية أو حكمية شرع في بيان حكم غسالته إذا انفصلت. وحاصل الكلام عليها أنها إن
كانت قليلة يحكم عليها بالطهارة بقيود ثلاثة: طهر المحل، وعدم تغيرها، وعدم زيادة
وزنها بعد اعتبار مقدار ما يتشربه المغسول من الماء وما يمجه من الوسخ الطاهر. فإن
فقد واحد من الثلاثة، بأن لم يطهر المحل، أو طهر ولكن كانت متغيرة، أو لم تكن
متغيرة ولكن زاد وزنها بعد ما ذكر، فهي نجسة كالمحل، لان البلل الباقي في المحل
بعض الغسالة المنفصلة والماء القليل لا يتبعض طهارة ونجاسة. وإن كانت كثيرة يحكم
عليها بالطهارة بقيد واحد وهو عدم التغير، فإن كانت متغيرة فهي نجسة. (قوله: ولو
معفوا عنه) منصوب بنزع الخافض. أي ولو كان تنجسه بنجس معفو عنه. ولو صرح بالخافض
لكان أولى. وقوله: كدم قليل أي من نفسه أو من غيره، وهو مثال للمعفو عنه. وقوله:
إن انفصلت أي عن المحل الذي غسل بها. أما إذا لم تنفصل فهي طاهرة مطلقا، لان الماء
ما دام في المحل المغسول له حكم الطاهر المطهر حتى ينفصل عنه بلا خلاف. (قوله: وقد
زالت العين إلخ) مكرر مع قوله الآتي وقد طهر المحل، وذلك لان طهارته بزوال عينها
وصفاتها، فالاولى الاقتصار على أحدهما. وقد اقتصر على الثاني في المنهج والمنهاج
وغيرهما. وقوله: ولم تتغير أي الغسالة. فإن تغيرت طعما أو لونا أو ريحا فهي نجسة.
وقوله: ولم يزد وزنها بعد اعتبار إلخ أي كأن كانت الغسالة قبل الغسل بها قدر رطل،
وكان مقدار ما يتشربه المغسول من الماء قدر أوقية وما يمجه من الوسخ نصف أوقية،
وكانت بعد الغسل رطلا إلا نصف أوقية، فإنه حينئذ لم يزد وزنها. فإن كانت بعد الغسل
بها رطلا كاملا فهي نجسة، لانه زاد وزنها بعد اعبتار ما ذكر. (قوله: من الماء)
بيان لما. وقوله والماء معطوف على الثوب. أي وما يأخذه الماء من وسخ المغسول
الطاهر. (قوله: وقد طهر المحل) بأن لم يبق فيه
[ 117 ]
شئ من
أوصاف النجاسة. وقد علمت ما فيه فلا تغفل. (قوله: طاهرة) خبر المبتدأ. وهي مع
كونها طاهرة غير مطهرة لازالتها للخبث، وما أزيل به الخبث غير مطهر ولو كان معفوا
عنه. (قوله: ويظهر الاكتفاء فيهما) أي فيما يأخذه الثوب من الماء وما يأخذه الماء
من الوسخ. وفي حاشية السيد عمر على التحفة ما نصه: قوله فيهما يحتمل عوده لعدم
التغير وعدم الزيادة، وللمأخوذ والمعطى، والثاني أقرب. اه. وقوله: بالظن أي ظن
مقدار ما يأخذه إلخ. ولا يشترط فيه اليقين. (قوله: إذا وقع في طعام جامد) خرج به
المائع، فإنه يتعذر تطهيره ولو كان دهنا. وقال في النهاية: ة وقيل: يطهر الدهر
بغسله بأن يصب الماء عليه ويكاثره ثم يحركه بخشبة ونحوها، بحيث يظن وصوله لجميعه،
ثم يترك ليعلو ثم يثقب أسفله، فإذا خرج الماء سد. ومحل الخلاف إذا تنجس بما لا
دهنية فيه كالبول، وإلا لم يطهر، بلا خلاف. اه. (قوله: ألقيت وما حولها) أي لانه
(ص) سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان
مائعا فلا تقربوه. وفي رواية للخطابي: فأريقوه. فلو أمكن تطهيره لم يقل فيه ذلك
لما فيه من إضاعة المال. اه. شرح المنهج. (قوله: لا يتراد على قرب) أي لا يرجع
بعضه على بعض، بحيث لا يمتلئ محل المأخوذ على قرب، والمائع بضده وهو الذي يتراد
بحيث يمتلئ محل المأخوذ على قرب. (قوله: فرع: إذا تنجس إلخ) المناسب ذكر هذا الفرع
في مبحث الماء المطلق. (قوله: القليل) بالرفع، صفة لماء. وهو ما كان دون قلتين كما
مر. (قوله: بملاقاة نجس) متعلق بتنجس. (قوله: لم يطهر بالنزح أي بنزح الماء منه،
بل يطهر بالتكثير. (قوله: بل ينبغي) أي يجب وقوله: أن لا ينزح قال في شرح الروض:
لانه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا، وقد يتنجس جدران البئر أيضا بالنزح. اه.
(قوله: ليكثر الماء) أي فيطهر به حينئذ كما علمت. وقوله: بنبع أي نبع الماء من عين
في قعر البئر. وقوله: أو صب ماء أي أجنبي. وقوله: فيه أي في البئر. (قوله: أو
الكثير إلخ) العطف فيه من عطف المفردات، فالكثير معطوف على القليل، وبتغير معطوف
على بملاقاة نجس، ولم يطهر معطوف على لم يطهر الاول. والمعنى: إذا تنجس ماء البئر الكثير
بتغير بالنجس لم يطهر إلا بزوال التغير. (قوله: فإن بقيت فيه) أي في الكثير.
وقوله: نجاسة أي تفتتت وتحللت أجزاؤها في الماء، لانه لا يتعذر استعماله إلا
حينئذ. وعبارة الروض: وإن كثر الماء وتمعط فيه فأرة. قال في شرحه مثلا: وعبارة
الاصل: وتفتت فيه شئ نجس كفأرة تمعط شعرها. اه. وقوله: كشعر فأرة تمثيل للنجاسة.
(وقوله: ولم يتغير) أي والحال أنه لم يتغير ببقاء النجاسة فيه أصلا، أو تغير وزال
تغيره. (قوله: فطهور) خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو طهور. والجملة جواب الشرط، أي فهو
طاهر في نفسه مطهر لغيره. وقوله: تعذر استعماله أي باغتراف شئ منه بدلو أو نحوها.
اه. شرح الروض. وبه يندفع ما يقال: إن تعذر الاستعمال ينافي كونه طهورا. وحاصل
الدفع أن المراد بالاستعمال المتعذر الاستعمال بالاغتراف فقط، وهو لا ينافي أنه
يجوز استعماله بغير الاغتراف، كأن يغطس المحدث فيه ناويا رفع الحدث الاصغر أو
الاكبر فإن حدثه يرتفع به. (قوله: إذ لا يخلو منه) أي من الشعر، والاولى منها - أي
النجاسة - وهو علة لتعذر الاستعمال. أي وإنما تعذر ذلك لانه إذا نزح منه بدلو فلا
يخلو من وجود الشعر فيه فيتنجس ما في الدلوبه، لما تقدم من أنه إن غرف دلوا من ماء
قلتين فقط وفيه نجاسة جامدة فإن ليغرفها معه فباطن الدلو طاهر، فإن غرفها مع الماء
كان نجسا. (قوله: فلينزح كله) أي ليخرج الشعر كله معه. وهذا إن أمكن، فإن لم يمكن
نزح كله بأن كانت العين فوارة، نزح ما يغلب على الظن أن الشعر كله خرج معه. أفاده
في شرح الروض. (قوله: لم يضر) أي في الاستعمال. قال في شرح الروض: وبهذا علم أن
المراد
[ 118 ]
بالتعذر
فيما مر التعسر. اه. (قوله: وإن ظنه) أي ظن وجود شئ من شعر فيما اغترفه. (قوله:
عملا بتقديم الاصل) وهو هنا عدم وجود شئ من الشعر فيما اغترفه. وقوله: على الظاهر
أي الغالب. وهو هنا وجود ذلك. (قوله: ولا يطهر متنجس إلخ) شروع في كيفية غسل
النجاسة المغلظة، وهي نجاسة الكلب والخنزير. وقد تقدم بيان كيفية غسل النجاسة
المتوسطة، ولم يبين كيفية غسل النجاسة المخففة، وهي بول الصبي الذي لم يتناول قبل
مضي حولين غير لبن للتغذي وبيانها أنه يكفي في غسله النضح، بأن يرش عليه ماء يعمه
ويغلبه من غير سيلان، وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس: أنها جاءت بابن لها صغير لم
يأكل الطعام فأجلسه رسول الله (ص) في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
(قوله: بنحو كلب) متعلق بمتنجس، ونحو الكلب الخنزير. (قوله: إلا بسبع غسلات)
الاستثناء مفرغ، والجار والمجرور متعلق بيطهر. (قوله: بعد زوال العين) الظرف متعلق
بمحذوف صفة لسبع، أي لسبع معتبرة بعد زوال العين. ومقتضى هذا أن الغسلة أو الغسلات
التي تزال العين بها لا تحسب من السبع. ومقتضى قوله: فمزيلها مرة واحدة خلافه.
(قوله: ولو بمرات) أي تعتبر السبع بعد زوال عين النجاسة، ولو كانت العين لا تزول
إلا بغسلات. (قوله: فمزيلها) أي العين. (قوله: مرة واحدة) أي يحسب مرة واحدة، ولو
لم تزل إلا بست غسلات. وإنما حسب العدد المأمور به في الاستنجاء قبل زوال العين
لانه محل تخفيف، وما هنا محل تغليظ، فلا يقاس هذا بذلك. (قوله: إحداهن) أي إحدى
السبع، ولو السابعة. كما يدل له رواية: أخراهن بالتراب. والاولى أولى كما يدل له
رواية: أولاهن بالتراب. واختار التعبير بإحداهن للاشارة إلى جوازه في أي واحدة،
كما يدل له رواية: إحداهن بالتراب. وأما رواية: وعفروه الثامنة بالتراب. فمعناه:
أن التراب يكون بمنزلة الثامنة، مع كونه مع الماء في السابعة. (فائدة) عبر بإحداهن
بضمير الجماعة ولم يعبر بإحداها بضمير الواحدة، جريا على القاعدة من أن ما لا يعقل
إن كان مسماه عشرة فما دونها فالافصح فيه المطابقة، وإن كان فوق ذلك فالاصح
الافراد. وقد اجتمعا في قوله تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في
كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن
أنفسكم) * فأفرد في قوله: * (منها) * لرجوعه للاثني عشر، وجمع في قوله: * (فلا
تظلموا فيهن) * لرجوعه للاربعة. (قوله: بتراب تيمم) أي بتراب يصح به التيمم، بأن
يكون طاهرا لم يستعمل في. حدث ولا في خبث. (قوله: ممزوج بالماء) أي مخلوط به سواء
أمزجهما قبل صبهما عليه، وهو الاولى خروجا من الخلاف، أم سبق وضع الماء أو التراب.
وإن كان المحل رطبا لانه وارد كالماء. وقولهم: لا يكفي ذره عليه ولا مسحه أو دلكه
به: المراد بمجرده. اه تحفة. قال الكردي: وأفتى الشهاب الرملي بأنه لو وضع التراب
أولا على عين النجاسة لم يكف لتنجسه. وظاهره يخالف ما في التحفة. اه بتصرف.
(قوله: بأن يكدر الماء إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف، صفة لتراب. أي تراب كائن
بأن يكدر إلخ. فهو قيد ثان. وعبارة شرح المنهج: والواجب من التراب ما يكدر الماء.
اه. ويحتمل أن يكون تصويرا للمزج المجزئ، أي ممزوج مزجا مصورا بأن يكدر الماء.
(قوله: حتى يظهر أثره) أي التراب، فيه - أي الماء - وقوله: ويصل، أي التراب.
بواسطته، أي الماء. (قوله: ويكفي في الراكد) الجار والمجرور متعلق بتحريكه،
والضمير يعود على المحل المتنجس. يعني: يكفي عن السبع غسلات تحريك المحل المتنجس
في الماء الراكد سبع مرات، أي - مع تعكيره بالطين - في واحدة. ويحتمل أن يكون
الجار والمجرور متعلقا بمقدر واقع فاعلا للفعل، والاسم الظاهر معطوف عليه على حذف
العاطف، أي: ويكفي غمسه في الماء الراكد وتحريكه سبع مرات. وهذا وإن كان فيه تكلف
هو
[ 119 ]
المناسب
للمعطوف، أعني قوله: وفي الجاري، إلخ. والموافق لعبارة غيره. ونص عبارة فتح
الجواد: ويكفي عنها غمسه في ماء كثير مع تحريكه سبعا، أو مرور سبع جريات عليه. اه.
فلو غمسه فيه ولم يحركه يحسب مرة واحدة. (قوله: قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة
والعود أخرى) فإن قلت: ما الفرق بينه وبين تحريك اليد بالحك في الصلاة ؟ حيث يحسب
فيه الذهاب والعود مرة واحدة ؟ فالجواب أن المدار ثم على العرف في التحريك، وهو
يعد الذهاب والعود مرة. وهنا على جري الماء، والحاصل في العود غير الحاصل في
الذهاب. (قوله: وفي الجاري) معطوف على الراكد. وقوله: مرور سبع جريات معطوف على
تحريكه. والمناسب هنا في التقدير الاحتمال الثاني المار كما علمت، أي: ويكفي عن
السبع غمس المحل المتنجس في الجاري ومرور سبع جريات عليه. ويشترط فيه أن يكون كدرا
كماء النيل في أيام زيادته وماء السيل المتترب. (قوله: ولا تتريب في أرض ترابية)
أي لا يجب التراب في تطهير أرض ترابية تنجست بنجاسة كلبية، إذ لا معنى لتتريب
التراب. لكن لو أصاب نحو ثوب شئ من ذلك وجب تتريبه مع التسبيع، ولا يكون تبعا لها
لانتفاء العلة فيه. وهي أنه لا معنى لتتريب التراب ولو أصابة شئ من غسلات غير
الارض الترابية غسل بقدر ما بقي من الغسلات. فإن كان من الاولى وجب غسلها ستا، وإن
كان من الثانية وجب خمسا، وهكذا مع التتريب إن لم يكن ترب، وإلا فلا تتريب. فلو
جمعت الغسلات كلها في نحو طست ثم تطاير منها شئ إلى نحو ثوب وجب غسله ستا لاحتمال
أن المتطاير من الاولى، فإن لم يكن ترب في الاولى وجب التتريب، وإلا فلا. (قوله:
لو مس) أي شخص. وقوله: كلبا أي ونحوه كخنزير. (قوله: لم تنجس يده) قال البجيرمي:
وينبغي تقييده بما إذا عد الماء حائلا، بخلاف ما لو قبض بيده على نحو رجل الكلب
داخل الماء قبضا شديدا بحيث لا يبقى بينه وبينه ماء فلا يتجه إلا التنجيس. اه.
قال سم: توهم بعضهم من ذلك - أي من عدم التنجيس بالمماسة داخل ماء كثير - صحة
الصلاة مع مس الداخل في الماء الكثير، وهو خطأ، لانه ماس للنجاسة قطعا. وغاية
الامر أن مصاحبة الماء الكثير مانعة من التنجيس، ومس النجاسة بالصلاة مبطل لها وإن
لم ينجس، كما لو مس نجاسة جافة. وتوهم بعض الطلبة منه أيضا أنه لو مس فرجه الداخل
في الماء الكثير لا ينتقض وضوءه، وهو خطأ، لانه ماس قطعا. اه. (قوله: من ماء) أي
محل ماء كإناء، فهو على ماء حذف مضاف يدل عليه قوله بعد: ولم يعلم إلخ. وعبارة
المغني: ولو أدخل رأسه في إناء فيه ماء قليل فإن خرج فمه جافا لم يحكم بنجاستة، أو
رطبا فكذا في أصح الوجهين، عملا بالاصل. ورطوبته يحتمل أنها من لعابه. اه. وقوله:
ولم يعلم مماسته أي فم الكلب له، أي للماء. وقوله: لم ينجس أي الماء مطلقا. سواء
خرج فمه رطبا أو يابسا، عملا بالاصل. (قوله: الكلب الطاهر) مثله الخنزير عند مالك،
ورواية عن أبي حنيفة، كما في الاقناع. (قوله: ولا ينجس الماء القليل) معطوف على
مقول القول، أي وقالا إنه لا ينجس (قوله: بولوغه) هو أن يدخل لسانه في المائع
ويحركه. والشراب أعم منه، فكل ولوغ شرب ولا عكس. اه سم. (قوله: وإنما يجب إلخ)
معطوف أيضا على المقول. أي وقال: إنما يجب إلخ. وهو كالجواب عما يرد عليهما من أنه
إذا كان طاهرا فلاي شئ يجب غسل الاناء إذا ولغ فيه ؟ وحاصل الجواب أنه وجب ذلك
تعبدا، لا لنجاسته. (قوله: ويعفى إلخ) شروع فيما يعفى عنه من النجاسات. قال
البجيرمي: حاصل مسائل الدم والقيح بالنظر للعفو وعدمه أنها ثلاثة أقسام. الاول: ما
لا يعفى عنه مطلقا، أي قليلا أو كثيرا، وهو المغلظ. وما تعدى بتضمخه، وما اختلط
بأجنبي ليس من جنسه. والثاني: ما يعفى عن قليله دون كثيره،
[ 120 ]
وهو الدم
الاجنبي والقيح الاجنبي إذا لم يكن من مغلظ ولم يتعد بتضمخه. والثالث: الدم والقيح
غير الاجنبيين، كدم الدماميل والقروح والبثرات، ومواضع الفصد والحجامة، بعد سده
بنحو قطنة فيعفى عن كثيره كما يعفى عن قليله، وإن انتشر للحجامة، ما لم يكن بفعله
ولم يجاوز محله، وإلا عفي عن قليله. اه. وقوله: ما لم يكن بفعله منه. ما يقع من
وضع لصوق على الدمل ليكون سببا في فتحه وإخراج ما فيه، فيعفى عن قليله دون كثيره.
وقوله: أو يجاوز محله. قال سم العبادي: المراد بمحله محل خروجه، وما انتشر إلى ما
يغلب فيه التقاذف، كمن الركبة إلى قصبة الرجل فيعفى عنه حينئذ إذا لاقى ثوبه مثلا
في هذه الحالة. اه. (قوله: عن دم نحو برغوث) الاضافة فيه لادنى ملابسة، لانه ليس
له دم في نفسه وإنما دمه رشحات يمصها من بدن الانسان ثم يمجها. (قوله: مما لا نفس
إلخ) بيان لنحو. أي من كل ما لا دم له يسيل (قوله: كبعوض إلخ) تمثيل لما لا نفس له
سائلة. (قوله: لا عن جلده) أي لا يعفى عن جلد نحو البرغوث في بدن وثوب، ولو بمكة
ونحوها أيام ابتلائهم بالذباب. وأفتى بالعفو عنه الحافظ ابن حجر حينئذ، وإليه أشار
ابن العماد في منظومته بقوله: ودم قمل كذا البرغوث منه عفواعن القليل ولم يسمح
بجلدته فإنها نجست بالموت ما عذروامن حملها ناسكا صلى بصحبته وينبغي عند جهل الحمل
معذرة لناسك عم في أثواب لبسته وذلك لانه يشق على الانسان تفتيش ثيابه كل ساعة.
(قوله: ودم نحو دمل) أي ويعفى عن دم نحو دمل. وقوله: كبثرة تمثيل لنحو الدمل، وهي
خراج صغير. (قوله: وعن قيحه وصديده) أي يعفى عن قيح نحو الدمل وصديده، وهو ماء
رقيق مختلط بدم أو دم مختلط بقيح. (قوله: وإن كثر الدم) أي أو القيح أو الصديد
بالنسبة لنحو الدمل. وقوله: فيهما أي في نحو البرغوث ونحو الدمل. (قوله: وانتشر
بعرق) أي وإن انتشر الدم وجاوز البدن إلى الثوب. وقوله: بعرق، أي: أو نحوه. (قوله:
أو فحش الاول إلخ) أي وإن كثر الاول - وهو دم نحو البرغوث - جدا بحيث طبق الثوب
الملبوس، أي ملاه وعمه. وأفهم قوله الاول أن الثاني - وهو دم نحو الدمل - لا يعفى
عنه إذا كان كذلك. (قوله: بغير فعله) قيد في الكثير. أي ويعفى عن كثيره حال كونه
حاصلا له بغير فعله، ويقيد أيضا بأن لا يجاوز محله، فإن جاوزه عفي عن قليله فقط.
وأما عدم اختلاطه بأجنبي فهو قيد للقليل والكثير، فإن خالطه ذلك لم يعف عن شئ منه
أصلا. نعم، إن كان ذلك الاجنبي الطارئ من جنس الخارج لم يضر اختلاطه به. وقد ألغز
بعضهم في هذا فقال: حي الفقيه الشافعي وقل له ما ذلك الحكم الذي يستغرب نجس عفي
عنه ولو خالطه نجس طرا فالعفو باق يصحب وإذا طرا بدل النجاسة طاهرلا عفو يا أهل
الذكاء تعجبوا وأجابه بعضهم بقوله: حييت إذ حييتنا وسألتنا مستغربا من حيث لا
يستغرب العفو في نجس عراه مثله من جنسه لا مطلقا فستوعبوا والشئ ليس يصان عن
أمثاله لكنه للاجنبي يجنب وأراك قد أطلقت ما قد قيدواوهو العجيب وفهم ذاك الاعجب
ويستثنى من الاجنبي ماء الطهارة، فإنه يعفى عنه إذا لم يتعمد وضعه عليها وإلا فلا
يعفى عن شئ منه. قال الخطيب: وينبغي أن يلحق بماء الطهارة ما يتساقط من الماء حال
شربه، أو من الطعام حال أكله، أو جعله على جرحه دواء،
[ 121 ]